الولوج قليلاً بين القصة القصيرة والدراما

الذي يتصرف كمشاهد، فإنه يظهر ادعاء بمعرفة كل ما حصل في الماضي وعلى أقل تقدير (في المستقبل) الخطوة القادمة، ويتابع دوما البطل -النقطة المركزية- (أو يدعي البطولة لنفسه؛ لأنه يراها محرك الأشياء من حوله)، والويل والثبور لمن له علاقة بإنسان عنده هذا الاعتقاد.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/24 الساعة 01:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/24 الساعة 01:28 بتوقيت غرينتش

الذي يتصرف كمشاهد، فإنه يظهر ادعاء بمعرفة كل ما حصل في الماضي وعلى أقل تقدير (في المستقبل) الخطوة القادمة، ويتابع دوما البطل -النقطة المركزية- (أو يدعي البطولة لنفسه؛ لأنه يراها محرك الأشياء من حوله)، والويل والثبور لمن له علاقة بإنسان عنده هذا الاعتقاد.

القصة القصيرة هي قلب الدراما النابض. كثيرون (من غير العرب) الذين يكتبون عن القصة القصيرة وتقنياتها. وهؤلاء يتعاملون مع القصة القصيرة بأسلوب تقليدي (حبكة، إعدادات: زمان ومكان… إلخ)، لكني سأتحدث هنا عن القصة القصيرة بأسلوب مختلف ليس للكاتب فقط وإنما أيضا للقارئ.

القصة القصيرة مساحة يصمت فيها الكاتب لكي يتحدث تفكيره، يقول الكاتب كل شيء دون أن ينبس ببنت شفة، لا تتحدث القصة القصيرة عن رؤية أحادية وإلا كانت فاشلة؛ لأن الجميع يجب أن يتحدثوا بأقوى منطق موجود لديهم.

وفي الذروة الأفكار تزاحم بعضها، أثناء كتابة القصة هناك مساحتان: مساحة للكاتب ومساحة للشخصيات والأحداث، الشخوص يسيرون بخطوط درامية، لكن الكاتب لا يلتزم بشيء.

فمن الممكن أن يقول في لحظة ما إن شخصية معينة كانت تفكر في موضوع ما، لكن داخل الأحداث لا يمكن أن يبني وأن يظهر عدم اتزان في الشخصية إلا إذا كان ذلك مقصوداً ومبرَّراً.

الأحداث تسير وفق قوانين اجتماعية وبيئية، وإذا اختلَّ أي من هذه القوانين، فإن القصة كلها تخرج من مسار القصة الواقعية إلى الفانتازيا.

وليس سهلا إقناع الناس بمثل هذه الكتابة فهي مشابهة لإقناعهم بأنك إذا سكبت كوب ماء على تلة فإنه سيصعد إلى أعلى، ولن ينزل إلى أسفل. طبعاً الفرق في حالة القصة القصيرة أن القوانين الاجتماعية والبيئية قد تتغير مما يستدعى تغيير سلوك الأشياء عما تتصرف به عادة.

من جهة القارئ، فإنه مخيَّر بين أن يقبل تعليقات الكاتب بين الأحداث والحوار أو يرفضها. إنها بالضبط ما يحصل لمن يشاهد مسلسلاً درامياً فيه راوٍ ويأتي الراوي في لحظة معينة بتعليق ما قد يستسخِفه المشاهد ويجده غير ناضج.

مثال على ذلك: كأن يقول الكاتب إن أحد الشخصيات بدأ يتخيل حبيبته وحشاً مرعباً. إذا كانت الشخصية عاقلة فإن ذلك سيبقى تخيلاً، أما إذا كانت غير ذلك فإنه سيقضي على حبيبته أو يحاول ذلك وربما يقتلها مما يناقض الخط الدرامي كلياً ويدخل في الفانتازيا المجنونة إذا أصرَّ على أن الشخصية عاقلة.

إن تعليم القصة القصيرة بهذه الطريقة مفيد جداً، فغَرَضه ليس فقط لتكون كاتباً ولكن لكي تكون عضواً فاعلاً في المجتمع.

فأنت ستعرف متى تتوقف وتقول: لا أريد أحداثاً من هذا النوع في حياتي بعد اليوم فلأجرّب شيئاً آخر. وربما يتدخل شخص (خلال أحداث القصة) ويقول جملة فتقول في نفسك أين يعيش هذا الإنسان؟

ستتعلم إذا أتقنت وسيطرت على مهارات القصة القصيرة كيف تلتزم بالنص الذي يفرضه الشخوص لا الأوهام التي يوحي بها الكاتب، ستسير ضمن القوانين وتعرف متى وكيف تتحول الأمور إلى فانتازيا مرة.

القصة القصيرة فضاء للكاتب والقارئ معاً، إن إتقانها يشكل علامة فارقة في حياة أي شخص، ومن المعيب أن يخرج شخص ما ويقول ماذا سنستفيد من هذه الفنون؟

إن الفائدة هي تماماً كتعلم أسماء الألوان فهل يكفي فقط أن نرى لكي نحس بالجمال أليس جميلاً أن نتعلم: أخضر، أحمر، فوشي.

إن ما أدهشني في الحياة الواقعية هو عندما تصل الشخصية إلى نقطة عدم اتصال، أي عندما تتصرف بطريقة تخالف الماضي والمعروف عنها تماماً.

الخبراء لن يحكموا على هذه الشخصية في تلك النقطة وربما سيتركونها حتى تنضج من جديد؛ ليحكموا على خطّها أن تغير عن التاريخي أم لا، أما السطحيون فسيحكمون عليها في تلك النقطة ويخرجون بأحكام استنتاجية على كل الخط، الماضي والحاضر والمستقبل.

إن الأشخاص الذين لا يصمدون أمام نقاط عدم الاتصال لا يمكن أن يكونوا مادة للقصص القصيرة، إما لأن الأجواء ممهدة أمامهم تماماً فلا يدخلون في ظروف كهذه فتكون حياتهم مجرد جدول ماء تستطيع أن تعرف من أين سيبدأ وأين سيمر وأين سيصب دون الحاجة إلى قصة لن يتسلى القارئ بها.

والمثير للتعجب هم أولئك الأشخاص الذين يسيرون في حيواتهم رغم كل شيء غير عابئين بالآخرين ونظرتهم.

قد تكون مقطعاً من مقولة أخلاقية تعبر عن حكمة ما تسيرهم في مشوار حياتهم، ما هو المسبار الذي يرينا الحقائق ويفرق لنا بين الصواب والخطأ؟!

الدين، الحكمة، الأمثال، تجارب الآخرين، القصص المعبرة، قد تقودنا هذه الأشياء أو بعضها إلى طريق الإلهام في حياتنا فنصبح مع الوقت ناضجين ونكوِّن تجاربنا الخاصة ومعاملنا الخاصة التي تنصهر في بوتقتها تجاربنا وتنقلنا من وضع إلى وضع أفضل.

وقتنا يبدأ في سن التمييز، عرفاً هذا هو سن الدخول إلى المدرسة في السنة السادسة من عمرنا.

لكن أطفالنا يشاهدون الدراما في سن أقل من هذه السن بكثير، فالتلفزيون مفتوح لكي يشاهده الأطفال في كل الأعمار وكل الأوقات، ربما لكي يتسنى للوالدين الحصول على فترة خاصة. إذا راقبنا أطفالنا فسنجد كم تأثروا بما يشاهدونه على القنوات التلفزيونية.

بعض الأطفال لا يتأثرون فقط بالأحداث بل يفاجأ الوالدان بأن لغة ولهجة أبنائهما أصبحت مستوحاة من أفلام الكارتون.

هذا الأمر (اللهجة) يمكن ملاحظته والإحساس به، أما أمور أخرى فيصعب الوصول إليها وسبر أغوارها في مكنونات النفس الإنسانية لدى الأطفال.. "مش هتقدر تغمض عينيك".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر ش تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد