في رأس السنة، وبعد توقف دام لثلاثة أعوام، عُرضت الحلقة الأولى من الموسم الـ4 لمسلسل شرلوك الذي تنتجه بي بي سي بعنوان The Six Thatchers وهي الأولى من 3 حلقات جديدة.
يأتي المسلسل ليواجه الجمهور المنقسم إثر موسمه الـ3، بسبب ما عدَّه المشاهدون الكثير من المشاهد المبتذلة على حساب النمو الجيد للشخصيات، بالإضافة إلى زيادة التخطيط والمؤامرات.
ساد خوف عام من تحول المسلسل بعيداً عن القصص المثيرة التي ظهرت في موسميه الأولين، لصالح المؤامرات غير القابلة للتصديق، التي لا تضيف شيئاً للحبكة النهائية.
وهو القلق الذي لم تقم الحلقة الخاصة بعيد الميلاد عام 2016 The Abominale Bride أو العروس البغيضة، بتهدئته.
لسوء الحظ، فقد كشفت الحلقة الأولى للموسم الـ4عن أن أكثر العناصر الواعدة والمثيرة للانقسام التي تلت خاتمة الموسم الـ3، وهي العلاقة ثلاثية الأطراف التي تتطور بين شرلوك هولمز (بينديكت كامبرباتش)، وجون واتسون (مارتن فريمان)، والزوجة الغامضة لجون، ماري (أماندا أبينغتون)، لم تكن أكثر من إلهاء عملاق عما يحمله المسلسل في المستقبل.
لكن هل يستحق التغيير الكبير الذي فاجأتنا به الحلقة فيما يخص حبكة المسلسل الانتظار؟
تنبيه: الأحداث المذكورة تباعاً، ستفسد المسلسل على من لم يشاهد الحلقة بعد.
تبدأ حلقة The Six Thatchers كواحدة من رحلات شرلوك المليئة بالهلاوس، قبل أن تستقر حول قصة عن الماضي.
الحلقة فاجأت المشاهدين بموت إحدى الشخصيات الرئيسية -وهي ماري زوجة جون- في خضم سلسلة من تعقيدات الحبكة الفوضوية.
ومن المثير للإحباط أن يبدو السبب الوحيد الحقيقي خلف زوال ماري هو اختبار تأثير ذلك على شرلوك وجون.
كتب الحلقة مارك غاتيس أحد المشاركين في صنع المسلسل، وأخرجتها ريتشل تالالاي (تانك جرل)، ويستمد عنوان الحلقة (The Six Thatchers) إلهامه، مثل جميع عناوين حلقات شرلوك السابقة من إحدى القصص الأصلية للسير آرثر كونان دويل، حول شرلوك هولمز المنتمي للعصر الفيكتوري (في هذه الحالة The Six Napoleaons).
أما الـ Thatchers في العنوان فتشير بوقاحة إلى سلسلة من أعمال التدمير لتماثيل مارغريت ثاتشر، في القصة الرئيسية لكونان دويل، فإن أعمال التدمير هي مركز اللغز الضخم، أما في النسخة الجديدة للقصة فهي عبارة عن نكات جانبية في حلقة مليئة بالتضليل والقضايا الجانبية الصغيرة، والمونتاج ولقطات الماضي التي لا تخدم سوى مساعدة العبقرية المحبطة لشرلوك هولمز.
لقد رأينا ذلك من قبل، فالقائمان على العرض ستيفن موفات وغاتيس (الذي يلعب دور مايكروفت شقيق شرلوك) يحبان إبراز ذكاء شرلوك مع فظاظته وعدم اهتمامه بالأعراف الاجتماعية.
وفي The Six Thatchers فإن شرلوك هو أكثر شرلوكية من أي وقت مضى، إذ يصبح إدمانه للمخدرات أكثر سوءاً كما تتحول رغبته في حل القضايا إلى هوس مستمر بهاتفه. تمتد فظاظته لدرجة استخدام هاتفه أثناء تعميد ابنة جون وماري، روزي، لكنهما يطلبان أن يكون أباها الروحي، لأن كل إنسان في حياة شرلوك يقرر في النهاية أن فظاعته العامة تستحق الاحتمال، إذ إن التزامه النبيل بعمله كمحقق هو ما يجعله يتصرف بهذه الطريقة أو شيء من هذا القبيل.
مثال على ذلك: في The Six Thatchers، يحتمل كل من حول شرلوك بصبر شديد هوسه بحل قضية وراء الأخرى على أمل اكتشاف ما وراء تغير الأحداث -الذي أثار جنون الكثيرين- في الموسم الثالث الذي أعاد مورياتي الميت (أندرو سكوت) بحضوره الطيفي في حياة شرلوك.
لم توصله جميع هذه القضايا لمورياتي، بل دفعته بدلاً من ذلك إلى الهوة التي ظهرت في نهاية الموسم الثالث: الحقيقة حول ماضي ماري الغامض كقاتلة مأجورة.
المشكلة مع ماري
بدا وصول أماندا أبينجتون في دور ماري مورستان في بداية الموسم الـ3 من شرلوك مرافقاً لتحول المسلسل بعيداً عن حل الجريمة، متجهاً نحو حبكة أدبية يقوم فيها جون بمحاولة استبدال علاقته المضطربة مع شرلوك بشيء أفضل، ليفشل في نهاية المطاف، إذ إنه في عالم شرلوك ينتهي جميع البشر والطرق بالعودة إلى الشخصية الرئيسية نفسها.
و يبدو جميع الناس في حياته، حتى جون، كأشياء إضافية في عالمه، تظهر في حال احتاج إلى محاضرة، أو توبيخ أو دفعه للشعور بالهدف لديه أو ليظهر بعضاً من التهذيب الإنساني. (تتسم هذه الصفة بالتطور المذهل، حتى إن كل الشخصيات التي ظهرت في الحلقة المعدَّة للعيد خصيصاً في 2016، والتي تدور في 1890، كانت عبارة عن تمثيل شرلوك الذهني لهم كأجزاء من وعيه).
وكانت ماري في البداية هي الشخصية الوحيدة التي لا تعتمد قصتها على شرلوك نهائياً، متحدية هذا النمط للحظة.
إلا أن المسلسل في نهاية المطاف لم يمنحها إلا القليل من الاستقلال. في نهاية الحلقة الأخيرة من الموسم الثالث رُسم تاريخها الغامض الذي لم يُكشف، والذي قضى المعجبون ثلاثة أعوام في مناقشته، كجزء من شخصية جون أكثر من ماري نفسها. لقد عرفنا أنها كانت قاتلة مأجورة سرية سابقة، وأنها كذبت كي تدخل حياة جون بعد سرقتها لشخصية جديدة؛ ولكن كل هذه القصة كانت مرسومة كقصة حول جون وليس ماري .. قصة عن انجذاب جون لها لكونه باحثاً متهوراً عن الإثارة والتشويق.
أما الأسئلة الكبرى التي طرحها الموسم الثالث حول ماري: لمن كانت تعمل في الماضي، ماذا سوف يصبح دورها الآن بعد معرفة مهنتها السابقة، وتأثير ولادتها لابنة جون واتسون عليها وعلى علاقة جون بشرلوك؟ فبقيت معلقة حتى هذا الموسم. إلا أن موفات ليس الأفضل في كتابة قصص النساء وعملهن في الوكالة والحبكات المرضية، ويبدو أن حالة ماري ليست استثناء.
مَنْ ماري مورستان؟ تبين أن ذلك ليس مهماً.
بالرغم من أن The Six Thatchers منحها الكثير من الفرص لتكون قوية جداً إلا أن الحلقة كشفت أن تاريخ ماري القاتلة المأجورة لم يكن للاستقلال عن شرلوك واضطرابه، بل ليسمح له بالمزيد منه.
صورت The Six Thatchers ماري على أنها ضحية لمؤامرة انتقامية تقليدية على يد أحد زملائها السابقين أثناء عملها كقاتلة مأجورة.
وعن طريق الصدفة المحضة، كان شرلوك هو من اكتشف وجود من يحاول قتلها، وهو ما دفعه لمحاولة حمايتها بطريقة غير واضحة أدت في النهاية إلى موتها.
وبعد التعرف على الشخصية الحكومية الخفية والمسؤولة عن التآمر لقتل ماري وزملائها، حث شرلوك بشكل غير ضروري المشتبه به ليطلق عليه النار.
هذه اللحظة هي نتيجة حتمية لثلاثة مواسم من غطرسة شرلوك ورفضه الإصغاء للتحذيرات أو أخذ رأي أي شخص، بجانب رأيه الشخصي على محمل الجد؛ فعندما قفزت ماري أمامه كالمتوقع تماماً لتضحِّي بحياتها في سبيل حياته، كان ينبغي أن يشعر بالذنب ويحاسب نفسه.
سجَّل شرلوك وجود بارقة من الوعي الذاتي بشعوره أنه مسؤول عن وفاتها، لكن عند تلك النقطة، يبدو المسلسل حتى الآن غارقاً في طقس عبادة البطل الخاص به، مما جعل مشهد إحساسه بالذنب يبدو بصعوبة، أكثر بكثير من فكرة طارئة.
بنهاية الحلقة، ماري بنفسها -عن طريق رسالة تركتها بعد وفاتها عنوانها "إن كنت تقرأ ذلك فأنا ميتة" أُرسلت الرسالة لشرلوك في ملف فيديو- تعطي شرلوك الإذن لإعادة نفسه فوراً لمركز حياة جون، مما سيجعل وفاتها كلها تدور في فلك علاقة شرلوك بصديقه المفضل.
خدع جون في الوقت نفسه ماري عاطفياً قبل وفاتها، حزنه عليها يجعله يُظهر تعامله مع إحساسه الواضح بالذنب، على هيئة غضب من شرلوك لفشله في حمايتها. بالنظر إلى كل الأشياء المقيتة التي فعلها شرلوك بجون مباشرة طوال فترة صداقتهما، التي تمَكن جون لسبب غير مفهوم من مسامحته عليها، من بينها الكذب على جون، وتخديره، وإرسال جون إلى منطقة حرب مشتعلة مما تسبب له بآثار اضطرابات ما بعد الصدمة، وجعل جون يشاهد تزييف شرلوك لموته قبل إدعاء شرلوك أنه ميت لسنتين- كان فشل شرلوك في إنقاذ ماري هو القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي تهدد بإحداث شرخ دائم في صداقتهما.
ولم تضف تلك الحبكة إلا المزيد من الظلم لرواية ماري. فقصتها لم تكن أبداً قصتها الخاصة وحدها، فكانت دائماً وأبداً عن دعم أساس هذا المسلسل، وهو العلاقة بين شرلوك وجون.
عند هذه النقطة، هل يهتم أي شخص بحقيقة أن شرلوك وجون واقعان في الحب؟
شرلوك في جميع محاولاته ليكون صديقاً لائقاً هو شخص أناني على الدوام، إذ يبدو أنه يحتاج لجون كانعكاس لإصدار معين من نفسه، أكثر من أنه يُقَدِّر جون لما هو عليه. جون في المقابل يبدو أنه لا يزال الجندي الذي تعصف به آثار اضطراب ما بعد الصدمة، الذي لا يقوم إلا بمقاومة الذهول الذي أصابه، عندما يصارع ارتفاع مستوى الأدرينالين لديه عندما يقدِّم له شرلوك جريمة ما يريد حلها.
كُتب الكثير حول الطريقة التي يبدو فيها شرلوك مثلي الجنس -مما يعني الطريقة التي تُستغل فيها الهوية المثلية بشكل مثير للجدل- عن طريق جعل علاقة جون وشرلوك تسير في ذلك الاتجاه لتستمر التكهنات حول الرومانسية المثلية والنصوص الفرعية.
باستثناء، بالطبع، أن ماري متوفاة الآن، وعهدت لشارلوك بـ"إنقاذ" جون بعد وفاتها.
إن كانت هذه صداقة، فهي صداقة اعتمادية محزنة، وإن كانت علاقتهما حباً حقيقياً فهي مأساة.
فلم يُجبر شرلوك على فعل أي من الأشياء المروعة غير المبررة نهائياً التي فعلها بجون على مدار سنوات (انظر للقائمة السابقة، إنها قائمة مرعبة!).
وإن كان المسلسل سيضحي بشخصيات كاملة على مذبح Johnlock والمعروف أيضاً أنه اسم الشحن لحبهما الأبدي، فحري بالمسلسل إذاً أن يجعل علاقة حبهما شيئاً يستحق الاهتمام.
وأيضاً، رغم أن هذه العلاقة قد تكون فكرة ثانوية لمسلسل يتمحور حول ذكائه الخاص، فإن المسلسل لا يبدو ممتعاً كما كان في السابق.
لا تزال هناك حلقتان باقيتان في الموسم الرابع، إذ قال عنهما مؤلفا المسلسل موفات وغاتيس إنهما ستمثلان "ذروة" الأحداث، وألمحا إلى أن الحلقتين قد تكونان الأخيرتين في المسلسل بأسره.
لكن هذا لا يبدو منطقيا خاصة أن شرلوك لا يزال لديه الكثير من المواضيع المتفرقة التي تحتاج للربط بينها.
فما زلنا لم نعرف ما نهاية لعبة موريارتي، ولم نرَ حتى الآن شرير هذا الموسم كولفيرتون سميث (الذي يقوم بدوره توبي جونز). قد يكون هناك حتى أخ ثالث لهولمز ضمن تلك الحلقات.
رغم ذلك، حصلت آبينغتون وماري على الأقل على وداع عنيف.
وأما حقيقة إن كان الأمر يستحق تلك الخسارة على المدى الطويل من عدمه، فذلك يتوقف على مدى استعداد غاتيس وموفات لجعل هولمز يخضع للمحاسبة الأخلاقية التي ستبرر وفاتها، أم إن كانا ينويان الاستمرار في الدوران حول نفس قصة الحب الفارغة، التي تنم عن الرضا عن النفس، بين اثنين من الإخوة، اللذين يقومان بحل الجرائم، مع أن كلاهما سيكون أفضل حالاً وحده أو على الأقل دون الآخر.
هذا الموضوع مترجم عن موقع Vox. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.