كوميديا بلا ابتذال.. لماذا نجح مسلسل بالطو في الوصول للجمهور؟

تم النشر: 2023/03/16 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/17 الساعة 09:17 بتوقيت غرينتش
مسلسل بالطو / الشبكات الاجتماعية

مسلسل بالطو.. حجر يحرك مياهاً راكدة وما حدث حوله من دوامات واسعة من الانتشار والنجاح ليس إلا رد فعل تلقائي حفاوة وتقديراً مستحقاً لتجربة غير تقليدية حققت نجاحاً غير تقليدي ساطعاً كنور شمس لا تخطئه العين.

فعين المشاهد العادي الذي رأى عملاً يصنفه كوميديا يدور حول بشر يشبهونه، كوميديا ساخرة مرحة تسلم له نفسك برضا تام؛ لأنه يطمئنك، فلن أتعمد إضحاكك بمبالغات ولا إيحاءات أو سخرية من الآخر.

عمل بطله الحقيقي صدق مواهب تحب ما تفعله خارج حسابات سوق الدراما المعقدة، بل تقدم فناً من أجل الفن.

لهذا وأكثر تحب مسلسل "بالطو"، لا تحب العمل فقط، وإنما تمتد تلك المحبة لتشمل القائمين عليه؛ كاتباً ومخرجاً وأبطالاً، بداية من سيناريو مُحكم نسجه ببراعة "أحمد عاطف"، الذي جمع بين المرح -كوميديا الموقف- وطرح جانباً من المشكلات الحقيقية.

"الحقيقة" كلمة قد توحي بالجدية والصعوبة، ولكن نرى هنا كيف يمكن للحقائق المُرة أن تكون مغلفة بالحلاوة والبساطة وخفة الدم.

على مدار عشر حلقات فقط دون محاولة للإطالة على حساب الحبكة، فيترك المسلسل المشاهد راضياً بل راغباً في المزيد من الحلقات دون أن يصيبه ملل؛ حيث يعرض جانباً مخففاً من أزمة تكليف الأطباء في مصر، من حيث الإمكانيات والأجور وطبيعة العمل التي قد يسحق طموح شباب الأطباء.

المسلسل به شخصيات جذابة وسر جاذبيتها أنها عادية ومألوفة، ورغم هذا لكل شخصية بصمتها المميزة.

بداية من شخصية "عاطف" الذي أصبحت بساطته الشيء المميز، وأنها لا تعني البناء السطحي للشخصية والاعتماد على أن هدفها الإضحاك، على العكس أهم ما يميز شخصية "عاطف" ويجعله حقيقية لهذه الدرجة هو عدم إغفال الأبعاد النفسية، وتنشئته الاجتماعية وأثرها عليه، وهذا تحديداً ما يمنح الشخصيات إنسانيتها، ويجعل المتلقي يتعلق بها ويجد فيها ما يلامس إنسانيته.

عاطف الذي نشأ ككثيرين على أن يكون طبيباً دون أن يبحث أو يفكر حتى فيما يريده هو لنفسه، دوماً هناك الأب القائم بالتوجيه والاختيار فينجح "عاطف" ليصير طبيباً لكنه مسلوب الإرادة، يفقد دافعاً يحركه أو حلماً يسعى إليه، ليصطدم بواقع مخالف ومغاير لصورة الطبيب التي رسمها له والده والمجتمع، لهذا ترى تجنبه الدائم لما يدور حوله، بل وسلبيته أحياناً.

فلا يود التورط في أي مشكلات من حوله، ولكن على مدار حلقات المسلسل لا يحدث شيء سوى أنه يتورط ويواجه مخاوفه ويكتسب خبراته، وبالنهاية ينتصر انتصاراً منطقياً عادياً، فلا تملك كمشاهد سوى التصديق والاستحسان.

لا ينهزم الشر بشكل خيالي كارتوني، على العكس يستمر الشر تحت مظلة الجهل ويهلل له الناس، ولا يملك "عاطف" سوى نصف ابتسامة ساخرة تماماً كالتي ترتسم على وجهك تحت شعار "مفيش فايدة".

يتقبل "عاطف" واقعه الجديد دون الاندماج التام، ولكنه يحاول كما يحاول كل من في مكانه يدحض شعور الغربة واليأس -يأخذهم على قدر عقولهم- فيظهر في مشاهد طريفة عندما التقى بالسيدة التي أنجبت على يديه، وأطلقوا على ابنهم اسم دكتور "عاصم" تيمنًاً باسمه "عاطف"، فلم يتكلف عناء تصحيح معلومة الاسم، وكما في ختام مشهد السرقة الشهير وهو يخاطب "رمضان".

بطل المسلسل عصام عمر

أدى الدور "عصام عمر" الذي تراه على الأغلب لأول مرة، لا تملك تجاهه فكرة أو شعوراً، ولكنه يبني علاقة وثيقة معك بموهبته وصدقه وبساطته حتى تألفه وترغب في رؤيته ويترك أثره بك تماماً كعاطف.

أما باقي أبطال العمل الذين على الأغلب رأيتهم سابقاً تراهم هنا بشكل مختلف وبمساحات واسعة يتألقون فيها، فتعيد اكتشافهم من جديد، وتسعد بهم ولهم.

أداء لافت وطبيعي من الجميع، وعلى رأسهم أستاذ "عبد البديع الطرشوخي، محمد محمود- وعارفة عبد الرسول – ميس كوثر" على سبيل المثال فمشهد وداع "عاطف" كان مؤثراً ومضبوطاً حتى في تعابير الوجه ونبرات الصوت.

مروراً بدكتورة "هاجر – مريم الجندي – ودكتور سمير رمز للفساد والأذى – محمود حافظ- ميس حلمية – سلافة غانم- وألفت -دنيا سامي- والد عاطف – محمد رضوان- ورمز الشر واستغلال الجهل محمود البزاوي في دور الشيخ مرزوق".

الجميع كان أداؤهم تلقائياً وقريباً للقلب، لا يوجد نشاز لممثل، وإن كان ثانوياً أو ضيف شرف في غير محله، وهذا يُحسب للمخرج عمر المهندس، الذي يخرج عمله الأول بمهارة وإلمام بكل التفاصيل.

لكن هل هذا يعني أن العمل هو الأفضل على الإطلاق أو بلا ثغرات؟ قد يكون لا، ولكنك تمتلئ بهم وتنحاز لاجتهاد تجربة الإبداع الأولى بعد صبر وسعي يأخذك للصدق، هذا الصدق الذي يجبرك على الالتفات إلى الجمال لا البحث عن الثغرات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسمين ممدوح السخاوي
كاتبة مصرية، درست علم النفس وتعمل بالمجال النفسي
كاتبة مصرية، درست علم النفس وتعمل بالمجال النفسي
تحميل المزيد