عنصريو الشاشة والدراما.. لا يتذكرون قصار القامة إلا بأدوار المسوخ؟

يجب إعادة الاعتبار للفنانين قصار القامة، يجب خلق نجوم منهم وليس كائنات سحرية، يجب احترام كرامتهم وإنسانيتهم والتوقف عن تصويرهم دائماً كمخلوقات ما ورائية، فمن المُعيب أن يتم إلغاء القزم من الأعمال الدرامية العربية، بينما يحتل دوراً بطولياً بالأعمال الأجنبية، فالفن هو ما يعلي من قيمة الإنسان، وليس ما ينتهكها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/06/10 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/06/10 الساعة 01:55 بتوقيت غرينتش

يُعتبر القزم شخصاً قصير القامة، أو هكذا يُطلق عليه، والقزامة هي الصغر، فالقزم نجده كمصطلح يطلق كذلك على الشخص الدنيء. فالتقزيم هو التصغير والتقليل؛ لذلك يطلق على الموضوع الناقص وغير المكتمل، فالقزم هو الشخص الذي يعتبره الناس غير مكتمل الطول، وأيضاً الشخص غير المكتمل الأخلاق (اللئيم)، ومنه نجد التقزيم معناه التنقيص والتحقير، غير أن الغريب في الموضوع هو أنه غالباً ما تجمع الثقافة الشعبية بين القزامة الشكلية والمعنوية، كما يفضح المثل الشعبي هذه النقطة ويقول "أقربهم إلى الأرض أكثر خبثاً".

ولربما قد بُني المثال على تصور الناس بأن صغار الحجم يعتمدون على الحيل بدل القوة الجسدية، كدفاع عن ذواتهم، إلا أن تاريخ الشعوب يخفي في طياته قصصاً وأساطير عن الأقزام باعتبارها كائنات شريرة ومخادعة، فقد اعتاد البشر أن يربطوا المختلفين منهم بالسحر والتحايل، كما في الميثيولوجيات الإسكندنافية وهي التي ألهمت وعززت هذه الرؤية نحو الأقزام، والتي نراها مترجمة في أضخم الأعمال الفنية سواء بأفلام الفانتازيا أو أفلام الكرتون، كما بالتلفزيون وقصص الأطفال المصورة.

يعيش صغار القامة بالمجتمع مثلهم مثل باقي الناس، الاختلاف البسيط هو في توقف طولهم بين المتر والمتر ونصف، دون أن يشكل هذا الأمر عائقاً في ممارساتهم الحياتية، فهم مواطنون كاملو المواطنة، ولا يُعتبرون ذوي احتياجات خاصة أو متخلفين عقلياً؛ لذلك نراهم كمكونات تشارك في بناء النظام الاجتماعي بشقيه السياسي والاقتصادي، غير أن للفن رؤية مغايرة، فهم شبه مغيبين عن الشاشة الكبيرة والصغيرة: إلا إذا كان العمل يتناول القصص السحرية ليتم استخدامهم واستغلالهم كشخصيات تجسد كائنات ما ورائية، إما كـ"جنيات" أو كـ"فضائيين" وكل ما يدخل في نطاق الكائنات الغريبة والعجيبة، الأمر الذي يزيد من تعميق الهوة بينهم وبين أفراد المجتمع، بتعميق هذه الرؤية نحوهم، فيستمر الناس بالنظر إليهم ليس بوصفهم مواطنين يشاركون بالحياة المجتمعية، بل ككائنات دخيلة وغريبة، أو حتى مسلية في حالة القبول والإعجاب بأعمالهم، وهذا ما يدمر الحالة النفسية للمعنيين هنا، ويُسهِم في تأكيد إحساس النقص والرفض من قبل الآخرين، فغالبيتهم يتعرضون أو تعرضوا على الأقل لمرة في حياتهم للسخرية أو التقليل من الشأن.

تعتمد هوليوود على الأقزام في القصص السحرية، غير أنها تضمن لهم كذلك المشاركة بأعمال الدراما كشخصيات فاعلة ولها دور بالمجتمع، الأمر الذي لا نجده في أعمال مختلفة خارج هوليوود، منها الأعمال العربية خاصة التي ما زالت تعتمدهم فقط كـ"جنيات" أو كـ"مهرجين مسلين"، دون أن يتم إدراجهم بالأعمال الدرامية والقصص التي تعكس الواقع المعيشي بعيداً عن عالم السحر والفانتازيا، وكأن الفن يلغيهم من الحياة الواقعية، وينقلهم إلى العوالم الماورائية كتوضيح (لا واعٍ) منه بأن ذلك هو عالمهم الحقيقي!!

بهوليوود استطاع بعض صغار القامة خلق نجومية وصناعة شهرة واحترام، باعتبارهم فنانين حقيقيين يُرشحون لنيل أضخم الجوائز، ويُستقبلون بأشهر البرامج الحوارية التلفزيونية مثل Verne Troyer و Peter Dinklage و Jordan Prentice و Tony Cox . أما هنا فلا يُسمح لهم بحضور المهرجانات وقد يصل الأمر حد طردهم، وحتى عند استدعائهم بالبرامج الواقعية، فإما ليخيفوا النجوم (بالكاميرا الخفية)، أو لإضافة التسلية والمرح على أجواء وبلاتوهات البرامج، بالسخرية منهم أو فرض دور تهريجي يؤدونه.

يجب إعادة الاعتبار للفنانين قصار القامة، يجب خلق نجوم منهم وليس كائنات سحرية، يجب احترام كرامتهم وإنسانيتهم والتوقف عن تصويرهم دائماً كمخلوقات ما ورائية، فمن المُعيب أن يتم إلغاء القزم من الأعمال الدرامية العربية، بينما يحتل دوراً بطولياً بالأعمال الأجنبية، فالفن هو ما يعلي من قيمة الإنسان، وليس ما ينتهكها.

ما زالت الإنتاجات العربية تمارس تهميشاً في حق الأقزام وذوي البشرة الداكنة كذلك، كأن أبيض البشرة وطويل القامة هو الذي يدور لأجله كوكب الأرض! رغم أن نجاح الأعمال وتأثيرها في الناس، يشترط إدراج كافة أطياف المجتمع كمرايا تعكس ملامحه، فدورها هو إدراج جميع الفئات الاجتماعية للتعبير عن ذواتها.

فهل سبق أن رأيت قزماً يقدم الأخبار على شاشة التلفزيون؟ طبعا لا! فهم مخلوقات خرافية لا وجود لها!!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد