منذ سنتين، في ذلك المطعم الكبير..
وبينما البرق يرسم خيطاً من الضوء عبر زجاج نافذة الحمّام، وقفتُ أمام الحوض، أغسل يدي، وأتأمل وجهي في المرآة.. وحينها لمحتها؛ شعيرة بيضاء جديدة نبتت في مفرق شعري.
ابتسمتُ ساخراً من نفسي، في اللحظة التي خرج خلالها أحدهم من الحمام الموصد خلفي، ووقف بجانبي أمام الحوض؛ فالتفتُ تجاهه بشكل تلقائي؛ لأجده هذا الممثل الشهير، الذي ملأ الدنيا يوماً ما -منذ سنين- صار عجوزاً الآن بطبيعة الحال.. لاحظت الصبغة قاتمة السواد التي غطى بها شعره الأشيب، حييته بهزة رأس مبتسماً؛ فالتفت لي وهو يقول مُرحباً: "أهلاً وسهلاً"؛ عندها رأيت وجهه عن قُرب، بعيداً عن إضاءات الأفلام واللقاءات التليفزيونية؛ كان جلد الوجه مشدوداً؛ ليعالج تجاعيد الزمن؛ فترك أثراً أسوأ منها؛ حيث بدا وجهه عن قرب كأنه ممسوخ، وكأن ملامحه غُيّر موضعها قليلاً عن خلقتها الأصلية؛ بفعل عمليات الشد.. نظرتُ له بجانب عيني، بينما أدّعي أني مشغول بتنشيف يديّ؛ لألاحظ تجاعيد الجلد التي تكوَّمت خلف الأذنين.
خرجتُ من الحمام مسرعاً، وفي قلبي مرارة، زادت من رعشة جسدي بسبب البرد القارس حينها.. لماذا يفعل الإنسان بنفسه هكذا ليبدو أصغر؟ يشوّه نفسه؛ خوفاً من الاعتراف بتراكم السنين؟
وبلا سبب منطقي، أو ربما هي أفاعيل العقل الباطن، رنّ في عقلي صوت العود في مقدمة أغنية: "يا عمرنا" لـ"عمرو دياب".
دوماً كان عمرو حاضرًا في المشهد.. كالعادة.
(2)
هذه هي الحقيقة التي تترسخ بداخلك يوماً بعد يوم: دائماً كان عمرو دياب معك بشكل ما؛ كأغنية في خلفية حدث مهم في حياتك/ لحظة رومانسية كانت أو حزينة.. لو طلبت منّي مثلاً أن أخبرك لحناً يعبّر عن الفرح، سأجيبك فوراً: "ويلوموني"! وُلدت ولي أخ مهووس بشيء اسمه عمرو دياب؛ فتشرّبته في مرحلة مبكرة جداً.. لو كان عمرك 35 سنة أو أقل؛ ستدرك أن عمرو كان دائماً هنا، في مكان ما، حاضراً دوماً في محيطك.. سنوات طويلة تراكمت فوق بعضها؛ تغيرتَ أنت، وتغير كل ما يحيطك، وعمرو لا يزال موجوداً.. حتى "مبارك" تنحّى، وعمرو لم يفعلها!
(3)
ضحكتُ عندما شاهدتُ ردة فعل "عمرو" على ما قالته إحدى المطربات عنه وسخريتها من كبر سنه؛ بأن نشر لنفسه على صفحته فيديو قصيراً، يمارس خلاله الرياضة؛ بمنتهى النشاط والحيوية، بشكل لا يقدر عليه حتى مَن هُم في عمر أبنائه! لا يزال "عمرو" في داخله محتفظاً بعناد ذلك الشاب الذي أتى من "بورسعيد" للعاصمة المزدحمة؛ ليثبت نفسه وجدارته بأن يكون نجماً.. عاندته القاهرة العجوز كثيراً، ذاق مرارة الفشل والتجاهل، قبل أن تُذيقه شهد النجاح، ويردد الآلاف معه: "ميّال ميّال"!
أسطورة "عمرو" الذي لا يزال متربعاً على القمة منذ ما يقترب من 30 عاماً أساسها هو "العناد".. صحيح أنني لا أحب معظم ما يقدمه من أغانٍ خلال السنوات العشر الأخيرة، ولديّ الكثير جداً من الانتقادات والتحفظات فيما يخصه، لكن مَن يقدر على عدم الافتتان بهذا العجوز الذي يخوض الحياة بعناد الشباب، وطموح المحرومين، رُغم كل ما أعطته له الدنيا؟
لكن احترامي له يزداد لسبب آخر مهم، وهو الطريقة التي يعاند بها السنين.
(4)
منذ عدة أيام، اُلتقطت لعمرو صورة خلال عزاء والدة أحد المطربين.. صورة عن قُرب، بواسطة كاميرا موبايل، دون "فلتر"، دون تعديلات الفوتوشوب وتحسيناته، دون ألاعيب الإضاءة التي يجيدها المصورون المحترفون؛ فلاقت الصورة انتشاراً واسعاً؛ لأنها أظهرت وجه "عمرو" الذي امتلأ بالتجاعيد، رغم رشاقة جسده الواضحة ومتانة بنيانه الرياضي.. لهذا أحترمه؛ لأنه رجل لا يخشى من تجاعيد وجهه، على عكس الكثيرين ممن يجرون عمليات التجميل؛ في محاولات بائسة لإخفاء ما فعلته السنين.. صحيح أن عمرو يقاوم الشيخوخة، لكن على طريقته الخاصة؛ بأن يحيا بنظام غذائي صارم، ويمارس الرياضة كأنه بطل رياضي يستعد دوماً لبطولة ما.
هو أيضاً يخاف السنين مثل غيره، لكنه يقاومها بالاجتهاد، دون كذب. أذكر أنه في مكالمته التليفونية مع المذيع "عمرو أديب"، قال تعليقاً على سخرية أديب من كونه لا يزال شاباً: إنه فقط يحاول تأخير النهاية التي هي حتماً قادمة.
في مجتمع الاستسهال، لم يختر عمرو الحل الأسهل.. أتمنى منه أن يظهر في صور ألبوماته القادمة أيضاً دون حيل "الفوتوشوب"؛ فنحن نحبه ونعلم أنه قطع مشواراً طويلاً؛ ليبدو بهذا التماسك، ووجهه ممتلئ بالتجاعيد.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع مصر العربية
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.