يشيع منتجو المقاولات في عالمنا العربي أن الأفلام ذات الأفكار الفلسفية العميقة غالباً ما تكون غير ناجحة جماهيرياً وتجارياً، ومن ثم فإنهم مضطرون إلى اللجوء للأفلام البسيطة وأحياناً الهابطة من أجل تحقيق النجاح التجاري والجماهيري.
ولكن، الواقع أن أفلام السينما عالم واسع يستطيع بمنتهى البساطة أن يُرضي كل الأذواق؛ لكونه متنوع وغزير الإنتاج، لذلك هناك أفلام لا تُركز جُل اهتمامها على الإبهار البصري والحبكات الشائقة؛ بل تعرض قضايا فلسفية مُلهمة، تستطيع أن تأسر الفِكر بجانب إمتاعها للخيال.
في هذا التقرير، سنستعرض قائمة الأفلام التي تميَّزت بسبب تناولها لمشكلات أبطالها من زوايا فلسفية فجاءت حواراتها ممتعة، وتناولها ثرياً، وحققت نجاحاً جماهيرياً.
1- Memento
فيلم إثارة نفسية، أميركي، من إنتاج 2000، كتابة وإخراج كريستوفر نولان الذي يتناول في أغلب أفلامه قضايا فلسفية، وبطولة جاي بيرس، وهو يحتل المرتبة الـ47 في قائمة الـIMDb، بجانب ترشحه للعديد من الجوائز أشهرها أوسكار أفضل نص أصلي، وأفضل مونتاج.
الفيلم يدور حول محقق جرائم سابق يبحث عن قاتل زوجته، إلا أنه في أثناء اغتصاب زوجته وقبل قتلها يُصاب الزوج بضربة على الرأس تُصيبه بفقدان الذاكرة القريبة، ما يجعله يعجز عن تكوين أي ذكريات جديدة ومن ثم تصبح عملية بحثه أكثر صعوبة فيلجأ إلى رسم الملاحظات؛ كوشم على جسده يُذكّره بما لا يُريد أن ينساه.
وتتوالى الأحداث في إطار تشويقي ممتع يتناول قضية "الذاكرة" وعلاقتنا بها، وكيف يمكن تكوين ذاكرة جديدة لتختفي بسرعة أيضًا، وكيف يمكن التلاعب بها.
وقد لاقى الفيلم استحساناً من الجمهور والنقاد عند عرضه، خاصةً مع طبيعة القضية التي يطرحها؛ إذ تتراوح المشاعر الإنسانية في الفيلم بين الغضب والحزن والرغبة في الانتقام، والذاكرة التي تخدع صاحبها أحياناً بما يتوافق مع أحزانه وإحساسه بالهزيمة ومن ثم رغبته في الثأر.
كما تميَّز العمل بسبب حداثة المعالجة التي يتناولها، وبنيته الروائية غير التقليدية والتي تحتاج تركيزاً هائلاً كي يُمكن تتبعها واستيعاب كل تفاصيلها.
2- Waking Life
فيلم أميركي، درامي-فانتازي، من أفلام الرسوم المتحركة، وهو إنتاج 2001، تأليف وإخراج ريتشارد لانكليتر المخرج الذي لا يُشبه أحداً؛ ذلك لأنه يعشق خلق التجارب، ليس فقط الفريدة؛ بل والأهم تلك التي تحمل أبعاداً فلسفية واجتماعية واضحة.
في هذا الفيلم، يُقدم لنا ريتشارد رحلة رجل يجد نفسه مُحاصرًا في مجموعة من الأحلام، ليفتح لنا المخرج باب هذا العالم على مصراعيه بكلّ الاحتمالات اللانهائية فيه، والتي يؤثِّر فيها بشكلٍ أو بآخر علاقة البطل بكلّ من حوله ومفردات عالمه الشخصي.
وقد تميَّز الفيلم بجانبه الفلسفيّ الواضح، حيث ناقش البوذية والوجودية بجانب طرح أسئلة كثيرة عميقة وصعبة، ولكن دون تقديم إجابات لها.
3- Coffee and Cigarettes
فيلم أميركي، من إنتاج 2003، ﺇﺧﺮاﺝ وتأليف –صاحب الأفلام المستقلة- جيم جارموش، وبطولة روبيرتو بينيني، وستيفن رايت، وجوي لي، وسينك لي، وستيف بوشيمي، وإيجي بوب.
وهو عبارة عن مجموعة من الأفلام القصيرة التي يجمعها عملٌ واحد، 11 قصة جاءت جميعها بالأبيض والأسود، ليصبح العمل ككل حالة خاصة، ليس لها شبيه.
جدير بالذكر أن كل قصة أبطالها أشخاص مُختلفون، والجديد في هذا العمل أن معظم النجوم كانوا يلعبون شخصياتهم الحقيقية، وعلى ذلك ورغم تعدد الحالات المختلفة بالفيلم فإنها جميعاً تدور حول نفس التيمة، حيث مجموعة من الأشخاص يتجاذبون أطراف الحديث بينما يُدخنون السجائر ويحتسون القهوة، وينعكس الجانب الفلسفي بالفيلم من خلال المحادثات والحوارات التي تدور في كل قصة، فتعكس الاختلافات بين الأبطال، ووجهات نظرهم والقضايا التي يتبنونها في الحياة.
4- I Heart Huckabees
فيلم أميركي، إنتاج 2004، ﺇخراج وتأليف ديفيد أو.راسل، وبطولة مارك ويلبرج، وناعومي واتس، وجود لو، وجونا هيل، ووداستين هوفمان.تدور أحداث الفيلم حول "برنارد وفيفيان" اللذين يُديران وكالة نفسية معنية باكتشاف مصدر الضيق لدى عملائها من خلال النظر من كثب في حياتهم وأفكارهم.
ثم تأخذ الأمور منحى آخر حين يصبح عليهم متابعة "ألبرت" الناشط البيئي ومعرفة ما يُقلقه بحياته.
جاءت معالجة الفيلم للفكرة ممتعة درامياً ووجودياً؛ إذ اكتظ الفيلم بالعديد من المناقشات الثرية التي طالت جوانب كثيرة كالفلسفة مروراً بسارتر وفرويد، والفن مروراً بالسريالية، بالإضافة إلى طرح علاقة الفرد بالبيئة وتأثيرها على نفسيته وحياته.
5- Eternal Sunshine of the Spotless Mind
فيلم أميركي، رومانسي فانتازي، إنتاج عام 2004، إخراج ميشيل غوندري وبطولة كل من جيم كاري وكيت وينسليت.
ترشح الفيلم لجائزتي أوسكار، فاز بواحدة منهما هي أوسكار أفضل سيناريو أصلي، كما أنه يحتل المرتبة الــ87 بقائمة IMDb لأفضل الأفلام بتاريخ السينما.
ويدور الفيلم حول جويل وكلمنتين المتناقضين تمامًا، فجويل انطوائي، بلا طموح وفاقد الثقة بنفسه، بينما كلمنتين متحررة وجامحة، تتنقل بين العلاقات العاطفية باندفاع وعدم اكتراث.
يلتقي الاثنان فيتعلقان بعضهما ببعض، ظناً أن كل منهما يُكمل الآخر، إلا أنه سرعان ما يثبت العكس.وهو ما يدفع البطلان لخوض تجربة علمية غير متعارف عليها، يقوم فيها طبيب بمحو شريك الحياة المرغوب في نسيانه من ذاكرة صاحبه من خلال تتبع ذكريات بعينها ومحوها بالكامل من عقله فلا يعود لها أثر.
يتميز الفيلم بفكرته غير المسبوقة، ونهايته التي فاقت كل التوقعات، وعلى ذلك جاءت منطقية جداً! بالإضافة للكثير من الأسئلة الفلسفية التي يطرحها الأبطال على أنفسهم، وبعضهم على بعض، ليبقى السؤال الأكبر: هل يمكن لذاكرتنا أن تكون انتقائية فعلاً فيصبح التناسي بأيدينا؟
6- The Fountain
فيلم أميركي، من إنتاج عام 2006، وهو عمل درامي-خيال علمي، تأليف وإخراج دارين أرنوفوسكي، بطولة راشيل ويز، وهيو جاكمان.
الفيلم يتناول فكرة الحياة والموت والخلود، رافعاً شعار "ماذا لو استطعت العيش إلى الأبد؟!" من خلال 3 قصص متوازية تمتد على مدار أكثر من 1000 عام.
القصص الثلاث بطلها الشخص نفسه على مدى أزمنة مختلفة، ففي الأولى نشاهد البطل/تومي في العصر الحالي يُجري تجارب علمية مُحاولاً اختراع مصل علاجي لزوجته، بينما الثانية في الماضي، فنراه أحد فاتحي إسبانيا والذي يبحث عن شجرة الحياة، أما في الثالثة ففي المستقبل حيث البطل رائد فضاء يطوف وفي حوزته تلك الشجرة، لتتداخل الثلاث حكايات بعضها مع بعض.
وقد صرح المخرج بأنه استمد فكرة الفيلم من تشخيص أبويه بمرض السرطان حين كان في الثلاثين من عمره، وهو ما جعله يُفكر في الموت وفناء جنس البشر.
7- Inception
فيلم أميركي، ينتمي إلى عالم الخيال العلمي، وهو من إنتاج عام 2010، تأليف وإخراج وإنتاج كريستوفر نولان، أما البطولة فلــ: ليوناردو دي كابريو، وجوزيف غوردون-ليفيت، وماريون كوتيار وإلين بيج.وهو أحد الأفلام التي حققت نجاحاً مدوياً.
فمن الناحية الفنية، ترشح الفيلم لـ8 جوائز أوسكار اقتنص 4 منها، واستطاع أن يحل مرتبة متقدمة جداً بقائمة IMDb حيث يشغل المرتبة الرابعة عشرة.وجماهيرياً، بلغت إيرادات الفيلم نحو 823 مليون دولار، في حين أن ميزانيته لم تتجاوز الـ160 مليون.
فكرة الفيلم الرئيسية فانتازية وخيالية للغاية، حيث يدور العمل حول "دوم كوب" الذي يعمل جاسوساً لإحدى الشركات ويعتمد عمله على اختراق العقل الباطن للآخر –في أثناء أحلامهم حين يكون العقل البشري والضحية في أضعف حالاتهم- من أجل الحصول على معلومات مهمة وسرية، إلا أن الأمر يزداد صعوبةً عندما يُطلب منه زرع فكرة بعقل أحدهم لتبدو أنها من بنات أفكاره.
ما ميز الفيلم كان هذا الجو الغامض الذي يجعل المشاهد لا يعرف الخط الفاصل بين عالم الواقع وعالم الأحلام، وهو ما أدى إلى كَون النهاية مُلتبسة على الجمهور فتختلف قراءتها من مشاهد لآخر.
8- Perfect Sense
فيلم فانتازي، دراما، خيال علمي، إنتاج مشترك بين (بريطانيا، والدنمارك، والسويد، وإيرلندا)، صدر في عام 2011، إخراج ديفيد ماكنزي، وتأليف: كيم فبز اكسون، أما البطولة فلـ: إيوان ماكجريجور وإيفا جرين.
الفيلم يحكي عن قصة حب تنشأ بين طباخ وعالمة أوبئة في وقت كارثي حين تجتاح العالم سلسلة من الأوبئة تجعل البشر يفقدون على أثرها حواسهم الخمس بالتدريج، مع عرض تأثير اختفاء كل حاسة على جنس البشر ومن ثَم على علاقتهم بعضهم ببعض وبالعالم.
تميَّز الفيلم بتسلسله الدرامي المُثير، خاصةً مع عدم ذكر أسباب انتشار الوباء، والتركيز في المقابل على الصراع الإنساني الناتج جراء ما يحدث، وما يخلفه ذلك من همجية وبدائية، وحياة أشبه بحياة الغابة.
9- The Tree of Life
أو كما يعرف بــ"شجرة الحياة" وهو فيلم أميركي، درامي-فانتازي، إنتاج 2011، تأليف وإخراج تيرنس ماليك، وبطولة براد بيت، وجسيكا تشاستاين، وشون بين.وهو أحد الأعمال التي جاءت مثيرة للجدل بسبب طبيعة الأسئلة الفلسفية التي يطرحها، ما جعله يحظى بنسبة مشاهدة عالية، خاصةً أنه حائز السعفة الذهبية بمهرجان كان، بجانب ترشحه لـ3 جوائز أوسكار.
تميز الفيلم بموسيقاه التصويرية التي تتماشي مع أجواء العمل، وبنائه الدرامي المركب، وكثير الدلالات التي تحتاج من المشاهد رؤية العمل أكثر من مرة حتى يستطيع تكوين انطباع سليم وعميق واستيعاب كم المعلومات والأبعاد.
فالفيلم يُلقي الضوء على الحياة من بداية الخلق مروراً بالكائنات البدائية والكوارث الطبيعية القديمة، كذلك يتحدث عن الموت والحياة بعد الموت.
ويدور الفيلم حول أسرة تعيش في الستينات، حيث يتتبع العمل حياة أفرادها، مُسلطاً الضوء على علاقتهم بعضهم ببعض، والأسئلة الوجودية التي يطرحونها حول ماهية الحياة والموت، وعلاقة الفرد بالطبيعة والعالم الذي يعيش فيه، تلك الأسئلة التي على أهميتها ما عادت تستوقف أحداً.
10-Wild Tales
فيلم أرجنتيني عُرف أيضاً بــRelatossalvajes، وهو من إنتاج عام 2014، تأليف وإخراج داميان سزيفرون، أما البطولة فلــ: ريكاردو دارين، وأوسكار مارتينز، وداريو غراندينتي، وريتا كورتيسه، وجوليتا زيلبربيرغ.وقد ترشح العمل لأوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية، كذلك نافس على السعفة الذهبية بمهرجان كان.
أما عن التقييمات النقدية، فقد حظى الفيلم بردود فعل إيجابية جداً حتى إنه صُنِّف كأحد أفضل أفلام 2014، وأحد أكثر الأفلام التي صدمت مُشاهديها بشكٍل عام، هذا بالإضافة لاحتلاله المرتبة الـ199 على موقع IMDbضمن قائمة أفضل 250 فيلماً بتاريخ السينما.
وهو يحكي 6 قصص قصيرة مُنفصلة، أبطالها أشخاص عاديون جداً كانوا على موعد مع القدر الذي ضغط عليهم بطريقة ما فأشعل بقلوبهم فتيل الغضب الذي جعلهم يفقدون القدرة على السيطرة على مشاعرهم وبالتالي ردود فعلهم، ما أسفر عن نتائج غير متوقعة، أو محمودة.
تميز الفيلم بالكثير من العوامل الفنية الناجحة، أشهرها: فكرته الطازجة، وطريقة التناول المُثيرة واللافتة، فنحن لا نرى كل يوم فيلماً يغوص في أعماق النفس البشرية، متابعاً فكرة "تفاهة الشرّ" ومُعرياً الجانب الأسود من دواخلنا لنُشاهد أنفسنا على حقيقتها دون رتوش.
من مميزات الفيلم الأخرى، قدرته الهائلة على التكثيف، بجانب التسلسل الدرامي المضبوط رغم اعتراف مُخرجه بأن تسلسل القصص جاء عشوائياً، لكنه بشكل ما كان مثالياً تماماً.
وفي حين كان التمثيل والإخراج في أفضل حالاتهما بما يخدم العمل، تألقت أيضاً الموسيقى التصويرية التي نجحت في التعبير عن مشاعر كل قصة على حدة دون أن تتشابه بين قصةٍ وأخرى.