إذا كنت تشاهد فيلماً به أدمغة منفجرة، ودماء في كل مكان، وأشلاء متناثرة في الهواء، وأشخاص يقتلون بوحشية لأتفه الأسباب، وانفجارات لا تبقى معها كرامة لبطل، ورغم هذا تبقى عيناك تركزان على أحداث الفيلم؛ فأهلاً بك إذاً في سينما كوينتين ترانتينو، سيد العنف في السينما الأميركية.
ولد ترانتينو في أميركا، وكان الطفل الوحيد للمنتج الموسيقي طوني ترانتينو، الذي هجر والدته ذات الأصول الأيرلندية قبل ميلاده. و كانت جدته تصطحبه إلى حفلات السينما في طفولته، ومن هناك بدأ ولعه بسينما "جون واين" وأفلام الغرب الأميركي.
التاريخ فقط
لم يكن ترانتينو يحب الدراسة رغم تفوقه في مادة التاريخ، التي كان يراها "نوعاً ما كفيلم" على حد وصفه، إذ انصب كل اهتمامه على متابعة كل ما تقع عليه عيناه من أفلام، وهذا ما يظهر بوضوح من تأثره بمشاهد بعينها منقولة من أفلام عالمية.
Quentin Tarantino's Visual References from Jacob T. Swinney on Vimeo.
في المرحلة الثانوية ترك ترانتينو المدرسة، والتحق بالعمل في إحدى صالات عرض الأفلام الإباحية، واستخدم راتبه لتلقي دروسٍ في التمثيل، حتى عمل أخيراً في إحدى أندية الفيديو في مانهاتن بنيويورك، وبدأ حينها ولعه بكتابة السيناريو.
الفيلم الأول
بعد اشتراكه في عددٍ من الأفلام الشهيرة، عرض ترانتينو سيناريو فيلمه "Reservoir dogs" على الممثل الشهير هارفي كيتل، الذي أثنى على السيناريو قائلاً: "لم أرَ شخصيات كهذه منذ سنوات".
وبعد أن ذاع صيته كمخرج وسيناريست، قدّم ترانتينو تحفته الخالدة (Pulp fiction) التي غيَّرت الموازين السائدة حينها لأفلام الجريمة والمغامرة، وقد حاز الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو.
وجاء الفيلم أعلى من سابقه في حجم العنف والقتل والسُّباب، وترك المتفرج رهينة سؤال بلا إجابة عن محتويات حقيبة "مارسيلوس والاس" بطل الفيلم!
نحو الأوسكار
بعدها أخرج ترانتينو فيلمه المثير للجدل KILL BILL، وكان الهدف الأساسي أن يخرج الفيلم طويلاً، ولكنه تراجع عن الفكرة وقسمه إلى فيلمين، يفصل بين ميعاد عرضهما عام واحد.
نجح الفيلم نجاحاً باهراً، وقدّم طابعاً جديداً لأفلام تمتزج فيها واقعية أفلام الانتقام بخيال القصص المصورة.
ثم جاء فيلم Inglourious Basterds الذي حاول في ترانتينو تغيير التاريخ نفسه، حيث افترض رواية أخرى لنجاح عملية اغتيال هتلر.
نال هذا الفيلم جائزة الأوسكار عن أحسن تمثيل، نالها الممثل Christoph Waltz الذي كان هذا أول دور احترافي له، فيما حظي ترانتينو بإعجاب الجميع إثر تقديمه لكريستوف فالتز للجمهور، إذ جاء أداؤه مبهراً للجميع، الأمر الذي جعله يدافع عن العنف المبالغ فيه في الفيلم قائلاً: "دماء أفلام ترانتينو حمراء أكثر من الواقع".
بعدها قدم ترانتينو للجمهور فيلم Django Unchaine. وهو فيلم آخر حاول فيه ترانتينو تقديم رواية أخرى "لأميركا زمن العبيد"، حيث يتعاون عبدٌ فارّ مع صائد جوائز لتحرير زوجته وإنهاء فكرة العبودية.
نال الفيلم جائزتي أوسكار عن أفضل سيناريو، وأفضل ممثل، حازها كريستوف وولتز في ثاني ظهورٍ له مع ترانتينو.
العنف الممتع
ولكن لماذا يُحاول ترانتينو تدجين العنف في أفلامه، لتتحول إلى مشاهد ممتعة ومسلية؟
يرد ترانتينو في تقرير لصحيفة "ذي أتلانتيك"، قائلاً إنها "متعة حقيقية أحاول تقديمها للمشاهد من خلال العنف"، مُضيفاً: "لا يعنيني اهتمام النقاد بالعنف الذي يظهر على الشاشة بقدر ما يعنيني عدم الاهتمام بالعنف في الحياة الواقعية".
وفي حديث آخر يقول: "كمثال: أنت تتعشى في مطعم، وفجأة ترى رجلاً يضرب زوجته أمام الجميع. بطبيعة الأمر ستحاول تجاهل ما حدث رغم تأثرك بالواقعة، ولكن ما يهمني هنا هو نقل هذا التأثير للشاشة، ومحاولة رصد الأحداث التي تنتج عن هذا الفعل بعد ذلك".
لا يزال ترانتينو يُثير الجدل حتى وقتنا هذا، مع كل فيلم يُقدّمه، وقد اعتاد تقديم ألوان جديدة في أفلامه، سواء الجديد من المغامرة والأكشن، أو حتى في الكوميديا المعتمدة على "البارودي" (المحاكاة بمبالغة ساخرة).