فيلم the bucket list ولمن لا يعرفه فهو فيلم أميركي يتحدث عن قصة اثنين من مرضى السرطان قدّر لهما أن يجتمعا في غرفة واحدة في أحد المشافي أثناء تلقيهما العلاج، قرر أحدهما أن يكتب قائمة تضم الأمور التي يريد القيام بها قبل موته؛ ليكتشف الاثنان أن المرض لن يمهلهما الكثير، وأن المتبقي لديهما في حياتهما تلك عام واحد على أقصى تقدير، وعليه فقد قرر الاثنان وضع قائمة لما ينويان القيام به في أيامهما الأخيرة، تستمر أحداث الفيلم في سعيهما لتحقيق ما يريدانه وما كتباه في قائمتيهما.
بعد مشاهدتي لذلك الفيلم أُعجبت بتلك الفكرة، نعم لم تكن فكرة إعداد القوائم أمراً جديداً عليَّ، فأنا أُعد قائمة للكتب التي أنتوي قراءتها أو شراءها، ولديَّ قائمة بالمذاكرة التي أتطلع إلى إنهائها، وثالثة للأفلام التي أنوي مشاهدتها.
ولكن إعداد قائمة بالأمور التي أريد القيام بها قبل موتي كان أمراً جديداً، فهناك الكثير من الأمور أريد القيام بها، ولكن لم أفكر في كتابتها على الورق أو إخراجها من عقلي، فقد اعتدت وضعها في رأسي والإطباق عليها وأنا على ثقة من بقائها في رأسي.. أو هذا ما كنت أظنه.
أحضرت ورقة بيضاء وقلماً وكتبت في أول سطور تلك الورقة رقم واحد، وبدأت أفكر، وبدا السؤال غريباً عندما طرحته في ذهني: ماذا أريد أن أفعل قبل أن أموت؟
كنت أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال لن تتعدَّى صياغة أفكار متجمعة في رأسي على ورقة، ظننت أنها لن تزيد عن كونها تفريغاً لأمور وإجابات كثيرة اعتدت الرد بها منذ أن كنت طفلاً أُسأل عن تطلعاتي للمستقبل.
لقد قرأت عشرات السير الذاتية وقصص نجاح للكثير من الناس، قرأت ماذا أرادوا أن يكونوا وماذا فعلوا وما هي تطلعاتهم لمستقبلهم بعد أن حققوا نجاحاتهم.
اعتقدت أن التطلع للمستقبل وما يسعى جميع البشر للقيام به هو أمور ثابتة، وأن الاختلاف بها لن يكون جوهرياً، بل سوف يختلف في الوسيلة والترتيب، ولكن الأهداف سوف تتشابه، والاختلاف سوف يكون تبعاً للثقافة والمكان.
لكني رأيت أن الأهداف والسعي والتطلعات للمستقبل قد عولمت، أي أنها أصبحت كسراويل الجينز، فالكل يسعى للثراء والنجاح والريادة دون النظر إلى طبيعته وحياته وثقافته وقدراته، وأن نماذج النجاح المقدمة لنا توجهنا لتلك الأفكار بغض النظر عن قدراتنا ونقاط قوتنا وضعفنا.
بعد قليل من الوقت فكَّرت في قائمة أبطال الفيلم وسعيهم للترفيه والاستمتاع والسعادة؛ لعلمهم بما تبقَّى لهم في الحياة، ولكنهم يريدون أن يستمتعوا بعد ما بذلوه من الجهد، وما قاموا به طوال حياتهم، ولهذا قائمتي سوف تختلف عن قائمتهم، وإن كنت حقاً أريد أن أقود سيارة فارهة بسرعة كبيرة، وأتمنى أن أقفز بمظلة، ولكن تلك الأمور لن تكون على رأس قائمتي.
نظرت من جديد للورقة البيضاء ولرقم واحد الذي يقف وحيداً، سألت نفسي وأنا شاب في مقتبل العشرينات: ماذا أريد أن أكون في المستقبل؟ حتى أعرف ماذا أريد أن أفعل قبل موتي.
هل أريد أن أكون مشهوراً كمورغان فريمان بطل الفيلم، وسوف يكون من الرائع أن أمتلك حنجرة كحنجرته، وصوتاً كصوته الملهم الحاضر، ولكن توقفت قليلاً وأومأت برأسي رافضاً، لا أريد أن أكون مورغان فريمان، وإن كنت أحسده على حنجرته حقاً!
وبحركة سريعة أمسكت القلم وقلت لنفسي: أريد أن أكون ناجحاً وغنياً ومؤثراً كبيل غيتس، أو ستيف غوبز، لمَ لا أكون مثل أيلون ماسك؟! نعم أريد أن أكون مثل هؤلاء الرجال.
اتجهت للورقة وأنا حامل القلم ووقفت عند الرقم الوحيد حالاً والواحد عدداً، ثم توقفت من جديد وسألت نفسي: ماذا سوف أكتب؟ هل أكتب أريد أن أكون نسخة من هذا الشخص؟ هل أكتب أريد أن أكون هو ولا أريد أن أكون أنا؟ هل أصبح حلمي أن أكون شخصا غيري؟ نعم هم قدوة ونموذج فقد نجحوا وحققوا ما أرادوه، ولكني أريد أن أستفيد من تجربتهم لأحقق تجربتي، لا أريد أن أكون فقط مقلداً هذا إذا استطعت أصلاً.
ومن جديد تركت القلم ونظرت إلى الورقة البيضاء وللرقم واحد، وتذكرت الفيلم من جديد وتذكرت عندما تحدث مورغان فريمان عن سعيه في الفيلم إلى أن يكون أستاذاً للتاريخ، ولكن الظروف قد منعته، وحديثه عن انسياقه في دوامة الحياة وإفنائه سنوات عمره فيما لا يريد.
وهنا أمسكت قلمي وقد عرفت ماذا سوف أكتب بجانب الرقم واحد، كتبت: أريد أن أكون ما أريد، نعم أريد أن أكون ما أسعي إليه، أريد أن أكون ما أتمناه أنا، لا ما يوجهني إليه المجتمع، سوف أقاوم وأحتج، سوف أواجه المجتمع والعالم إذا اقتضى الأمر، سوف أثور في داخلي ثورة لو تدفقت لأسقطت عروشاً وقوَّضت ممالك.
وها أنا أكتب رقم اثنين، وأكتب بجانبه البند الثاني: أريد أن أجرب، سوف أتحدى ثقافة الخبرة القمعية التي يفرضها المجتمع على كل مجرب وناقد وسائل، لمَ لا أجرب؟ ولتتركوني أفشل أو أنجح، لمَ لا تدعوني أبحر في محيطات جديدة فقد أكتشف أرضاً لم تظنوا أنها موجودة؟!
وهنا أيقنت أني سوف أقاوِم وأقاوَم، سوف أرفض وأتحدى حتى أحقق شيئاً عظيماً حتى وإن كانت عظمته وروعته لا يشعر بهما سواي.
وهنا شعرت ببعض الرضا، وقررت أن أكتفي بالرقمين الأول والثاني، على أمل أن أعود إلى قائمتي لأدوّن من جديد، وعلى وعد بأن أبذل جهدي لتحقيق تلك البنود.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.