(فلتبقَ جهنم لأجل الخونة – الخيانة أظلم من العداء – طريقنا صعب والله معنا).
عبارات وكلمات جليّة وقيّمة تلك التي تجري على لسان الفنان التركي "إنجين التان"، بطل المسلسل الشهير "قيامة أرطغرل" الذي يتحدث عن تاريخ الأتراك ما قبل الدولة العثمانية، وجهادهم كقبائل ضد الساعين لاحتلال البلاد.
هذا المسلسل الذي يذاع في أكثر من 22 دولة، ويتابعه الملايين، يحمل في طيَّاته الكثير من المعاني الدعوية والحركية والتربوية التي تؤسس لجيل واعٍ فهماً وعملاً وقولاً وحياةً بصفة عامة.
وأقول بوضوح شديد: لقد خطف أرطغرل القائد حب ونظرات وقلوب وعقول كل صاحب فكرة ومن لديه هَمّ وكل رافع راية جاهد في سبيله، شريطة أن تتماشى مع مراد الله ومراد رسوله الأكرم.
إن القيادة تجلّت في مشاهد لا حصر لها، ونحن بالطبع لن نذكر المشاهد؛ لأن المقال أعمق من تصوير المشهد، ولكن نتحدث في الإطار القيادي لشخصية أرطغرل التي مع تيمننا بها، لكنها أحيت مواجع في غياب هذا النموذج عن حياتنا، كحمَلة فكر إسلامي نفخر به من منظور ديننا وعقيدتنا الغراء دون تقييد مظلة أو راية أو مسار، فانتسابنا للدين أعظم انتساب وكفى، وما دون ذلك ففيه نظر.
إن القائد الفاهم هو ذلك الذي يحبب ويقرب ويشحن جنوده معنوياً ويصقلهم تربوياً، ويعظم دورهم الرسالي في تغيير واقع البلاد والعباد بالشكل الذي رأيناه في المسلسل التركي، وبالرغم من حرص المخرج الشديد على الأداء وروعته، فإنه خرج بشكل أروع وأروع، وظني في هذا لأن الأمر رسالة وعي في زمن تجريف وتزييف، وعي الشعوب على مدار الساعة، فما بين حريم السلطان وأرطغرل مسافات، وعي الشعوب، لكن مع تبني قادتها يكون الفرق، وهذا ما تم.
فالقيادة التركية تولي هذا النوع من المسلسلات اهتماماً بالغاً وعناية خاصة، تجلّى ذلك في زيارات رئيس الدولة لمقار التصوير كثيراً، بل ومصاحبته بعض النجوم في رحلات خارج الدولة التركية، وقناعتي أن هذا فهم كبير، فما بين الحكم الرشيد والرسالة الإعلامية الصحيحة والأداء البطولي والسيناريو المنصف والتذكير بمجد الآباء كل هذه المعادلة تؤسس لقادم يصون التاريخ ورجاله، ويحفر في الأذهان مواقف لن تمحى، بداية من ثبات الوالد سليمان شاه، مروراً برجولة أرطغرل وحتى حنان "غوندوز" ومواساته لأبناء الشهداء.
إننا وبشكل صريح نتطلّع لقيادة تقدر معنويات رجالها، وتعلم قدراتهم وتخدم على مشروع التمدد لهذا الدين، ونشر كل قيم العدل والحرية والصفاء والتسامح والذكاء العاطفي والوجداني والمعلوماتي والميداني بالشكل الذي نستمتع به من خلال هذا العمل الرسالي الرائع.
لقد أثبت أرطغرل قيادته ليس في ميدان القتال فقط، وإن كان هذا هو الأعلى، لكنه تفوق على نفسه في ميدان الإنسانية، وفهمه لحياة أبيه وبره بأمه، والصبر على كيد الحسود، والعذر لمن يجهل الأمور.
إن أرطغرل تاريخ حقيقي يجب أن يفخر به العرب كشخصية قيادية أثّرت وبشكل إيجابى في التكوين النفسي والمعنوي والميداني لما قبل الدولة العثمانية، وإن إبراز مثل هذه المسلسلات حق على كل صاحب عقل وقلم صادق ووعي متطلع لمعالي الأمور.
إن القيادة الحقيقية الصادقة هي التي تحول نكبات قومها لنصر، ليس بالكذب لكن باللجوء الصادق وطلب العون من الله، مع الاعتراف بصعوبة المسار والمسير، لكن طالما تم الأخذ بكل الأسباب فلا ريب ولا لوم، لكن التواكل والاحتساب لله دون عمل لهو سخف حقيق أن يرحل صاحبه، وانبطاح يخدم على انهزامية الأجيال القادمة، وشيء من الخنوع لا يرضاه الله ولا يرضي نبيه الأكرم الذي أخذ في هجرته من مكة للمدينة بكافة الأسباب، وكأنه ليس له إله، كما قال الشيخ الغزالي رحمه الله.
إن أرطغرل بقدر ما أسعدنا كثيراً فقد أحزننا أكثر وأكثر، فكم يتمنى المرء أن يكون ولده مثل فلان أو فلان، ذلك الطفل الذكي والصبيى الشجاع، كذلك لكم تمنيت أن ترزق هذه الأمة بقيادات على كافة الأصعدة مثل أرطغرل وتورغوت وأرتوك، لكننا مع الأسف ابتلينا بقيادات مثل الأمير سعد الدين وبهادير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إن أرطغرل صفع كل مدّع معلناً أن السذاجة ليست من حسن الفهم في شيء، وأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وأن الشخص الذي يتكرر خطؤه هو ترجمة لفهم فاشل وعقل عقيم ورؤى وأطروحات تؤخر وتعطل وأحياناً تقود للهلاك، وليس فيها شيء من الابتلاء كما أنها يقيناً ليست صبراً على محنة في سبيل الله.
إن القيادة الحقيقية التي كنا نتمناها هي من تتعلم الدرس من تلميح المغتصب والظالم والمتآمر، وتأخذه بعين الحذر دون أن تفصح عن تدابيرها أو تسامح من تجرأ عليها مرة فمرة بمكر الثعالب ودموع الأفاعي، وليس من حق القيادة هنا أن تجتهد فتقبل عذر المخطئ، خصوصاً إذا كان ورآها جسد كبير يتتبع آثاره وينظر إليها بوقار وثقة، ولكن كم من ثقة أوردت أصحابها المهالك والخسران.
إن أرطغرل نجا من أكثر من فخ، هو في نظري فخ فكري قبل أن يكون الهدف قتله والتخلص منه، فلو أنه قائد ميداني فقط لكان الأمر سهلاً، لكن دوره وقيادته الشمولية الواعية هي مصدر قلقه بالنسبة لخصومه، فقدرته على تجييش العقول وتوحيد القلوب رائعة، ولربما هنا الداء الذي أصابنا كمسلمين، فالبعض بارع في التقزم والتقسيم وخطاب الكراهية والعداء حتى مع بني جلدته، فضلاً عن التخوين والمزايدات التي بلا شك لن تخدم إلا نوعية "أريس".
إنني لست كاتب سيناريو أو مخرجاً تلفزيونياً حتى أحلل المشاهد، لكنني شاب يفهم، ولديَّ عقل، وفي يدي قلم.
وأستطيع القول بكل ثقة: إن الحركة الإسلامية في أَمَسّ الحاجة لقائد مثل أرطغرل، وجندي مثل بامسي، وحكيم مثل أرتوك، ولياقة وجاهزية تورغوت، حتى تستطيع العبور لمستقبل يصون ما تبقى من حقوق ويضمد الجراح ويؤسس لفهم جديد، ننحي معه كل عطل الماضي.
(إن متُّ أنا فالدعوة باقية) هذه العبارة قالها أرطغرل بعد عودته للقبيلة، وهي لها مغزاها، فهو مجاهد في سبيل الله ويؤسس للأفهام والعقول، وفحواها التربوي والحركي أن القعود ليس حلاً، وأن الفرد مهما عظم دوره فهو فرد سيرحل يوماً، وأنه ليس أكبر من دعوة الله، وهنا قمة التجرد والصدق في حياة القائد، وهذا ما نتمناه، لكننا نجد أقواماً حسبوا أنفسهم أوصياء على الجميع فهم الدعوة والفكرة، وما دونهم شباب مراهق، أو كبار لا يعلمون بواطن الأمور، وهذا داء جديد، فالشفافية التي ظهرت في حياة أرطغرل مع أصحابه فتحت مجالات الإبداع والاستنفار والفهم والسعي لتحقيق نصر القبيلة على كل متآمر وخائن، أما الجمود والصموت بلا عمل وانتظار الفرج من السماء فهو جهل بسنن الله في كونه.
ختاماً.. أوكد أن أرطغرل ليس نبياً أو شخصية خارقة، لكنه فهم تجسد في شخص ورسالة يعمل لها رجال أحبوا وطنهم، بحثوا فيه فوجود فيه تاريخ عظام حقيق أن يظهر للأجيال الحالية واللاحقة.
ونحن أحوج ما نكون إلى هذه النوعية القيادية الفريدة في تعامله مع الخصم والعدو والحبيب والقريب والجنود والأهل؛ لذلك لن أفقد الأمل ولربما بصبر وإخلاص المخلصين نصحو يوماً على قدرات ومواهب وملكات تفوق أرطغرل، القائد الذكي، فلا أحد يدري، المهم تخلص النية والمقصد، وحتماً سيرسل الله رجاله وجنوده مهما طال الزمان.
تحية لفريق عمل "قيامة أرطغرل" كل باسمه ولقبه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.