خيبات أمل سينمائية كثيرة شهدها عام 2015 ابتدءً من (Fantastic Four) مروراً بـ(Jurassic world) وصولا إلى (The Martian) وكثير من الأفلام الأخرى.
ليأتي الفرج مع فيلم (The revenant) الذي قدم عبر مثلث سحري فيلماً أعادنا في جماله ورونقه إلى المسار الصحيح للإبداع السينمائي الذي تتفرد به هوليود عن غيرها من المدارس السينمائية.
على رأس المثلث السحري تربع المخرج (Alejandro G Iñárritu) واحتل زوايا المثلث الأخرى (Emmanuel Lubezki) و(Leonardo Dicaprio)، واستطاع المخرج المكسيسكي أن يقوم بنقل هذه القصة إلى الشاشة الكبيرة ولكن بأسلوب وضع فيه المشاهد داخل القصة ليكون شاهداً عليها ليس مُشاهداً فقط، وأن يقدم للجمهور لوحة جديدة لم يستطع مع أعضاء فريقه أن يخفوها حتى نهاية عام 2015 والانتظار حتى بداية 2016 ليتم عرضها للجمهور كما كان مقرراً سابقاً.
تولد العجائب في رحم المعاناة
تتمحور هذه القصة الفريدة عن الانتقام والثأر، المبنية على أحداث واقعية عن شخص يُدعى Hugh Glass ولد من أبوين إسكوتلندي وإيرلندي في بنسلفانيا-أميركا، كان يعمل كمستكشف ودليل لمنطقة نهر ولاية ميزوري العلوي المعروفة حاليا بـ"مونتانا"..
(غلاس) الذي زحف 320 كيلومتراً في البراري المتجمدة وجسده مغطى بالجروح والتقرحات، انتقاما لمقتل ابنه بعد أن تم دفنه حيا من قبل زملائه.
الخوف، الألم، القوة، الشجاعة، الحب والارتباط جميعها كانت حاضرة في الوقت نفسه.. ما عدا الخوف. استطاع (ليوناردو) في أدائه لدور البطولة أن يسخرها جميعا لتُظهر المعاناة التي مر بها البطل (غلاس) في القصة منذ اللحظة التي تم فيها قتل زوجته حتى ظفر بانتقامه.
ليس من السهل دفع المشاهدين لحبس أنفاسهم من بداية الفيلم إلى نهايته مرة واحدة ولكن هذا الأسلوب الفريد الذي اتبعه المخرج في رفع الأيقاع كلما هبط أو برد في الفيلم من خلال مشاهد معينة كقتال الدب الذي أبدع في أدائه ليوناردو ومشاهد أكل اللحم النيئ والنوم داخل حصانه الميت بعد إفراغه لأحشائه، أعطت المشاهد دافعاً قوياً لمتابعة الفيلم بكل شغف وحماس.
كعادته تألق (توم هاردي) في العمل مع المثلث السحري، فقد رُكبت شخصيته على الخوف من الموت الذي كان يهرب منه من بداية الفيلم حتى نهايته، فأتقن الخيانة والجزع والهروب الدائم حتى وَجده ما كان يهرب منه، الموت.
الانتقام هو يد الله وليس يدي
يمتاز النص والسيناريو في هذا الفيلم الجريء بقفزاته الرشيقة ما بين الأزمنة والأمكنة، ويمتاز باتزانه وحفاظه على روابطه من بدايته إلى نهايته، رغم قلة عدد كلماته المنطوقة سواء من قبل البطل أو باقي أطراف القصة ولكن الصورة كانت كافية لتتكلم وليرى المشاهد ما يريد سماعه.
أما على صعيد الحبكات والقصص.. كانت متتالية بإيقاع يُبقي المشاهد متأهباً، وارتباط القصة والشخصيات من بداية الفيلم إلى نهايته خدمت الفكرة العامة التي تبلورت في القول الهندي بأن الانتقام يد الله العليا وليس يدي.
فالمرأة الهندية التي أنقذها (غلاس) من الاغتصاب في منتصف الفيلم هي من أنقذته من القتل في نهاية الفيلم، وانتقامه الذي كان يسعى خلفه لم يأتِ على يديه بل ظفر به على يد أحد آخر.
عين المشاهد
الرشاقة التي تمتعت بها عدسة المصور (إيمانويل) جذبت المشاهد في الفيلم من لحظاته الأولى واستمرت في نفس الأسلوب حتى نهاية الفيلم، مصاحبة البطل (غلاس) في دمائه وبكائه وحتى في أنفاسه التي ساعدت في رفع وتيرة التشويق والتصديق.
ولا ننسى ما تم ذكره في إحدى المقابلات مع (ليونارد) والمخرج (إليخاندرو جي. إيناريتو) بأنه من أكثر الصعوبات التي واجهتهم خلال أيام التصوير هي العمل تحت الضوء الطبيعي بنسبة تزيد عن 90 بالمئة بينما تم استعمال الإضاءة بنسبة لا تزيد عن 10 بالمئة، فألوان غروب الشمس والغيوم والشروق ولهب النار والدخان وأنفاس البطل (غلاس) ودمائه التي امتزجت بالعدسة أعطت للفيلم قيمة مضافة.
ترشح الفيلم لأكثر من 80 جائزة عالمية وربح أكثر من 17 أخرى، وبلغت ميزانية الفيلم 135 مليون دولار، وكان تقييم بعض النقاد إيجابيا لصالح الممثل (ليوناردو دي كابريو) والمخرج (إليخاندرو جي. إيناريتو) على أنه من أجمل ما قدم حتى الآن فما رأيكم أنتم؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.