من بطل الانتصار ومن الكومبارس؟ لماذا توقفت مصر عن إنتاج أفلام عن “حرب أكتوبر”؟

"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"رد قلبي" أفلام شهيرةً قدمتها السينما المصرية خلدت فيها أحداث ذكرى نصر حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وثورة الضباط الأحرار في عام 1952 وغيرها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/06 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/06 الساعة 10:55 بتوقيت غرينتش

"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"رد قلبي" أفلام شهيرةً قدمتها السينما المصرية خلدت فيها أحداث ذكرى نصر حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وثورة الضباط الأحرار في عام 1952 وغيرها.

ومع توالي السنين استمر عرض نفس الأفلام في ذات المناسبات بعد أن اكتفى صناع السينما المصرية بتلك الأعمال التي تعد على أصابع اليد، وتتداولها القنوات الفضائية دون إنتاج أعمال جديدة.


ورغم ظهور مئات النجوم والمخرجين السينمائيين والمنتجين في العقود الماضية وتوسع صناعة السينما، ووصول أعداد القنوات الفضائية للمئات بدلاً من قناتين بالتلفزيون المصري قديماً، فإن الأفلام التي تجسد المناسبات القومية المهمة ظلت ثابتة لم تتغير حتى حفظها المشاهد لتكرارها أمامه كل عام، وأصبحت أيقونات ثقافية مشتركة بين أجيال متعاقبة، لكنها في كثير من الأحيان لا تستطيع جذب اهتمام الأجيال الجديدة.

بل إنه في ظل ثورة المعلومات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي تحولت العديد من هذه المواد الفنية إلى مادة للسخرية وكثيراً ما يستخدمها نشطاء التواصل الاجتماعي للتعليق على أحداث جديدة بنكهة الماضي.

7 أفلام فقط تجسّد حرب أكتوبر


المفاجأة التي تطل مع الذكرى 43 لحرب أكتوبر التي تعد أهم الحروب المصرية والعربية الحديثة، أن السينما المصرية لم تنتج سوى 7 أفلام فقط تحدثت عن العبور والنصر في حرب أكتوبر هي: "بدور" عام 1974، و"الوفاء العظيم" عام 1974، و"العمر لحظة" عام 1978، و"الرصاصة لا تزال في جيبي" عام 1974، و"أبناء الصمت" وتم إنتاجه عام 1974، و"حتى آخر العمر" عام 1975، و"الطريق إلى إيلات" عام 1993.

"الرصاصة لا تزال في جيبي" و"رد قلبي" أفلام شهيرةً قدمتها السينما المصرية خلدت فيها أحداث ذكرى نصر حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، وثورة الضباط الأحرار في عام 1952 وغيرها.


بينما يوجد العديد من الأفلام الأخرى التي تحدثت عن حروب الاستنزاف أو فترة ما بعد انتصار أكتوبر مثل "حائط البطولات"، و"أسد سيناء"، و"أيام السادات"، وغيرها من الأفلام التي تطرقت إلى انتصار أكتوبر بشكل عابر.

تكاليف الإنتاج


الناقدة السينمائية ماجدة خير الله، أوضحت لـ"عربي بوست" أن إنتاج فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي"، أو "حتى آخر العمر" تخطى 100 ألف جنيه مصري (بينما كان الفيلم الدرامي يتكلف أقل كثيراً) نظراً لتكاليف المعدات التي استخدمت في التصوير من "طائرات، ودبابات، وسفن حربية"، ولكن أرباح هذه الأفلام تخطت 12% وهو عائد قوى في وقتها لأن الأرباح المعتادة كانت 6 أو 7%.

وتقول خير الله إنه لو تم استخدام نفس إمكانيات تلك الأفلام لإنتاج مثيل لها في الفترة الحالية سيتخطى تكلفة إنتاجها الملايين؛ نظراً لارتفاع الأسعار، إضافة إلى تزايد أجور الممثلين وكل الأشخاص القائمين على العمل وبالطبع لن تحقق الأرباح المطلوبة، حسب قولها.


بلا قيمة


ويقول المنتج عاطف كامل، في تصريح لـ"عربي بوست" إن التكلفة العالية لإنتاج نوعيات هذه الأفلام هي السبب الرئيسي لعزوف المنتجين وصناع السينما عن إخراجها، موضحًا أنه لو أردنا تجسيد فيلم عن انتصار حرب أكتوبر أو تحرير سيناء فإننا بحاجة إلى تكاليف مادية عالية جدًا ومعدات وطائرات حربية، ودبابات، وملابس عسكرية، يجب أن توفرها مؤسسة القوات المسلحة.

واستطرد قائلاً: "لهذا السبب فإن صناع السينما يتجهون للأفلام التي لا تكلف كثيرًا وفي نفس الوقت يقبل عليها الجمهور حتى وإن كانت بلا قيمة أدبية أو فنية"، حسب تعبيره.

أين الدولة؟


ولفتت الناقدة السينمائية ماجدة خير الله إلى صعوبة الحصول على المعدات الحربية أو أخذ التصاريح الخاصة بتصوير مثل تلك المشاهد العسكرية نتيجة الظروف الأمنية التي تمر بها الدولة.

وقالت خير الله لـ"عربي بوست"، إن مؤسسات الدولة غير متعاونة لإنتاج تلك الأفلام، مشيرة إلى توقف التلفزيون الرسمي عن إنتاج أي أفلام الفترة الحالية سواء متعلقة بحدث أو مناسبة معينة وحتى أفلام الأطفال نتيجة الحالة الاقتصادية والميزانية المتراجعة، بعكس فترات سابقة كان التلفزيون المصري ووزارة الثقافة يساهمون بشكل كبير لإخراج أفلام ثقافية وتاريخية مفيدة للمجتمع.


وهو ما يتفق معه كامل، إذ يقول إن الدولة رفعت يديها منذ أعوام عن إنتاج تلك الأفلام خاصة بعد ثورة يناير 2011 وتراجع الحالة الاقتصادية ما أثر على إنتاجها، وكذلك تراجع دعم بعض المنظمات العالمية عن إنتاج الأفلام الثقافية، خاصة أن منظمة الأمم المتحدة كانت تدعم نوعيات الأفلام الثقافية والتاريخية بشكل كبير سابقًا ولكنها تراجعت الآن.

كيف تنافس السينما الأميركية؟


ويلفت عاطف كامل إلى أن التطور في صناعة السينما يلزم أنه في حال العودة لإنتاج مثل تلك الأفلام أن تكون بتصوير وإخراج وسيناريو وحبكة عالية جدًا، لتوازي ما تخرجه السينما الأميركية والأوروبية، أما غير ذلك سيؤدي إلى الفشل الحتمي.

وأردف قائلاً: "وبكل صراحة السينما المصرية لا تمتلك إنتاج أفلام بتلك التقنيات العالمية العالية والمتقدمة".

ماذا يريد الجمهور؟


وأشار كامل إلى أن الذوق العام للمشاهد تغير من متابعته للأعمال السينمائية، موضحًا أن الأعمال التي جسدت ذكرى أكتوبر مثل "الرصاصة لا تزال في جيبي"، وأفلام مناسبات عيد الأم، وعيد الربيع، وغيرها من الأفلام التي تناولت أحداث عدة نجحت في وقتها لأن ذوق المجتمع وقتها كان مختلفاً ويتناسب معها.

وتابع المنتج قائلاً: "الذوق الحالي يعتمد على نوعيات لأفلام معينة سواء الكوميدية، أو الشبابية تجذب الجمهور ويفضلها عن غيرها، أما الأفلام التي تناقش قضايا تاريخية بحتة وأحداث قومية فغالبًا ما تفشل".

أما المخرج السينمائي الأستاذ بأكاديمية الفنون محمد القليوبي فيوضح أنه لغياب الإمكانيات المادية ودعم الدولة، فإن عدم وعي المواطن بأهمية متابعة تلك الأفلام أدى إلى توقف إنتاجها على زمن معين، مطالبًا الدولة بحملات توعية لمثل تلك الأحداث للحفاظ على تاريخ الدولة.

السادات وعكاشة


وأشار القليوبي إلى أن القوات المسلحة حاولت عدة مرات إنتاج أفلام تجسد انتصارات أكتوبر وتحرير سيناء ولكنها تتوقف لأسباب عدة.

ولفت إلى أنه بالفعل سبق أن تم إسناد كتابة فيلم عن انتصار أكتوبر للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة في بداية التسعينيات، وكان مقرراً أن يتولى إخراجه شريف عرفة، ولكن الجيش تعرض لهجوم شرس لاستعانته بعكاشة للكتابة عن نصر أكتوبر بدعوى أنه يكره الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ولذلك تم إيقاف إنتاج الفيلم.


وقال القليوبي إن "أحداثاً مثل حرب أكتوبر، وتحرير سيناء، ونكسة 1967، لو أردنا تجسيد أفلام تناقشها فنجد في تلك الفترات شخصيات أساسية مثل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكذلك الرئيس الراحل السادات، والرئيس الأسبق مبارك له دور أيضًا". متسائلًا: "من سيكون الزعيم ومن سيكون الكومبارس كما نقول في السينما"، (في إشارة إلى اختلاف البعض حول أدوار هؤلاء الزعماء).

وأردف ساخراً: "ومن الممكن أن تطالب قيادات بدور في الحرب رغم أنها لم تشارك في الانتصار من الأساس".

علامات:
تحميل المزيد