قد يظن القارئ لأول وهلة أن فيلم أسامة له علاقة مباشرة بشخصية أسامة بن لادن، لكن لا.. فيلم أسامة هو فيلم أفغاني يجسّد حياة أسرة بسيطة مكونة من ثلاثة أفراد، كلهن نساء بدون رجل، والصعوبات الحياتية اليومية التي تواجه هذه الأسرة خلال فترة حكم حركة طالبان لأفغانستان، وذلك بسبب منع طالبان النساءَ من العمل وتحريمها ذلك، ولعدم وجود أي رجل يعول هذه الأسرة بسبب موت الرجل الوحيد لهذه الأسرة في إحدى حروب طالبان.
ولذلك تضطر الأسرة كي تُوفّر أبسط حقوقها ألا وهو حق الحياة، تضطر إلى أن تقوم بقص شَعر الفتاة التي لم تبلغ حتى عشرة أعوام من عمرها، وأن تحاول جاهدة جعل مظهرها يشبه الصبيان حتى تستطيع أن تعمل وتكسب بعض النقود التي تعينهم على الحياة، ومنذ هذه اللحظة يصبح اسم تلك الفتاة "أسامة"، تلك الفتاة التي اضطرتها الظروف والمعاناة إلى التخلي عن كينونتها وهَوّيتها، عن أنوثتها من أجل كسب لقمة العيش عند أحد بائعي اللبن في الحي.
وفى مشهد مؤثر يتضح فيه رفض هذه الفتاة لصفتها الجديدة وتمسكها بهويتها وأنوثتها، فتقوم برسم فتاة بضفيرتي شَعر على زجاج الدكان الذي تعمل به، محاولةً منها للتمرد على ما قادتها إليه ظروف الحياة وآلامها، ثم تأتي لحظة مفاجئة مفزعة عندما يتم اختيارها للتجنيد في صفوف طالبان، فتؤخذ إلى أحد معسكرات طالبان، وهناك تعيش ربما أسوأ فترات حياتها، حيث تُجبر مثلها مثل باقي الأطفال الآخرين على القيام بما يقوم به الشباب الأشداء الأصحاء، ناهيك عن أنها بنت.
وبالطبع تحدث بعض المضايقات من الغلمان هناك الذين يسخرون من صفات جسدها التي لا تدل على جسد قوي، وإنما تدل على جسد أنثوي هزيل، وتمر عدة أيام ثم يُكتشف سرها، ويُفضح أمرها، فيتم حجزها لعدة أيام، تمهيداً لمعاقبتها على فعلتها تلك، فيأتي يوم العقاب، ولكن لحسن حظها، أو الأصح أن نقول لسوء حظها، يتم العفو عنها، ولكن يتم إعلانها زوجة لشيخ يبدو أنه من المقربين لقائد المعسكر، أتتخيلون معي؟! فتاة.. طفلة لم تصل بعد إلى العاشرة من عمرها يتم إعلانها زوجة لشيخ بكل سهولة ويسر وسذاجة، دون أدنى معايير للحكمة والإنسانية.. وينتهي الفيلم بهذه الخاتمة المؤلمة البائسة.
ورأيي الشخصي في هذا الفيلم أنه استطاع أن يمثل ويوضح بطريقة رائعة المعاناة والصعوبات التي واجهها المجتمع بشكل عام، والنساء بشكل خاص، أثناء فترة حكم حركة طالبان في أفغانستان، التي استمرت نحو خمسة أعوام.
حركة طالبان التي خلال فترة حكمها لم تقم فقط بتحريم ومنع النساء من العمل، بل وأيضاً منعت مزاولة الكثير من أنواع الرياضة ككرة القدم؛ لأنها في نظرها تخالف الشريعة الإسلامية، كما منعت مشاركيها في دورات الألعاب الرياضية المختلفة كدورة الألعاب الآسيوية 1998، ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2000، وقامت أيضاً بمنع أنواع الفنون المختلفة، ومنها تصوير الأفلام.
ويُذكر أن فيلم أسامة هو أول فيلم يتم تصويره كاملاً في أفغانستان بعد انتهاء فترة حكم طالبان فيها، التي انتهت عام 2001، كما كانت تُلزم النساء بتغطية الرأس بالكامل، وترغمهن على ارتداء البرقع، ومبررهم في ذلك أن وجه المرأة مصدر للفساد، ولم يكن مسموحاً لهن بالتعلم بعد سن الثامنة، ولم يكن مسموحاً لهن تعلم سوى قراءة القرآن، ويمكنك أن تجد مفارقة عجيبة هنا، إذ إنهم يمنعون النساء من استكمال تعليمهم بعد الثامنة، وفى نفس الوقت لم يكن مسموحاً للنساء أن يتلقين العلاج من قِبل أطباء ذكور، مما أدى بالضرورة إلى عدم تلقي كثيرات للعلاج!..
وقاموا بإلزام الشباب والرجال وكبار السن بالاحتفاظ باللحية، كما سمحت طالبان، بل وشجعت زواج الفتيات القاصرات تحت سن 16 سنة.
كل ذلك إن دلّ على شيء فسيدل على تطرف في الفكر وفساد في الاعتقاد، فكون الحاكم ديكتاتوراً لهو شيء سيئ جداً، ولكن الأسوأ هو أن يكون الحاكم ديكتاتوراً متديناً؛ لأنه سيظن خطأ أنه بديكتاتوريته تلك يناصر الله وشريعته في الأرض، ولكن أين الدين وأين الشريعة في منع النساء من استكمال تعليمهم والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، والمقصود بكلمة مسلم هنا المسلم والمسلمة، طالما أن اللفظ أطلق بشكلٍ عام، فيدعو الرسول كل المسلمين إلى طلب العلم؛ لأنه بالتأكيد في طلب العلم رفعة وعلو لشأن الأمة وإقامة حضارة لها..
أين الدين وأين الشريعة في أن تمنع الناس من ممارسة الرياضة، وأن تُحرّمها عليهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "إنّ لربك عليك حقاً، وإنّ لجسدك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ففي الحديث توصية الرسول للناس أن يهتموا بصحة أبدانهم، وهذا يأتي بممارسة الرياضة، ويقول الرسول أيضاً: "الهوا والعبوا فإني أكره أن يُرى في دينكم غلظةً، وهنا يدعو الرسول إلى الترويح عن النفس ببعض اللهو واللعب حتى لا تملّ النفس وتضيق وتسأم، فالدين يسر وليس عسراً..
أين الدين وأين الشريعة في أن تُجبر الناس على فعل أشياء معينة فيها مظاهر للإيمان، والله تعالى يقول: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، فإجبار الناس وإكراههم على فعل أشياء تدل على الإيمان لن يصنع منهم مؤمنين، ولكن سيصنع منهم مُنافقين مُضطرين مُجبَرين.
ختام القول أود أن أرسل رسالة إلى جميع الجماعات والأحزاب الدينية الساعية إلى الحصول على السلطة والحكم، بأنهم يجب أن يكونوا على قدر هذه المسؤولية العظيمة أولاً، وأن يدركوا أن مجرد كونهم متدينين لا يجعل منهم ملائكة لا تخطئ ولا تزل، وأن أخذهم لتعاليم الدين والقرآن مرجعاً لهم لا يمنع احتمالية فهمهم وتطبيقهم الخاطئ لهما، وأن الله لا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة.
وتذكروا مقولتي جيداً: "إنّ أسوأ ديكتاتور هو ديكتاتور يدَّعي أن ديكتاتوريته نصرةً لله".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.