من مهامّ الدين والفن والفلسفة توجيه نظر الإنسان إلى التساؤلات والألغاز والأسرار.
وقد يؤدي هذا إلى معرفة ما، ولكن في أغلب الأحيان يؤدي إلى وعيٍ بجهلنا، أو إلى تحويل جهلنا الذي لا نشعر به إلى جهل نعرف أنه جهل.
الفن هو الرسالة التي تسكُن القلب بلا مغادرة، أو عندما تغادر تترك بصمتها في عقل الإنسان.
أما عن السينما المصرية في حالة المكوث أو المغادرة لا تترك في القلب إلا مرضاً دواؤه نَفَدَ أو فكرة يتعلق بها العقل ويترجمها إلى سلوكٍ واقعي في حياته.
وسوف نتناول في هذا المقال نموذجين من نماذج الفنانين الصاعدين المجتهدين الذين اختاروا سُلّم البلطجة والإغراء في الوصول إلى أعلى معدلات بيع التذاكر لأفلامِهم وجوائز المهرجانات السينمائية لبطولاتهم.
محمد رمضان وناهد السباعي
وأحببت أن ألصق ناهد السباعي من وسط عشرات الفنانات اللاتي صعدن إلى عروش الشهرة، بجانب محمد رمضان؛ لأنهما اشتركا في فيلم "احكي يا شهرزاد" وكانت أدوارهما هامشية بجانب من سبقتهما بالبطولة، وهي الفنانة منى ذكي.
كان الفتى يعمل عاملاً بسيطاً، ولكنه شاب رفيع البدن شعره مجعد أسمر اللون، ويعمل عند صاحبات المحل، وهن ثلاث فتيات، من بينهن الفنانة "ناهد السباعي"، الثلاث عازبات مشتاقات للتعرف على رجل يكسر شوقهن ويقضي احتياجاتهن، كان رمضان وناهد يتبادلان القبلات سراً في بعض مشاهد الفيلم، ناهيك عن الملامسات الجسدية التي دارت بينهما وهما يخفيان حبهما عن الفتاتين خوفاً من الاعتراف أمامهما.
وكأن البداية كانت من هنا، انتهى الفيلم وأثار ضجة على جرأته التي كانت تنافي العرف الفني حينئذٍ للمجتمع المصري العائلي، ومن ثَمَّ اتجه الاثنان الأول ناحية تجسيد البلطجة، والثانية إلى تجسيد الجسد.
البلطجي
من الفتى العامل في "احكي يا شهرزاد" إلى الميكانيكي الماهر الذي لُقبَ "بالألماني" أولى بطولاته السينمائية، تحولت النحافة الهزيلة إلى عضلات قوية، ابن الحارة الذي تربّى وسط العشوائيات وبيوت الدعارة؛ ليتحول إلى شاب قوي يستقوي على الضعيف، بلطجي الحارة الذي لا يستطيع أحد مناقشته في أي أمر حتى تمكن من قتل شاب آخر كان يحاول سرقته، وأصبح الألماني في قائمة المطلوبين وحديث الرأي العام والخاص، بعدما تسرب له فيديو يسجل عملية القتل.
ولم يخلُ الفيلم من بعض مشاهد الإغراء والأغاني الشعبية والرقصات التي تتماشى مع عُرف المنطقة الشعبية.
والغريب أن المجتمع المصري، ولا سيما الفئة العمرية الشبابية منه تفاعلت مع أول تجربة لرمضان القوي صاحب العضلات الذي يجسّد دور البلطجي، وكأن المجتمع ينتظر من يوجههُ إلى تلك الحياة من أسلوب حديث ومحاكاة للحياة الواقعية تشبه الدرامية الرمضانية.
وبدأ ينجلي نجم الفتى شيئاً فشيئاً، فسرعان ما قام ببطولة الفيلم الثاني على طراز الألماني، ولكن بمسمى آخر "عبده موتة".
وكانت القصة على غرار أختها من منطقة شعبية يسكُن الفتى بها بعدما مات والداه تحت ظروف غامضة ليوجه بُوصلة حياته نحو البلطجة والمخدرات وفرض الإتاوات على أهالي الحي، وعلى نفس السير تظهر فتاة "حورية فرغلي" طيبة أو كما يسميها البعض المرأة التي هزت عرش البلطجي، أو الفريسة التي قتلت أسدها بُحبها، بينما تظهر على الناحية الأخرى الراقصة "دينا" وتقيم علاقة غير شرعية مع بطل الحارة.
ومن بعد البطولتين وضَع محمد رمضان قدمه على عرش السينما.
وكما قال الفنان في أحد تصريحاته لـ"اليوم السابع" إنه يتقاضى الأجر الأعلى درامياً. كما أنه اشتهرت أفلامه بِتصدّر شباك التذاكر للسينما المصرية.
ناهد السباعي
كانت التحرشات مخفية عن عيون أخواتها في فيلم "احكي يا شهرزاد"، والآن أصبحت الجوائز علنية؛ حيث فازت الممثلة ناهد السباعي بجائزة أفضل ممثلة لِمهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن بطولة فيلم "يوم للستات".
وانتقلت ناهد السباعي من الأدوار الهامشية إلى البطولات مثلها كمثل السالف ذكره، ولكنها لكونها امرأة فاختارت طريق الجسد للوصول؛ حيث قامت ببطولة الفيلم الذي أثار ضجة واسعة "حرام الجسد" على المستوى الفني، مما اعتبره الكثيرون فيلماً جنسياً لاسمه واحتوائه على بعض المشاهد الجنسية.
وتدور قصة الفيلم حول فتاة في العشرينيات من عمرها اسمها فاطمة "ناهد السباعي" تتزوج من رجل مُسن كهل الفكر والبنية، عجوز يعجزُ عن أداء واجباته الزوجية، لا سيما العاطفية مع فتاته.
وبالصدفة ترجع فاطمة إلى ذكريات حبها الأول من "علي" الشاب الذي حُكمَ عليه بالسجن ٢٥ عاماً، ولكنه هرب إبان أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني؛ ليعمل بالمزرعة التي تُقيم فيها فاطمة، وترجع ذكريات الحب ومحاكاة الجسد بينهُما مرةً أخرى بعدما تخلصا من زوجها العجوز.
وبالتأكيد لا أحمّل انحدار المجتمع الأخلاقي وتأثير السينما والدراما المصرية عليه للممثل محمد رمضان وزميلته ابنة السباعي.
فالدراما المصرية ولا سيما في آخر سنواتها السبع في انحدار تام للقيم ومعاني الرسائل التي توجهها لفئات المجتمع، وخاصة الفئة الشبابية والناشئة.
فهل يستطيع الفن المصري تقديم محتوى مرئي هادف يخلو من البلطجة والجنس؟ أم هما مادتان أساسيتان لنجاح الفن وسط المجتمع؟
ولا أستطيع إنكار وجود بعض المواد الهادفة التي قُدمَت لبعض الفنانين والفنانات ولكني هنا أنوّه بالأفلام التي لا تخلو من محتواها الإجرامي والجنسي، ناهيك عن الأفلام الاستعراضية التي يتصدرها الراقصات والمطربون الشعبيون، مثلما انتشر في الآونة الأخيرة.
فالفن قيمة إنسانية روحية يستشعرها القلوب، وتحيا بها الضمائر، وتعالج الأمراض، وتنهض بالمجتمعات، وتتقدم الأمم من خلال سُبلِها الهادفة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.