تصدّر المسلسل الهندي "ماين كوتش بهي كار ساكتي هون" الشهير، نسبة المشاهدة على مستوى العالم، متجاوزاً في موسمين 400 مليون مشاهدة، فيما العدد متوقع أن يزداد، حيث لا يزال الموسم الثالث منه حالياً قيد الإنتاج.
المسلسل الدرامي الذي يعني اسمه "أنا امرأةٌ يُمكنها تحقيق أي شيء"، يشمل في موضوعاته العنف المنزلي واعتداءات رش الأحماض، وارتفاع معدلات إجهاض الأجنة الإناث.
ووفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، فإن الانتشار الهائل للمسلسل التلفزيوني والإذاعي، المُمَوَّل جزئياً عبر المساعدات الخارجية البريطانية، والذي صمَّمته منظمة غير حكومية لتعزيز الصحة الجنسية وتنظيم الأسرة، كان غير مُتوقَّع، بحسب بونام متريجا، المديرة التنفيذية لمؤسسة Population Foundation of India.
وحول الخط الساخن الذي أُنشِئ لتلقي تعليقات المشاهدين قبل ثلاثة أعوام، قالت: "كان تقديرنا أننا سنتلقى حوالي 250 مكالمة يومياً. ولكن في اليوم الأول، من أول عرض، تلقينا 7 آلاف مكالمة في غضون ساعةٍ واحدةٍ. وفي غضون ساعتين، انهار نظام الاتصال لدينا".
ومع نهاية الموسم الأول، دُعِيَ أكثر من 1.4 مليون من الهنود للتعليق على الدراما التي تدور حول بطلة العمل، سنيها ماثور، التي ترفض العمل في وظيفة مربحة كطبيبة في مومباي لممارسة مهنتها في قريتها براتابور.
وفي واحدةٍ من القصص الشجاعة بشكلٍ خاص، والتي جعلت المسلسل يحظى بالشهرة، عادت سنيها إلى قريتها بعد أن أُجبِرَت شقيقتها على الإجهاض في وقتٍ متأخرٍ من حملها بأنثى، وماتت خلال عملية الإجهاض.
وفي حلقةٍ أخرى، تعرَّضت شقيقةٌ أخرى لها لهجومٍ بالحمض على يد صبي محلي بعد انضمامها لفريق كرة قدم مُختلَط الجنس.
وأمضى مخرجو وكُتَّاب العمل عاماً في زيارة المناطق النائية الهندية، بحثاً عن المشاكل الاجتماعية التي لا تزال قائمةً في البلاد، وخاصةً في قراها.
وتقول بونام إنَّ الجهل بالصحة الجنسية مشكلةٌ أساسية، مضيفة: "أنَّ الهند لديها برامج تنظيم الأسرة الأقدم في المنطقة. ومع ذلك لم نُحقِّق الكثير من النجاح. وحتى اليوم، تحصل النساء في البلدان المجاورة مثل سريلانكا ونيبال وباكستان على المزيد من وسائل منع الحمل".
وكثيراً ما تكون النساء الهنديات وأزواجهن غير مدركين لفوائد استخدام الواقي الذكري، أو تأخير الحمل الأول، أو التباعد بين فترات الحمل للسماح لهن باسترداد عافيتهنَّ.
ويُنفق ما يقرب من 85% من الأموال المُخصَّصَة لتنظيمِ الأسرة على تعقيم النساء، بينما يُنفَق الكثير من الباقي على عمليات الإجهاض، التي كثيراً ما تُنفَّذ دون رعايةٍ وتتسبَّب في حالةِ وفاةٍ واحدةٍ تقريباً بين كل 10 وفيات من الأمهات.
ويستمر أيضاً إجهاض الأجنة الإناث، رغم مرور أكثر من عقدين من الإدانة الحكومية لهذه العمليات، ومن المُتوقَّع أن يتسع اختلال التوازن بين الرجال والنساء على مدى السنوات الـ15 المقبلة.
وتقول بونام: "كان الأمر مُحبِطاً للغاية بالنسبة لنا في قطاع التنمية، لأنَّ السلوكيات لم تتغيَّر".
وأظهرت البحوث التي أجريت في ولايتي بهار وماديا براديش، وهما من أفقر ولايات الهند، مظاهر مشابهة لما جاء في مسلسل "ماين كوتش بهي كار ساكتي هون".
وبعد مشاهدة الموسم الأول، وافق ما يقرب من 40% من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع على أنَّ الزواج في سنٍ مبكرة جداً يُهدِّد حياة كل من الأمهات والأطفال، بعد أن كان هذا الرقم 25% قبل عرضه. وبين الرجال، كان 2% فقط يعتقدون أنَّ الزواج المبكر يُمثل مشكلةً قبل مشاهدة العرض، ولكن هذا العدد ارتفع إلى ما يقرب من واحدٍ بين كل ثلاثة بعد العرض.
وقد تغيرت المواقف المتعلقة بالعنف العائلي بعد مشاهدة العمل، حيث انخفض عدد النساء اللواتي وافقن على أنَّ الزوجة تستحق الضرب إذا اشتُبِه في خداع زوجها بأكثر من 30%. ومن بين الرجال الذين أجري عليهم الاستطلاع، جاءت النسبة بـ 22% أقل من ذي قبل.
ولكن المنتجين يدركون جيداً الخطوط التي لا يمكنهم تجاوزها.
وتقول بونام: "لا يمكنك الحديث عن الجماع. لذلك لم نتحدَّث عنه، ولم نتحدَّث عن حاجة البالغات غير المتزوجات إلى وسائل منع الحمل، لم نتحدَّث صراحةً عن ذلك".
وتُعد مسلسلات الدراما ثقافةً طاغيةً في الهند منذ أوائل الألفية الثالثة، عندما وصلت البرامج التي تتطلَّب دفع اشتراكات إلى عددٍ متزايدٍ من منازل الطبقة الوسطى.
ففي بلدٍ يُمكن أن يكون للحكومة فيه تأثير هامشي -وأحياناً مؤذٍ- على حياة الناس، فإنَّ المشاهير يتمتعون بسلطةٍ هائلة، كما يقول شوما مونشي، عالم الأنثروبولوجيا ومؤلف كتابين عن مسلسلات الدراما الهندية.
وتتابع بونام: "عندما يطلب أميتاب باتشان، نجم أفلام بوليوود، إعطاء طفلك قطرتين من قطرات منع شلل الأطفال، يستمعون إليه أكثر من حكومة الهند. فلا أحد يثق في الشرطي، ولا أحد يثق بالسياسي. ولكن في الواقع يصدق الناس نجمة الدراما تولسي وغيرها من البطلات، عندما يقولون شيئاً".
ويدرك المخرج فيروز عباس خان حدود العرض، إذ قال: "دعونا لا نخطئ في اعتبارِ أنَّ هذا العمل التلفزيوني الواحد سيُغيِّر كل شيء".