لم تعد التكنولوجيا مجرد وسيلة لمساعدة الإنسان في حياته اليومية والشؤون الصناعية، بل أصبحت تدخل في الجوانب الإبداعية من نشاطه أيضاً.
في يونيو/حزيران 2016، قام المخرج أوسكار شارب وروس غودين الباحث في الذكاء الاصطناعي في جامعة نيويورك، بتصميم شبكة عصبية اصطناعية باسم بنجامين، وهو اسم الذكاء الاصطناعي للحاسوب الذي كتب فيلم" Sunspring"
إذ قام كل من شارب وغودين بتزويد الحاسوب "بنجامين" بأعداد كبيرة من سيناريوهات أفلام ومسلسلات الخيال العلمي والفانتازيا، وبعد ذلك تركا لخوارزميّة بينجامين حرية كتابة سيناريو الفيلم، وتوجيه الممثلين وخصائصهم وطبيعة شخصياتهم، وفعلاً بعد أن انتهى بنجامين من كتابة السيناريو بدأ الشابان بالعمل على إنتاج الفيلم وتصوريه.
يقول شارب إن الجميع بدأ بالضحك بعد قراءة السيناريو سواء الممثلين أو الفنيّين، فالنتيجة كانت ممتعة لكن غريبة نوعاً ما، فالفيلم كان عاطفياً سوداوياً يحكي قصة خيال علمي عن الحب واليأس.
الجُمل منفصلة كانت تبدو واضحة، لكنها ضمن الحوار تبدو بدون أي معنى وغير منطقية حين تتبادلها الشخصيات وتنطق بها، في حين تنقل الانطباع بأن شيئاً ما حدث أو سيحدث.
ما يثير الاهتمام بهذه التجربة هو طرحها للتساؤلات عن بنية حبكات أفلام الخيال العلمي، وطبيعة السرد فيها ودور الانترنت كأرشيف معرفي في توليد الحكاية.
بالنهاية بينجامين يعتمد على ما كتبه البشر، فنرى الثيمات المرتبطة بالخيال العلمي-البشري تظهر ضمن الفيلم، مثل جهل الشخصيات بما سيحدث وحس المغامرة العالي لديها، وهذا مرتبط بطبيعة السيناريوهات التي تم تغذية بنجامين بها، فهناك الكثير من سينارويهات "ستارغيت" و"ستار تريك" وفيوتشراما"، لكن هناك حلقة واحدة من مسلسل X-Files.
تجربة الذكاء الاصطناعي لم توقف عند الفيلم السابق، إذ تم استخدام الذكاء الاصطناعي في فيلم للمخرج لوك سكوت بعنوان "مورغان".
والفيلم يحكي قصة مستشار في شركة الكترونيات، ومحاولات قتل الذكاء الاصطناعي والذي هو بمثابه شخص صنعته إحدى الشركات، لانه يؤذي من حوله.
وقرر المخرج في سبيل زيادة التشويق، الاستعانة بأحد كمبيوترات شركة "أي بي أم" ذات الذكاء الاصطناعي المسمى "واتسون" من أجل تصنيع فيديو ترويجي للفيلم، خصوصاً السعي لاختبار مشاعر الخوف، وكيف يمكن لآلة شديدة المنطقية كالحاسوب أن تفهم ما هو الخوف.
لذلك قامت الشركة بتغذية "واتسون" بـ100 فيلم من كلاسيكيات سينما الرعب، من أجل الوصول لخوازميّة عن الخوف، وإنتاج فيديو ترويجي لفيلم "مورغان" بالاعتماد على هذه المعطيات، وقد كانت النتيجة أن "واتسون" صنع الفيديو، وأضاف بعض اللقطات التي لم يقم باستخدامها البشر، ما جعل التساؤلات حول ماهية الخوف وكيف تفهمه الآلة تطفو على السطح، خاصة أن "واتسون" لا يمتلك مرجعية بشريّة لفهم هذه المشاعر، سوى تلك المرتبطة بالأفلام والسياقات التي تولد الخوف والتي تم تغذيته بها.
من يبدع أكثر؟
الأمثلة السابقة تطرح تساؤلات عن معنى الإبداع بوصفه نشاطاً بشرياً بحتاً، ورغم أن المرجعيات وكميّة المعلومات لدى الطرفين متشابهه، فإن النتائج مختلفة.
ويتضح من النتائج التي توصلت لها الشركات عقب ظهور سيناريوهات الافلام، أن الذكاء الاصطناعي غير قادر على خلق التماسك الذي يقدمه المبدع البشريّ، بوصفه يمتلك ما لا تمتلكه الآلة، وهو الحساسية العاطفية للأحداث وتكوينات النفس البشرية، والتي لا تبدو منطقية للآلة، وتحديدا في أفلام fiction والخيال العلمي، التي هي اختبار لما هو بشري في عوالم مختلفة عن تلك التي نألفها.