سِلسلة فضيَّة طويلة تتدلّى من رقبتِه وتتمايل بطريقة مُتناغمة مع حركة جسده الراقصة على أنغام الموسيقى في أول مدرسة هيب هوب في المغرب ، أما ملابسه الفضفاضة فتشكل عاملاً مُساعداً على أداء حركات سريعة ومُعقَّدة.
لم يكن كريم هو الوحيد الراقص بين عشرات الشباب والشابات ممن كانوا يرصُدون حركاته بتركيز واهتمام، فسرعان ما انضمَّ إليه آخرون يُحاكون حركاته ويتبعون خطاه. فهم ومدربهم يستمتعون بأولى دروس موسيقى "الهيب هوب" والرقص المرافق لها.
زهاء 80 شابة وشاباً أتَوا من مدن مختلفة، قاصدين المدرسة الأولى من نوعها في يوم افتتاحها بأحد أكبر الأحياء الشعبية بمدينة طنجة، أقصى الشمال، التي جعلت من ترسيخ ثقافة "الوُرك هوب والهيب هوب" وتعليم جميع الفنون المرتبطة بها كـ "البريك دانس" و"الكَرافيتي" و"الرَّاب" والـ "البيت بوكس" و"دّي جّي" هدفاً لها.
المدرسة الإيجابية.. أول مدرسة "هيب هوب" بالمغرب
حبّ وسلام ووحدة، بهذه المبادئ انطلقت "هيب هوب هاوس"، محاوِلةً ترسيخ قيم "الهيب الهوب" لدى الشباب المغاربة عموماً، وبالأخص شبان مدينة طنجة المولعين بهذا الفن، تقول سلمى بلكبير، مسؤولة التواصل بالمدرسة لـ "عربي بوست".
ومن المعروف أن "الهيب هوب" هو أحد أنواع الموسيقى والثقافة في الولايات المتحدة الأميركية، الذي نشأ عام 1970 كرد فعل لما تعرَّض له "الأميركيون الأفارقة" من عنصرية وكنوع من التعبير عن النفس ضد المشاكل داخل المجتمع كالفقر والبطالة والعنصرية والظلم، ليتطور الأمر بعد ذلك بسنوات ويصبح فناً مستقلاً.
الـ "positive school"، المؤسَّسة من طرف "علي زاوا"، وهي جمعية غير ربحية لصاحبها المخرج السينمائي نبيل عيوش، كانت بدعم من السفارة الأميركية بالمملكة المغربية، وترمي لترسيخ القيم المذكورة.
بالنسبة لسلمى بلكبير تواجُد المدرسة على مستوى أحياء شعبية في طنجة أو في مدينة الدار البيضاء (مقر الفرع الأول) مهم جداً لشباب لا يجدون فضاءات ملائمة، يمارسون داخلها مواهبهم ويطوّرونها ويحصلون على تأطير وتكوين ممنهجين.
ثقافة "الهيب هوب".. مع الموهبة ضد التطرف
كثير من الفضول وحب فنون "الهيب هوب" دفعا الشابة إكرام، إلى السفر من مدينة تطوان إلى طنجة، بعد أن تنامى إلى علمها خبر افتتاح أول مدرسة لهذا الفن بالمنطقة.
انخرطت الطالبة الجامعية سريعاً في محاكاة الرقصات وتقليد الخطوات، بقميص يحمل العلم الأميركي، وبسروال "جينز" باهت وشعر منفوش "من كان يظن أن مدرسة لفن "الهيب هوب" ستفتتح بالمغرب وبمدينة طنجة؟"، متابعة حديثها لـ "عربي بوست"، "أتيت هنا لإبراز مواهبي في الرقص وتنميتها على يد مختصين وراقصين محترفين".
إلى جانب تنمية الموهبة وصقلها، ترى المسؤولة بـ "المدرسة الإيجابية" أن لهذه الأخيرة دوراً أساسياً في حماية الشباب من الإدمان أو الإجرام، وإنقاذهم من براثِن الانحراف.
بالنسبة إليها وإلى القائمين على هذا البرنامج "انشغال الشبان فتيات وفتياناً بالغناء والرقص والرسم سيُبعدهم ما أمكن عن أصدقاء السوء وسيحميهم من اللجوء للعنف والمخدرات".
تكوين مستمر.. تأطير وطني وأجنبي
المدرسة التي فتحت أبوابها قبل أسبوع وضعت لمرتاديها برنامجاً حافلاً وفي جميع مجالات فنون "الهيب هوب". كما تُحضِّر لورشات مفتوحة من تأطير فنانين مغاربة وأجانب.
لا يؤدي تلامذة المدرسة إلا اشتراكاً سنوياً تحَدَّدت قيمته في 130 درهماً، ما يعادل 13 دولاراً، بالإضافة إلى واجب شهري رمزي يبلغ 50 درهماً، 5 دولارات، ضَماناً لالتزام المنخرطين واستمراريتهم في الاستفادة من التكوين، تقول سلمى بلكبير.
ما كادت المسؤولة تنهي حديثها حتى انطلق مزيج موسيقي اختلطت فيه ألحان مختلفة بدرجات متفاوتة. تجمَّع العشرات حول شاب يقف بمحاذاة صندوق أسود ضخم يحرك أقراصاً موسيقية ويتلاعب بها بسلاسة، جعلها تصدر أنغاماً متعددة.
توجهت النَّظرات صوب منسق الموسيقى الذي كان يقدم مجموعة من الملاحظات والمعطيات، وما إن انتهت الحصة حتى سمح للجميع بالرقص والتمايل، مُعلناً انقضاء فعاليات اليوم الافتتاحي لمدرسة "الهيب هوب"، في انتظار انطلاق باقي الحصص والورشات.