بداية "الناصر" هي سلسلة مقالية عبارة عن مقتطفات من كتابي "الناصر في مصر"، الذي يناقش تفصيلياً حياة صلاح الدين الأيوبي بشكل تاريخي ووثائقي بحت اعتماداً على ما تمت روايته من قِبل مؤرخين وأعلام في عصر في عهد السلطان وما يليه.
في عام 1963 أنتج فيلم الناصر صلاح الدين للمخرج يوسف شاهين، وليوسف السباعي كمعالج للقصة، ورواية محمد عبد الجواد، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن الشرقاوي، لكن محفوظ تنصل بعد ذلك من رواية الناصر، ونفى أن يكون قد خطّ فيها سطراً واحداً، وهو فيلم درامي تاريخي بحت.
تدور أحداث الفيلم حول فترة من حياة القائد صلاح الدين الأيوبي وهي فترة الحروب الصليبية ومحاولة صلاح الدين إثبات أن القدس كأرض ومكان مقدس للمسلمين، من بطولة أحمد مظهر الذي ضاق عن نفسه خلال تصوير الفيلم، وأعرب عن غضبه كونه ممجداً للرئيس جمال عبد الناصر، وهذا لا خلاف عليه صراح بواح.
الفيلم احتوى على عشرات إن لم يكن معظمه مغالطات تاريخية كانت وما زالت بمثابة هاجس عند البعض، وكلها من وحي خيال الكتاب، أو المخرج يوسف شاهين، الذي طلب إدخال بعض التعديل على القصة والسيناريو، وهو الأمر الذي لم يرُق لأحمد مظهر الذي أكد أنه كان يشعر بمبالغة كبيرة في تناول الفيلم لشخصية صلاح الدين الأيوبي، كما كتبها الأديب يوسف السباعي، وأنه كان يشعر في قرارة نفسه أن الفيلم لا يتحدث عن بطل عربي قديم، ولكن يلقي على عبدالناصر .
ليس هذا فحسب إنما مجموعة آراء صادمة لأحمد مظهر وُجهت للفيلم: "أنا ما بحبش الفيلم ده وكرهت يوسف شاهين بسببه"، كان هذا رأي أحمد مظهر في فيلم الناصر صلاح الدين، صرح به خلال حوار أجراه معه الصحفي أحمد عفيفي، عام 1980، لصالح مجلة "المجلة" السعودية… كنت حاسس إنه فيلم مطبوخ وأنا مجرد أداة في إيد المخرج؛ من الآخر أنا بكره الفيلم ده وما بحبش أفتكره.. صلاح الدين لم يكن بكل تلك العظمة.. "كنت حاسس إننا بنطبل لعبد الناصر؛ وأنا طول عمري ما بحبش أطبل لحد، ولا أكون طبلة في إيد حد، عشان الرقاصة تهز وسطها والكل تحت رِجلها بيصفق".
فيلم الناصر صلاح الدين، ورغم مرور خمسة عقود على إنتاج هذا الفيلم، فإن الأفكار والمغالطات التي حواها لا تزال تمثل مرجعاً وسنداً عند البعض "لكن كيف لهم الاعتماد على فيلم لم يخلُ من الحبكة الدرامية المختزلة؟" من المؤلف، ومن الغريب أن العامة المصريين أخذت الأمر على محمل الجد المجد، فلا تزال تماطل برواية سينمائية كلما أرادت أن تدافع عن صلاح الدين، بخلاف ما تخبرنا عنه الكتب التاريخية، وقسماً فإن مؤلفي الناصر لم يقرأوا أو يلمحوا بأم أعينهم شيئاً منها.
لكن مَن ذاك الذي لا ينخدع بتلك المغالطات ويؤمن بها إيماناً شديداً وهي صنع أستاذ الإخراج يوسف شاهين وديكور العبقري شادي عبدالسلام، ومشاركة ثلاثة من كبار الكتاب والقصة هم (محمد عبدالجواد، نجيب محفوظ، عبدالرحمن الشرقاوي) ومعالجة يوسف السباعي، وكان الممثلون منهم: صلاح ذو الفقار، نادية لطفي، حسين رياض، عمر الحريري، زكي طليمات، حمدي غيث، وأحمد مظهر؟!
ومن بعض تلك المغالطات التي سنتناولها تفصيلياً فيما بعد شخصية الناصر صلاح الدين من الأساس، فمن مرتكزات تلك الرواية أنها لم تحمل شيئاً عنه، ومنها أن صلاح الدين لم يكن عالماً بشؤون الطب، وكان له طبيب خاص يدعى موسى بن ميمون، فكيف يذهب لريتشارد بعد أن أصيب بأحد الأسهم على أبواب القدس؟! وهو من الأصل لم يذهب يوماً لزيارتها ولم يلتقِ صلاح الدين إطلاقاً فكانت المراسلات تتم عن طريق الرسل، حتى المعاهدات كانت مع الملك العادل شقيق صلاح الدين.
وعن ريتشارد كذلك الأمر حاول صنّاع الفيلم إرضاء من لم أعلمهم فاخذوا بتجميل شخصية ريتشارد من باب اللاشيء ووضعه في صورة البطل الشجاع المغوار المجاهد حقاً.. لكن حقيقة كان قذراً ولكم أبسط الدلائل وهم الأسر؛ حيث استبقى ريتشارد 2,700 أسير مسلم كرهائن ضد صلاح الدين الأيوبي للوفاء بجميع شروط استسلام الأراضي حول عكا، وقبل أن يغادر فيليب ملك فرنسا سلّم أسراه إلى كونراد، لكن ريتشارد أجبره على تسليمهم له، خشي ريتشارد أن يعرقله الأسرى عن التحرك بقواته من عكا، فأمر بإعدامهم جميعاً.
عيسى العوام بين ديانة مسيحية وحب السحر الأبيض للفارسة الصليبية لويزا.. هكذا كان في فيلم الناصر، لكن وللعكس تماماً كان غواصاً عربياً مسلماً حارب مع صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.