يشارك الفنان اللبناني مارسيل خليفة في الحفل الختامي لمؤتمر منتدى الشرق الشبابي السنوي الرابع 2017، مقطوعته السيمفونية "تهاليل الشرق"، بالتعاون مع أوركسترا إسطنبول الوطنية، وكورال مدينة إسطنبول، وبقيادة المايسترو لبنان بعلبكي، ويقام الحفل مساء الثامن من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وقال الموسيقار الكبير لـ"عربي بوست"، إن العمل الأوركسترالي الضخم "يجمع بين أجواء الموسيقى في الشرق الكبير، من الصين والهند وإيران شرقاً، إلى بلاد العرب حتى الأندلس غرباً، باستخدام علوم وفنون التناغم والهارموني في الموسيقى الغربية".
وأضاف أن مقدمة ابن خلدون تتحدث عن معزوفات كان يؤديها تسعون عازفاً، "يعني علم التوافق الصوتي الهارموني كان موجوداً لدينا منذ وقت طويل، والشعوب كلها أسهمت في تطوير الموسيقى".
يشارك في عزف "تهاليل الشرق" أوركسترا إسطنبول الوطني، وكورال إسطنبول بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي، كما يؤدي مارسيل عدداً من أغانيه الشهيرة بصوته، مثل "أمي" و"سلام عليك" و"يا نسيم الريح" وغيرها.
وفي حوار مطول مع عربي بوست تحدث مارسيل خليفة عن بداياته في السبعينيات، وعن نوع الموسيقى التي ينحاز إليها، وانتمائه للماركسية، وعن الضغوط التجارية التي كانت تواجه مشروعه الفني، كما تحدث عن برامج اختيارات الأصوات الجديدة في التلفزيونات.
البداية: الموسيقى تخرج من هذه القصيدة
احتجزته الحرب الأهلية في منزله، فبدأ لعبة التلحين، وحاول أن يكتشف الموسيقى في كلمات محمود درويش.
"أنا من منطقة شمالي بيروت، عمشيت قريتي قريبة من جبيل. انحجزنا لأني لم أكن متوافقاً مع الخط السياسي الموجود بالمنطقة، كان فيه صراع بين اليمين اللبناني وقوى أخرى. الحرب كانت مع المقاومة الفلسطينية، وأنا كنت مع القضية الفلسطينية من غير أن أعرف الكثير عنها. كانت المنطقة لديها موقف خاص وانحجزت في منزلي وكان عندي دواوينه، ولم أكن أعرفه. فصرت أستخرج بعض النصوص أتسلى وألعب، وأكتب لها موسيقى، ولم أكن أعرف أن هذا اللعب سيصير يوماً ما الخبز اليومي لبعض الناس يسمعونه ويرددونه، اللي هو "أمي" و"ريتا" و"جواز السفر" و"وعود من العاصفة".
كانت هذه المقطوعات بالنسبة لي بلسماً، لأني كنت في سجن قسري بمنزلي.
البداية كانت موسيقية، لذلك العمل اللي عملت عليه كان موسيقياً، كان فيه شعر، لكن لم أستند فقط للشعر، استندت إلى شعرية الموسيقى، كيف نستخرج الموسيقى من هذه القصيدة".
الأغنية الشعبية: كل ألحاني تستند إلى التراث
ينفي أن مشروعه كان نخبوياً، بعيداً عن الأغنية الشعبية العربية، ويقول إن موسيقاه تنبع من كل الأذواق، لكنها بصمته الخاصة.
"يعني ما كان ممكن تخلص أغنية ريتا الصعبة لو ما كان بداخلها مقومات ومنمنمات شعبية، وتستند إلى تراث وذاكرة وتراتيل. لكن بفترة لاحقة عملت كتير أغنية شعبية، مثل يا بحرية وحط الدبشة ورئيس الإشارة، وكتير أغاني. اللي ما كانوا سامعيني بالأغاني الأولى سمعوني بالشعبية ورجعوا انتقلوا للأغاني الأولى.
كان فيه لعب على هذه المنطقة، لأنني شخص عندي كل الأذواق، شعبية كلاسيكية تراثية، يعني ممزوج يعني انعمل شيء خاص من كل هذا. صار فيه طبخة جديدة".
كيف أعمل؟ أصلاً لا أفكر في الجمهور
يقول مارسيل إن هناك صعوبة في أن يتذكر المستمع أغنياته ويغنيها من الذاكرة، ولكنه يشير إلى جوانب أخرى تجعل أعماله طربية وشعبية.
"فيه خصوصية إذا دخل فيها المستمع سيجد النغمة سهلة، لكن تجد الطريقة لتدخلها. هي ليست بطرب لكن فيها طرب، هي ليست بشعبية ولكن فيها كثير من المقومات الشعبية. هي تصويرية فيها سينما، بها صور.
فيها كل شيء. أنا أعرف كثيرين يسمعون الأشياء وأعرف شو بيوصل لهم، وبيعلموني.
بالخلق والإبداع ما بتعرف كيف توصل الفكرة، أحيانا تفضل تكتب وتكتب ولا تأتي الأفكار ما عاد بتلاحق عليها، وأحياناً تأتي فكرة مدهشة. ولذلك لأول مرة الإبداع يأتي بدون تفكير. التفكير يأتي لاحقاً. ما فيك تكتب وانت عم بتفكر انه هايد كيف لما بدي أعملها في إسطنبول والناس كيف بيسمعوها.
أصلاً ما بافكر في الجمهور. ما أفكر في شيء إلا في العمل، وبعدين يدخل المنطق والعقل. فيه شيء من الجنون الذي يشبه العقل، لكن بطريقة فيها جرأة".
الفن في معركة السوق
يقول مارسيل إنه ليس من حق المنتج أن يطلب منه أعمالا فنية بمواصفات معينة وإن مشكلته مع الضغوط التجارية وقوانين السوق ما زالت مستمرة.
"لما بدأنا ما كان فيه ولا إذاعة ولا تلفزيون تبث أعمالنا، لأننا كنا خارجين عن المألوف أو الإطار الرسمي. كان هناك شرائط الكاسيت. وكنا ننتج مثلا عشرة آلاف نسخة، تصبح في اليوم التالي مليون نسخة بتونس والمغرب ومصر والأردن وفلسطين. الكاسيت هي التي أوصلت أعمالنا للناس.
بعدين لاحقاً أصبحوا يضعوا موسيقانا ويدعونا لمقابلات. ما غيرنا، ما زلنا نحكي مثل الأول. الفن الذي أبدعناه أنتج نفسه من اللحم الحي. أيضاً من خلال الفن ساهمنا في تطوير مشاريع وأعمال مثل بناء مستوصف أو بناء مركز ثقافي أو مستشفى.
كنا نعمل جولات يعود ريعها لبناء مستوصف في قرية حقيقية. حاولنا أن نساهم بالطريقة التي نقدر عليها.
أكيد المنتج الذي يأتي عندي له وجهة نظر ورؤية، لو جاء يكلفني بعمل ما، فليس من حقه أن يطلب مني شيئاً محدداً. إذا بدأ في هذا يبقى مع السلامة. هو منتج يعني شغلته ينتج. لما جئنا مثلاً منتدى الشرق طالبين عمل موسيقي في المؤتمر ما قالوا إن العمل على قياس كذا، وإذا بدأ أحدهم كلاماً كهذا، لن أكون موجوداً أنا".
عن اليسار العربي ومسابقات الأصوات الجديدة
تحدث مارسيل خليفة أيضاً عما وصفه بالانتقال من الاشتراكية المسيحية إلى الماركسية، "أنا من عمشيت، بلدة مسيحية تمتلك خمسين كنيسة، سمعت قداديس في حياتي تكفيني دهراً. ولم أكن أعرف شيئاً عن القضية الفلسطينية حتى رأيت المخيمات عندما ذهبت إلى بيروت. تأثرت، وأحسست بالانتماء إلى هؤلاء الناس، كما كنت أنتمي في قريتي إلى عوام الناس، ضد الإقطاعيين وملاك الأراضي.
ربطت الأمرين معاً. وأنا جئت من اشتراكية مسيحية، يعني المسيح كان أول اشتراكي في العالم. إلى أين أذهب؟ وجدت الماركسية. الماركسية ليست لينين. ماركس كتب نصاً شعرياً جميلاً، نصاً اجتماعياً رائداً. انتقلت من الاشتراكية المسيحية إلى الماركسية دون المرور بالأحزاب. لم أمتلك بطاقة، ولم أكن ناشطاً في الحزب الشيوعي اللبناني. لست فوضوياً، لكن لا أحب القياسات. أحب بيتي ما يكون عنده سقف ولا شبابيك، وهكذا أكتب الموسيقى".
وعن برامج ومسابقات الأصوات الغنائية الجديدة قال مارسيل إن الاستثمار الحقيقي سيكون بمعاهد تدريس الموسيقى. "حرام الأموال التي ينفقونها على هذه البرامج. الشباب الصغار الحلوين ممكن يغنوا حلو وينجحوا بالمسابقة، بس لازم يفوت على معهد موسيقى يدرس مش أن دوغري بتصير نجم ويمشي وراك عشرين سيارة، أنا باسوق سيارتي وما بيمشي ورايا حدا. والسيارة بتكون فارغة من هون لهونيك. فيه شيء غلط ما، ما فينا نفوت فيه".
يقام الحفل في الثامنة، مساء الثامن من أكتوبر تشرين الأول 2017، في قاعة لطفي كردار بمنطقة حربية في مدينة إسطنبول. ولضيوف المؤتمر من حاملي بطاقات المؤتمر أولوية دخول الحفل. شراء تذاكر المؤتمر عن طريق هذا الرابط.
غير المشاركين بالمؤتمر يمكنهم التسجيل عن طريق موقع المؤتمر أو عن طريق صفحة الفيسبوك لمنتدى الشرق الشبابي.