رُشح للغولدن غلوب.. فيلم لمخرج ألماني تركي الأصل يعيد جرائم خلية يمينية متطرفة ضد المهاجرين للواجهة

الفيلم إنتاج ألماني فرنسي مشترك، من جرائم خلية النازيين الجدد "إن إس أو"، التي قتلت خلال مطلع الألفية الجديدة وعلى مدار سنوات 9 أشخاص من أصول مهاجرة وشرطية ألمانية..

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/13 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/13 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش

أُعلن يوم الإثنين، 11 ديسمبر/كانون الأول، عن ترشيحات جوائز الغولدن غلوب، التي تضم عادة أبرز الأفلام التي يمكن أن تترشح لجوائز الأوسكار لاحقاً، ونال فيها فيلم المخرج الألماني من أصل تركي فاتيح أكين ترشيحاً عن فئة الأفلام الأجنبية.

واستوحى المخرج -الذي شارك في كتابة السيناريو هارك بوهم- فيلم "نحو التلاشي/ من العدم (النسخة الألمانية)"، وهو من إنتاج ألماني فرنسي مشترك، من جرائم خلية النازيين الجدد "إن إس أو"، التي قتلت خلال مطلع الألفية الجديدة وعلى مدار سنوات 9 أشخاص من أصول مهاجرة وشرطية ألمانية، وبالتحديد من تفجير بعبوة ناسفة في حي يقطنه الأجانب بمدينة كولونيا في العام 2004.

ولم يتم الكشف عن الفظائع التي أقدمت عليها، سوى عن طريق الصدفة، خلال ملاحقة الشرطة لعنصرين منها على خلفية قضية سطو، وقيامهما بالانتحار. وما زالت تمثل الألمانية بياته تشبيه الشريكة في جرائم الخلية منذ 4 سنوات أمام المحكمة في ميونيخ.

وفيلم "من العدم" الذي بدأت صالات السينما الألمانية عرضه أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، هو أيضاً ممثل ألمانيا في السباق لنيل الترشيح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.

وعبر أكين عن امتنانه وسعادته بحصول عمل شخصي له على هذه الفرصة، وارتياحه للترشيح لجائزة غولدن غلوب، وبيَّن أنه شعر بأنه قد كُرم لأنه لم يسبق له أن وصل بفيلم إلى هذا الحد من المنافسة.

إشادة بأداء كروغر


ونال أداء الممثلة ديانه كروغر في أول فيلم ألماني لها مديحاً في وسائل إعلام بلادها، إذ بدت مقنعة جداً في تجسيد معاناة أقارب الضحايا، من الصدمة الشديدة والتألم حيال مقتل أفراد الأسرة، ثم الغضب والكراهية حيال منفذي العمل الإرهابي، والشعور بالظلم الذي دفعها للانتقام.

وبرزت كروغر فنياً، بعد أن غادرت بلادها عندما كانت مراهقة منذ 25 عاماً، وشاركت في أفلام في هوليوود. وقالت إنها لطالما انتظرت وبحثت عن المشاركة في فيلم ألماني، الأمر الذي لم يتحقق سوى مع المخرج "أكين"، في هذا الفيلم الدرامي الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان السينمائي الصيف الماضي، وعبرت عن سعادتها بالعمل معه.

وقضت الممثلة وقتاً عصيباً خلال تصوير الفيلم، إذ توفي زوج أمها بشكل مفاجئ خلال العمل، وكان سبق ذلك وفاة جدتها المسنة، الأمر الذي قالت إنه أدى لأول مرة إلى خلطها بين عملها وحياتها الخاصة، أي باتت حزينة أثناء العمل وفق مجرياته، ثم بعد الانتهاء منه، واصفة تلك بالفترة المظلمة. وقالت إنها اضطرت للتوقف عن العمل بعد انتهاء مشاركتها في العمل على الفيلم لـ5 أشهر، للخروج من هذه الحالة، ولم تشاهد الفيلم سوى مرة واحدة.

الغضب من "قتل الضحايا مرتين" كان الدافع وراء إنتاج الفيلم


وعلى خلاف العديد من الأفلام التي تناولت قضية خلية "إن إس أو" اليمينية المتطرفة الإرهابية، اختار أكين تناول بُعد آخر للأمر، لطالما تم التطرق إليه بشكل خجول في الأعمال السابقة، ألا وهو مصير أقارب الضحايا.

فيجد من يشاهد الفيلم نفسه يطرح أسئلة من قبيل: هل يمكن للمرء أن ينجو من تبعات عمل إرهابي بعد أن تُدمر حياته، ويُختطف منه أعز ما يملك، وكل ما يملأ عليه حياته، كزوجته/زوجها، وأطفاله، هل يتبقى للحياة من معنى بعد وقوع الهجوم، وما الذي تعنيه العدالة وتنفيذ القصاص من المجرمين المنفذين للاعتداء، ثم من هم الضحايا، هل هم من أودى بهم العمل الإرهابي، أم الزوجة والأطفال فقط في هذه الحالة، أم صديقة الزوجة أيضاً التي باتت تراها وقد تغيرت رأساً على عقب، أو حتى ذوو منفذ عمل إرهابي يميني متطرف لا يشاركونه نفس الأفكار، ويشعرون بالخجل مما اقترف ابنهم، أم أقارب الضحايا الذين يكرسون حياتهم للانتقام.

ويتناول الفيلم قصة امرأة ألمانية تدعى كاتيا، تفقد زوجها الكردي وابنها الصغير في هجوم بمدينة هامبورغ، ينفذه زوجان ألمانيان من اليمين المتطرف، كارهان للأجانب، ويبدأ بعرض قصير لحياتهم قبل الهجوم، ثم بمشهد فاصل يشي بالأحداث اللاحقة، يعرض لاكتشافها وهي قادمة للقاء أسرتها أن مكتب زوجها -الذي بات يعمل بشكل قانوني تاركاً ماضيه كمحكوم سابق عن جنايات متعلقة بالمخدرات خلفه- قد تعرض لهجوم بعبوة ناسفة، لتقاوم الشرطة وتمتنع عن الابتعاد عن المكان، تبكي وتصرخ مصدومة متألمة، وهو المشهد الذي يتصدر المقطع الدعائي للفيلم.

وفي مشاهد مستقاة مما جرى مع ضحايا جرائم "إن إس أو" في الحقيقة، تحاول السلطات مواجهة المرأة في الفيلم بأسئلة لا يُفهم منها سوى محاولة تجريم زوجها الذي وقع ضحية للهجوم، وإظهار الأمر على أنه ناجم عن صراعات سياسية أو دينية أو في عالم الجريمة، بعيداً عن إمكانية أن يكون نازيون جدد قد قتلوه مدفوعين بكراهية الأجانب، فتُسأل: "هل كان زوجك مسلماً؟ هل كان كردياً؟ هل كان ناشطاً سياسياً ولديه أعداء؟".

وأوضح فاتح ياكين لتلفزيون "إن دي إر" أن دافعه لكتابة سيناريو فيلم عن هذا الشأن كان انجلاء حقيقة جرائم هذه الخلية في العام 2011، الذي تبين أنهم قتلوا الضحايا بنفس السلاح، وكيف بحثت السلطات لـ10 سنوات فيما إذا كان الأمر يتعلق بارتباط الضحايا بالمافيا التركية أو الكردية أو أموال تجارة المخدرات أو القمار، لأن الضحايا كانوا من خلفيات مهاجرة، وكذلك فعل القضاء والصحافة.

وبيّن أن الذي أغضبه، ليس جرائم خلية "إن إس أو" نفسها، التي كانت فظيعة بما فيه الكفاية، لكن لأنه لم يُسمح للضحايا بأن يكونوا ضحايا، بل تم جعلهم مجرمين. أو كما وصف ذلك قبل أشهر خلال مشاركته في مهرجان كان، بأن هؤلاء الناس "قُتلوا مرتين".

ولفت إلى أن ما أغضبه هو وصم المجتمع لأقارب الضحايا، وممارسته العنصرية حيالهم، وإطلاقه الأحكام المسبقة.

ويعرض الفيلم لدخول الأم في حالة حداد وحزن على أحبائها، ثم اليأس والعجز عن متابعة حياتها واقترابها من الانتحار، قبل أن تجد ما يعزيها في محاولة إدانة القتلة في المحاكم الألمانية، لتعيش المأساة من جديد، ويصبح لزاماً عليها مشاهدة قتلة عائلتها، ومحامي المجرمين الذي يبدو عديم الشفقة، وهو يحاول بشتى الوسائل تبرئتهما والطعن في مصداقية شهادات الزوجة، ويتوجب عليها سماع الوصف المؤلم للإصابات التي تعرض لها زوجها وابنها، تعاني من مجريات الملاحقة القضائية "الناشفة" كما وصفتها كروغر، في الوقت الذي تبدو مشاعر الغضب والبغض مسيطرة عليها.

ويتناول الجزء الأخير من الفيلم الصراع النفسي، الذي تعيشه المرأة الساعية للقصاص بعد أن فقدت الأمل في القضاء، لتحاول تطبيق العدالة بنفسها وكما ترتئيه هي، بعد أن عرفت مكان الشخصين المنفذين للهجوم في دولة أوروبية، ليُفاجأ المشاهد بسلوكها طريقة راديكالية في الانتقام، وبمشهد ختامي صادم، يسبقه الكثير من الإثارة.

وتعليقاً على انتقاده لإظهار حالة الغضب لدى الشخصية الرئيسية، كاتيا، وتطرقه لفكرة الانتقام، قال المخرج أكين في حديث مع تلفزيون "في دي إر"، إنهم كصانعي أفلام ليسوا واعظين أخلاقيين، وكل ما يعد "لياقة سياسية" يعتبر أمراً سيئاً بالنسبة لهم، مبيناً أنه "ليس ولي أمر" مشاهديه.

واعتبرت الممثلة كروغر أن القضية التي يتناولها الفيلم حديثة، وأنه وإن كان الفيلم يتحدث عن النازيين الجدد وخلية "إن إس أو"، إلا أن الفيلم عالمي، مشيرة إلى إمكانية تصوير الفيلم بالإنكليزية أو الفرنسية، لأنه يتعلق بالحداد والكيفية التي يستطيع بها أهالي الضحايا التعايش مع أمر فقدان ذويهم.

وذكرت أن ما جعلها تتأثر بالفيلم هو التركيز على: ما الذي يجري مع أقارب الضحايا؟ في الوقت الذي يتم الاقتصار حالياً في تناول الهجمات الإرهابية على أرقام فقط، أي عدد الضحايا الذين خلفتهم.

تحميل المزيد