"إنتِ جاية تشتغلي إيه؟"
ماري منيب الرائعة كانت متألقة عندما قالت جملتها الشهيرة في مسرحية "إلا خمسة" والجملة أصبحت من الجمل التي يتداولها الجميع الآن تعبيراً عن التشويش الذي يصادف الشباب مع معركة سوق العمل. "أيييييون.. معركة".
معظمنا يحاول أن يحصل على عمل قارٍّ بدخل مستمر ولا دايم إلا وجه الله، و"الأفضل أن يكون عملاً مقتنعين بأهميته بالنسبة لنا" والأهمية يتغير تعريفها ومدلولاتها بحسب طبيعة أي شخص وطبيعة البيئة الخارجية والنفسية التي تعرض لها.
المشكلة أن الإنسان العربي بالخصوص مضطر وبشدة أن يعمل أولاً ثم يحب عمله ربما خامساً أوعاشراً. انظر في دائرة معارفك. كم منهم ينظر بإيجابية لبداية الأسبوع؟ كم منهم يتعامل مع عمله على أنه شيء ممتع؟ كم منهم يتخطى حاجز الضروري في المطلوب منه عملياً أو وظيفياً إلى حيز جديد من الإتقان والإبداع؟
على ضفة أخرى هناك الكثير من الشباب الذين لا يملكون مقومات فهم "إنتِ جاية تشتغلي إيه؟" بالإضافة إلى هذه المشكلة لديهم عجز تام عن عمل أي شيء آخر، ولا يستطيعون مجاراة أي عمل لا يلامس وتراً وجدانياً لديهم. وطبعا لدي كل التعاطف في العالم مع هذه الشريحة لأنني منهم. المفروض أن تأتي فرصة مثالية ووقت مثالي وأنا أخلق العمل المثالي في القالب المثالي وبالتالي أحصل على السعادة والتحقق الذاتي .. يا سلام على اليوتوبيا!
الحياة صراع وأن ننتظر نهاية الصراع من أجل أن نبدأ "الحياة التي من المفروض أننا نستحقها" هو خيال رومانسي جداً لا يوجد إلا في روايات الجيب من عينة "عبير"، وملف المستقبل ومفهوم اللحظة الفارقة. نعم الحياة فيها لحظات فارقة وممكن جداً أن تكون قراءتك لهذا المقال لحظة فارقة لو اخترت. صناعة اللحظات الفارقة النفسية أو الذاتية أسهل بكثير من صناعة اللحظات الفارقة المجتمعية في أغلب الأحيان. حاول عموما..
حاول أو حاولي إيجاد خيط متصل بين اليوم وما يليه، عش أو عيشي الحياة بقدر المتاح والممكن، وخذ أو خذي قراراً بأنك ستكون عزيزي الإنسان أكثر وعياً لما تعيش، وسط دوامة العمل أو فراغ البطالة، حاول أن تدرك جيداً وبكل الصدق والنزاهة التي تمتلك وتستطيع استلهامها "هو أنا جاي هنا أشتغل إيه؟" ومهما كان الجواب، تقبله.
لا تنتقص من صوتك الداخلي وندائك الوجداني. لا تقل "لا يمكن.. لا يجوز.. المجتمع لا يقدِّر.. الأهل.. الحكومة.. البرستيج.. " لا يهم ، المهم أن تكون كإنسان قادراً على العمل بشكل جزئي أو كلي على ما يجعلك في نهاية اليوم تضع رأسك على المخدة وتنام راضياً ومتحققاً ومستعداً بشغف للأيام القادمة. حتى لو كان القادم غير واضح وغير مفهوم أو "مضمون"، المهم أنك حالياً تعيش الحياة ولا تنتظر حياة أخرى تطاردك في ساعات ما قبل النوم.
ممكن جداً أن لا ترى الغد أساساً وإذا افترضت أن تلك اللحظة هي غد، فستكون واحداً من اثنين: نادماً أو مستعداً.
وطبعا العقل دائما يصور لك بدهاء أنك ستكون على أهبة الاستعداد، وغالباً ذلك الغد سيأتي بعد عمر طويل مديد.. بعد تحقيق كل أحلامك وأمانيك. العقل "حلو وكداب" عادي. لذلك يجب أن يكون صوت ماري منيب رناناً في قلبك. وحين تجيب على السؤال وتجد نفسك في قمة السعادة وأنت تجيب، ممكن جداً أن تستعير جملتها الشهيرة "يا كسوفي".
ماري منيب الجميلة الضاحكة التي تسخر من عيوبها بخفة جاعلة منها مصدر قوة. السورية الأصيلة والمصرية بتفوق والعالمية بضحكة تصل إلى كل العالم العربي.
لك مني كل الامتنان وأدعو لك بالرحمة والنور وأمدنا الله بالقدرة على الإجابة على سؤالك
"أنا جئت إلى هذا العالم من أجل ماذا بالضبط؟".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.