ابتداءً بـ وودي آلن و كلينت إيستوود وحتى ميل جيبسون، وليس انتهاء بأنجيلينا جولي بدّل العديد من النجوم أدوارهم وانتقلوا من أمام الكاميرا إلى خلفها، فمن التمثيل والأداء إلى الإخراج والإنتاج والكتابة.
بعض تلك الأفلام التي أخرجها هؤلاء الممثلون انتهى بها الأمر إلى النسيان، لكن بعضها حفر اسم صاحبه في سجلات المبدعين وراء الكاميرا، وأحياناً توّج صاحبه بالأوسكار في مجاله الجديد مثل فيلم Breavheart لميل جيبسون على سبيل المثال الذي فاز بأوسكار أفضل إخراج.
وفي هذا التقرير واحدة من تجارب تبديل الأدوار بطلتها الممثلة الأميركية الشهيرة والناشطة في مجال حقوق الإنسان وأخيراً "المخرجة"، أنجلينا جولي التي أثارت اهتمام العالم مؤخراً بانفصالها عن النجم الشهير براد بيت، بعد علاقة كان يسوق لها باعتبارها نموذجاً للرومانسية والحب بين نجوم السينما.
بداية الرحلة
بدأت مسيرة أنجلينا جولي الفعلية في التمثيل مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي بدورها في فيلم منخفض الميزانية بعنوان Cyborg 2 وتطور أداؤها سريعاً حتى حصلت على جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم Girl Interrupted الذي عرض في العام 1999.
وتصاعدت شهرة أنجلينا بعد أدائها للعديد من أفلام الأكشن والدراما مثل سلسلة أفلامLara Croft: Tomb Rider، و أدوارها في أفلام Wanted و Salt حتى فيلم Changeling الذي رشحت لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورها فيه.
أما مسيرتها في الإخراج والكتابة السينمائية فبدأت في العقد الثاني من القرن الحالي. وعرض أول فيلم سينمائي من إخراجها بعنوان In the Land of Blood and Honey ، في العام 2011 ، ولكنه لم يكن تجربتها الإخراجية الأولى، حيث سبق لها أن أخرجت الفيلم الوثائقي A Place in Time في العام 2007.
وتوالت الأفلام التي أخرجتها جولي بعد ذلك ومنها فيلم Unbroken في العام 2014 وفيلم By the sea في العام 2015، وأخيراً فيلمها الذي مازال قيد الإنتاج First They Killed My Father: A Daughter of Cambodia Remembers .
آراء النقاد
فيما يلي استعراض لهذه التجارب الإخراجية، ومدى نجاحها سواءً على مستوى إيراداتها في شباك التذاكر أو على مستوى آراء النقاد والجماهير
وثائقي A Place in Time
كان لابد للتجربة الإخراجية الأولى لأنجلينا جولي أن تعبر عن شغفها الرئيسي بالعمل الإنساني والخيري الذي بذلت فيه ما لم يبذله أي من مشاهير هوليود الآخرين، ونالت عنه العديد من الجوائز والتكريمات، وأكسبها سمعة دولية كرائدة وسفيرة للنوايا الحسنة والعمل الإنساني.
يحكي الفيلم قصة الإنسان في أكثر من أربعة وعشرين دولة في العالم لمدة أسبوع، حيث يصور الحياة اليومية لمواطني هذه الدول التي ضمت مخيمات للاجئين، ومراكز إيواء اليتامى وغيرها من الأماكن المنكوبة التي تستدعي إيقاظ الوعي والمعرفة.
شارك في هذا الفيلم أكثر من أربعين طاقم تصوير، والعديد من أصدقاء جولي من المشاهير الذين سافروا إلى هذه البلدان للمشاركة في هذا العمل.
وفي وقت واحد، في الحادي عشر من يناير 2005 في الساعة الثانية عشر ظهرا ولمدة ثلاث دقائق، صورت كل طواقم التصوير المتواجدة في الدول السبع والعشرين ما كان يدور أمامهم أيا كان، وتم ضم هذه المشاهد في شاشة واحدة معبرة عن تنوع الحياة البشرية في كل لحظة وكل يوم على وجه الكرة الأرضية.. فكان دخولا مثيرا لأنجلينا جولي إلى عالم الإخراج.
In the Land of Blood and Honey
يحكي الفيلم قصة جندي من صرب البوسنة في زمن حرب البلقان كان والده مسؤولاً عن أحد معسكرات الاعتقال.
وفي هذا المعسكر يقابل حبيبته السابقة وهي من البوشناق المسلمين، وسط مخاوف من فضح للعلاقة السابقة بينهما لأنه سيعرض حياتيهما للخطر.
يصّور الفيلم – حسب رؤية صانعته- المآسي التي تتعرض لها المرأة في الأسر في أزمنة الحرب، لكنه أثار الكثير من الجدل في الصحافة حول ما إذا كان الفيلم يصور الحقيقة أو أنه متحيز لأحد جانبي الصراع السياسي على حساب الآخر.
وعلى الصعيد الفني أثار الفيلم نقداً مختلطاً بعضه إيجابي أشاد بقدرة جولي على إنتاج مشاهد الحركة، وقدرتها على إعادة إنتاج مشاهد الرعب والقمع بطريقة مؤثرة ومقنعة.
بينما جاء النقد السلبي مركزاً على الضعف في الحوار بين الشخصيات الذي بدا أحياناً مثل دروس التاريخ تلقيها إحدى الشخصيات على الطرف الآخر، وعاب آخرون على الفيلم ربما بعض التفكك في الحبكة وعدم قدرته على إيصال رسالته واضحة جلية من دون تشتيت درامي.
ونال الفيلم تقييماً متوسطاً وضعيفاً لدى النقاد وفي شباك التذاكر لم ينجح الفيلم في تخطي حاجز المليون دولار، ومع ذلك تم ترشيحه للعديد من الجوائز مثل الغولدن جلوب في فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية.
Unbroken
يحكي الفيلم -وهو مأخوذ عن كتاب بنفس الاسم- قصة واقعية بطلها رياضي أولمبي أمريكي يقضي سبعة وأربعين يوماً في مركب نجاة في عرض المحيط، بعد تحطم طائرته أثناء الحرب العالمية الثانية، كما يروي الفيلم قصة اعتقاله من قبل القوات اليابانية وحياته في معسكرات الاعتقال المختلفة.
استقبل الفيلم بإيجابية أشادت بروح العمل، وقدرته على تصوير تطور شخصية البطل وصولاً لمعاناته ونجاته بينما تلقى بعض النقد السلبي فيما يخص الموسيقى.
كما انتقد بعض القوميين اليابانيين الفيلم باعتباره مخالفاً للحقيقة في تصويره لمعسكرات الاعتقال اليابانية، بينما حصل على دعم مجموعات ومنظمات أسر الضحايا التي رأته تصويراً لما عانى منه ذووهم على أيدي القوات اليابانية.
ورشّح الفيلم لثلاث جوائز أوسكار لم يفز بأي منها، بينما فاز بجائزة المعهد الأمريكي للسينما كواحد من أفضل عشرة أفلام في العام 2014.
كما حقق أرباحاً جيدة في شباك التذاكر بما يقارب 160 مليون دولار حول العالم.
By the Sea
الفيلم من كتابة وإخراج وتمثيل أنجلينا جولي بالمشاركة مع زوجها آنذاك براد بيت، ويحكي قصة زوج من الفنانين الأمريكيين في العام 1970 في فرنسا.
الزوجة راقصة سابقة والزوج كاتب مشهور قضيا 14 عاماً من الزواج الناجح، إلا أنه وفي تلك المرحلة يعاني هذا الزواج من أزمات مختلفة، تتطور الحبكة في سبيل إيجاد حلول لها.
وتلقى الفيلم نقداً سلبياً بين أوساط النقاد باعتباره فيلماً مملاً، وحصد مبلغ ثلاثة ملايين دولار فقط حول العالم إذ يعتبر واحداً من أفشل أعمالها بعد أن وصلت إلى قمة النجومية العالمية.
First They Killed My Father
لا يزال هذا الفيلم قيد الإنتاج، ومن المفترض أن يعرض هذا العام على شبكة Netflex.
العمل مأخوذ عن كتاب بالاسم نفسه للكاتبة لونج يونج، تحكي قصة نجاتها في كمبوديا خلال سنوات الحرب الأهلية وسيطرة حركة الخمير الحمر على المشهد السياسي هناك إبان ثمانينات القرن الماضي، ويعبر الفيلم أيضاً عن غرام جولي الخاص بكمبوديا التي اختارت منها أول أبنائها بالتبني.
وسواءً نجحت جولي خلف الكاميرا أم لا، يبدو أن جولي سعيدة بتجاربها الإخراجية، وتبدو كذلك مصممة على النجاح في هذا المضمار الصعب الذي سيطرت عليه الأسماء الرجالية لمدة طويلة.