حادثة عارضة بكتاب عن واحة سيوة، هي أول ما جذب انتباه الروائي الكبير بهاء طاهر كي يبحث وراء دوافعها وأسبابها، وتلهمه لاحقاً كتابة روايته الأشهر واحة الغروب، التي نال عنها جائزة البوكر لأفضل رواية عربية عام 2008.
لكن يظل السؤال حائراً، مَن محمود عزمي بطل الرواية؟
كتب الأديب بهاء طاهر على هامش رواية واحة الغروب: "كان كتاب واحة سيوة لعالم الآثار الراحل د. أحمد فخري هو مدخلي إلى هذا العمل؛ فقد لفت انتباهي إشارته إلى علاقة المأمور محمود عزمي بما حدث لمعبد أم عبيدة عام 1897، فحاولت في هذه الرواية أن أفهم الشخصية والحدث".
بدأ بهاء طاهر في جمع خيوط الرواية ورسم شخصياتها لمدة أربع سنوات، ونجح في خلق عالم أدبي ثري جديد تماماً عما اعتادته الرواية المصرية؛ فنحن أمام إبحار في مكان وزمان لم يتم التطرق إليهما، وهو واحة سيوة في فترة الاحتلال الإنكليزي، من خلال مأمور الواحة العائد من هزيمة نكراء أمام الأسطول الإنكليزي الذي دمر الإسكندرية وحوَّلها لأنقاض إبان هجومهم على مصر عام 1882، ثم إرساله إلى واحة سيوة التي كانت مثل المنفى؛ وذلك عقاباً له على إيمانه وتأييده لأحمد عرابي، قائد الثورة العرابية.
كيف رسم بهاء طاهر شخصية محمود؟
بحث بهاء طاهر وراء هذه الحادثة الغامضة كثيراً، ومدى تسبب مأمور سيوة في هدم المعبد، وهو ما جعله يرسمه بطلاً مهزوماً خاض غمار الثورة العرابية في الإسكندرية، وشهد تدميرها على يد الأسطول الإنكليزي، وهو المشهد الافتتاحي الذي استهلّت به كاملة أبو ذكري أحداث المسلسل، وقام الفنان خالد النبوي بأداء دور محمود بطل الرواية والمسلسل.
يلتقي محمود بكاثرين الأيرلندية في رحلة على باخرة الدهبية بأسوان، وما يلبث أن يُنسي كل منهما الآخر رواسبَ الماضي، فمحمود انغمس في الملذات بعد الاحتلال؛ كي يتجرع كأس هزيمته في استسلام، وكاثرين جاءت لمصر في جولة سياحية بعد طلاقها من زوجها الأول مايكل، الذي فقدت معه الإحساس بمتعة الحياة، ولم يبدِ لها محمود تجاوباً إلا بعد أن علم أنها أيرلندية، تكره الإنكليز الذين احتلوا أرضها أيضاً، بينما رأت فيه كاثرين وجه ملك فرعوني انتقل من جدران معبد إلى سطح الباخرة.
ليس هذا فقط، لكنه لم يعاملها بنظرة الاشتهاء التي وجدتها في كل رجل يعلم أنها إنكليزية، بل بفتور وعدم اكتراث في البداية، حتى اقترابهما وشعورهما بأنهما يكرهان العدو نفسه الذي أفقدهما الحرية.
وحين يكلّف محمود بتولي قسم شرطة سيوة، يوافق حتى يبتعد عن وجوه الإنكليز، الذين أرسلوه هناك على سبيل النفي؛ لأنهم يعلمون أن بدو سيوة ذوو طباع شرسة ولا يرحبون بالغريب، حتى إنهم قتلوا آخر مأمورين أتيا إلى الواحة.
يصطحب محمود زوجته كاثرين إلى هناك، التي تتمنى أن تكون الرحلة بمثابة تطهير لهما وبداية حياة جديدة.
غير أن ولعها بالشرق وحضاراته جعلها متحمسة جداً إلى السفر، لرؤية معبد آمون الذي تم تعميد الإسكندر الأكبر فيه بعد رحلة مقدسة إلى الواحة أيضاً للتقرب من الكهنة وخطب ود المصريين آنذاك.
وهناك ستبدأ خيوط كشف مكان مقبرة الإسكندر -التي لا تزال مجهولة حتى اليوم- تتكشف أمام كاثرين، التي تزور معابد سيوة لمحاولة كشف الطلاسم المكتوبة على جدرانها.
هل هدم محمود عزمي معبد آمون الثاني بالفعل؟
ونأتي لأمر مثير للجدل بشأن الحدث الذي جذب انتباه بهاء طاهر للمأمور محمود عزمي، الذي أطلق عليه اسم محمود عبد الظاهر في الرواية، وهو هدم معبد آمون الثاني الشهير بأم عبيدة، فلم يكتشف إلى الآن السبب الحقيقي وراء الهدم.
بل إن زاهي حواس وزير الآثار السابق يذهب لأبعد من ذلك، ويقول إن المعبد الذي تم تشييده في عهد الملك نختانبو الثاني أحد ملوك الأسرة الثلاثين، قد تهدّم بسبب زلزال حدث عام 1881، ولكن أحمد فخري شيخ الأثريين وراهب الصحراء مثلما يطلق عليه، والذي أرّخ لتاريخ الصحراء الغربية وآثارها، يذكر واقعة هدم المعبد بفعل فاعل عام 1897، واستخدام أحجاره لترميم بيت المأمور وسلالم قسم الشرطة!
لكننا عندما عدنا إلى الأديب بهاء طاهر فوجئنا بأنه ينفي تماماً أي صلة تاريخية موثقة تربط بين محمود عزمي وهدم المعبد، بل إنه حدث روائي بحت من خيال الكاتب، مؤكداً أن عزمي قد كان مأمور سيوة في هذه الآونة فقط، دون أن ينسب إليه تلك الحادثة المثيرة للجدل.