ما الذي تشعر به امرأة مرّت بتجربة مؤلمة كالاغتصاب؟ “Unbelievable” قصص حقيقية أبدعت نتفلكس في إنتاجها

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/22 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/22 الساعة 12:58 بتوقيت غرينتش

الحقيقة دائماً ما تكون أسوأ..

أسوأ من الكلام الذي يُحكى، حتى بين أقرب الأصدقاء.

وأسوأ من القصص التي تُعرض على شاشات التلفزيون والسينما، مهما بدت صادقة.

ولكن أن ينجح مُسلسل في كونه يجعلك تقترب من فهم ما الذي يمكن أن تشعر به امرأة مرّت بتجربة مؤلمة وشديدة الحساسية، كتجربة الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، فهو لشيءٍ نادر حقّاً. 

الجديد الذي يُقدّمه مسلسل Unbelievable، هو كون المُشاهد يرى هذه التجربة البشعة من وجهة نظر الضحيّة، راصداً كل التفاصيل المتعلقة بالألم الجسدي والنفسي، والمُضاف إليها للأسف، نظرة التشكيك فيما حدث، أو الاستهانة بما حدث، من المجتمع ككل.

Unbelievable أو لا يُصدّق، هو مسلسل قصير مكوّن من 8 حلقات، مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت بالفعل، وهو إنتاج أصلي لشبكة نتفلكس، الذي بدأ عرضه في سبتمبر/أيلول من عام 2019، وفاز بجائزة معهد الفيلم الأمريكي لأفضل برنامج تلفزيوني 2020، كما ترشح للفوز بأربع جوائز غولدن غلوب. 

فكيف قدّم المسلسل تفاصيل الحادث الحقيقي؟ ولماذا أثار إعجاب الغالبية العظمى ممّن شاهدوه؟   

قصة مسلسل Unbelievable

تنويه: هناك حرق للأحداث

تبدأ القصة في عام 2008، في واشنطن، حيث ماري (كاتلين ديفر)، الفتاة ذات الثمانية عشر عاماً، والتي لم تعش حياة طبيعية أبداً، حيث تنقّلت بين أكثر من بيتٍ للرعاية، وتعرضّت خلال ذلك لإساءات جسدية ونفسية بالغة.

ذات يومٍ، استيقظت ماري من نومها فجأة، حينما اقتحم رجلٌ ما غرفتها، وقيّدها، ثم قام باغتصابها.

إعلان المسلسل

ماري ذات الوجه البريء، ترتبك بينما تحكي حكايتها للمرة العاشرة، لضابط البوليس الجامد الملامح، التي في كل مرة تحكي فيها، تستدعي من جديد، نفس التجربة الشنيعة، ونفس الشعور المؤلم، مرّة بعد مرّة.

لأسبابٍ عدة، أهمها كون المغتصب لا يترك وراءه أي أثر، ويُجبر ضحيته على الاغتسال جيداً، ويأخذ معه كل ما لمسه من ملاءات أو أغطية، فلم يُصدّق أحدٌ ماري، لا والدتها بالتبنّي، ولا أصدقاؤها، ولا الشرطة، التي دفعتها في النهاية دفعاً إلى تغيير أقوالها وادّعاء الكذب بخصوص حادثة الاغتصاب التي تعرّضت لها، ثم تطورت الأحداث لاحقاً، فاتُّهمت ماري بتقديم بلاغٍ كاذب، وتم رفع دعوى قضائية ضدّها.

على الجانب الآخر، وفي عام 2011 في ولاية كولورادو، نتعرّف على المحقّقتين جريس روثمان (توني كوليت)، وكارين دوفال (ميريت ويفر)، اللتان تعملان سويّاً على قضية لمغتصبٍ، يقوم بسلسلة من الاعتداءات، على عددٍ من السيدات في أكثر من ولاية، وبطريقة احترافية للغاية.

عبر الكثير من الأحداث الشيّقة والتفاصيل التي تستدعي الاهتمام يتم الإمساك بالمجرم، الذي يحتفظ بصورٍ خاصة لجميع  ضحاياه، التي تظهر من بينها صورة ماري، كدليلٍ لا يُدحض، على صدقها فيما ادّعت، وتعرّضها الفعلي للاغتصاب، وبراءتها من البلاغ الكاذب.

Unbelievable من تحقيقٍ صحفي، لكتابٍ، لمسلسلٍ تلفزيوني ذائع الشهرة

في الواقع أنّ المسلسل مأخوذ عن التحقيق الصحفي الذي فاز بجائزة البوليتزر لعام 2016، الذي كتبه كل من الصحفيّين T. Christian  Miller و Ken Armstrong، وكان بعنوان "قصة لا تُصدّق عن الاغتصاب".

في هذا التقرير الصحفي، استطاع أرمسترونغ وميلر الربط ما بين حادثة ماري التي وقعت قبل ثلاث سنوات في واشنطن، وبين الكشف عن مُغتصب متسلسل في ولاية كولورادو، وكان ذلك في عام 2015.

بعدها قاما الثنائي بنشر كتاب بعنوان "بلاغ كاذب"، يقصّون فيه تفاصيل ما حدث بالكامل، ثم بدآ في تحويل هذا الكتاب إلى مسلسل تلفزيوني قصير، وشاركت معهم في الكتابة، وقامت بإخراج المسلسل مع مخرجين آخرين أيضاً، الكاتبة Susannah Grant، والتي من أشهر الأفلام التي قامت بتأليفها، فيلم   Erin Brockovich للنجمة جوليا روبرتس.

القصة الحقيقية لمسلسل Unbelievable

كما علمنا، فإن قصة مسلسل Unbelievable مأخوذة في الأصل عن أحداثٍ وقعت بالفعل، ولن تصدّق كمّ التفاصيل الحقيقية التي استخدمها كُتّاب المسلسل في صنعه، والتي أضافت له الكثير من المصداقية.

فمن خلال هذا المقال، نعرف أنّه بالفعل كانت إحدى والدات ماري بالتبنّي سبباً في إقناع المُحققين بكذب ماري في المرة الأولى، وأنّ واقعة شجار ماري مع إحدى البائعات، بسبب الملاءات التي كانت تريد شراءها حقيقية بالفعل. كما تم تغريم ماري بالفعل بقيمة 500 دولار عن البلاغ الكاذب.

أما عن واقعة اكتشاف المحققة دوفال أن حوادث الاغتصاب تكرّرت بنفس الشكل في أكثر من ولاية، بالصدفة، عن طريق زوجها الشرطي، فما هي إلا واقعة حقيقية حدثت بالفعل، وهي الصدفة التي كانت لها دور كبير في تعاون المحققتّين دوفال وروثمان في هذه القضية، وبالتالي في الكشف عن الجاني.

وبالفعل كان للمجرم أخ آخر، اعتُقدَ في البداية أنه هو الجاني، لكن عن طريق التحقيقات، وعلامة الميلاد "الوَحمَة" التي رأتها إحدى الناجيات على قدمه، تمّ توجيه التُّهم إليه، وبالمثل كانت علامة الميلاد أيضاً، حقيقية تماماً.

لماذا لم يُصدّق أحد حكاية ماري في Unbelievable؟

أجابت ماري عن هذا السؤال، حينما قالت:

"حين لا يهتمّون كفاية، وحين لا تكون الحقيقة مُلائمة، هم فقط لا يصدقون".

كان الأفضل للجميع أن تكون ماري كاذبة بخصوص واقعة الاغتصاب. الأفضل لوالدة ماري بالتبنّي التي رأت أنّها مُراهقة عانت الكثير قبلاً، وتودّ لفت الأنظار إليها فحسب. والأفضل للشرطة التي رأت أن الجاني المزعوم لم يترك أثراً خلفه، وبالتالي هي قضية معقدة تستدعي الكثير من العمل.

كان الأسوأ من تشكيك الشرطة في قصة ماري، والأسوأ من ظنّ والدتها بالتبنّي في كذبها، وإخبارها للشرطة بذلك، هو الشكّ الذي زرعه الشرطيّان، بداخل ماري نفسها، حتى لم تعد تعرف الحقيقة، فقبل حديث الشرطيّين معها كانت ماري واثقة تماماً ممّا حدث، وبعده لم تعد تعرف إن كان هذا حُلماً حلمت به، أو وهماً توّهمته، أو حقيقة حدثت بالفعل.

مسلسل Unbelievable حساسية التفاصيل وعظمة الحوار

سر نجاح هذا المسلسل هو الصدق، المُتمثل في شيئين: أولاً، التفاصيل الدقيقة التي اهتمّ بإبرازها صُنّاع المسلسل، وأهمّها كان في الانفعالات التي تظهر على وجوه الشخصيات، والتركيز على الجانب العاطفي والحسّي أكثر في الأداء. وثانياً، عظمة وعمق الحوار بين الشخصيات.

فمثلاً، يعقد المسلسل مُقارنة غير مُباشرة، بين سلوك الشرطيّين اللذين حقّقا في حادثة ماري أثناء التعامل معها، وبين سلوك الشرطيّتين روثمان ودوفال مع التعامل مع الناجيات من الاغتصاب. دقّق في المشهدين واستمع إلى نبرة الحوار، وانظر إلى الملامح جيداً، وسترى الفرق الذي لم يُصّرح به صراحةً في المسلسل.

ولا أعرف هل كان هنا مقصود توضيح الفرق بين رد فعل كل من الرجل والمرأة -رغم أنّ كليهما شرطيّان- في التعامل مع حوادث الاعتداء الجنسي، أم أنّها مجرد صدفة؟

التفاصيل ستراها في الوجوه أكثر، في وجه ماري الذي لم نره يضحك إلا قليلاً، لأنها فقدت الثقة بكل البشر، وستعرف حينها مدى تغلغل الشك بداخلها حتى عندما تم القبض عن المغتصب الذي يؤكد صدق روايتها.

وفي وجه آمبر (دانيل ماكدونالد) التي رغم محاولتها للابتسام والتماسك، فإن ملامحها المرتبكة كانت تُوحي بأن هذه المرأة على وشك الانهيار.

كما سترى في وجوه النّاجيات التي تغمرها الألم والصدمة الكثير ممّا لم يقلنه.

أيضاً كان لافتاً للنظر، رقّة الشرطيتين وبخاصة دوفال، التي كانت أكثر من رحيمة في التعامل مع الضحايا، ووعيها الممتاز بخطورة وتأثير الاغتصاب على من تعرّضن له.

كان من كلمات دوفال التي لا تُنسى: 

"هذا الشيء لا يتخطّاه المرء فحسب، بل يحمله معه إلى الأبد، كرصاصة في العمود الفقري".

"هذا الشخص، سرق منكِ شيئاً، لن تستعيديه أبداً".

هذه الكلمات السابقة تقودنا إلى العنصر الآخر في نجاح المسلسل، الحوار العظيم والمُلهِم للشخصيات. 

"نظرية المُغتصب بخصوص طبيعة البشر تقول إنّ كل رجل على هذه الأرض، إمّا أن يكون ذئباً، أو حيواناً أليفاً. الحيوانات الأليفة لا تؤذي النساء أو الأطفال، أمّا الذئاب فيفعلون ما يُريدون بمن يشاءون، بغض النظر عن العواقب".

ورغم كون هذه النظرية مُريعة لأغلب الناس الأسوياء، فإنه للأسف هناك من يتبنّاها، كمنهج له في الحياة.

"ما حدث لك ينبغي ألا يحدث مع أحد مجدداً أبداً، لا أحد يتهم ضحية سرقة بالكذب أبداً، لكن حين يتعلق الأمر بالاعتداء الجسدي…".

يقولها محامي ماري ثم يصمت، يصمت خجلاً مما يقوله، لأن الأمر في الواقع مؤسف بشكلٍ لا يتصوره أحد.

ويبقى الأمل في الإنسانية..

حينما نصل لنهاية المسلسل، سنرى ماري وهي على شاطئ البحر، تنظر إليه، وتتذكر أوقاتها الماضية السعيدة، حينما كانت طفلة تلهو وتضحك ولا تُبالي. 

بعدها نجدها تُهاتف المحققة دوفال، التي لم تلتقيها من قبل، وتقول لها:

"أهمّ من كونه قد اعتُقل، وأهمّ من المال الذي قد حصلت عليه، فإنّ معرفة ما قد فعلتموه أنتم هو ما غيّر كل شيء تماماً. أستطيع أن أستيقظ من نومي الآن، وأتصوّر أن هناك أشياءً جيدة تحدث في هذا العالم".

تعلّمت ماري الدرس الأهم في حياتها، وهو ألّا تثق بالنّاس، ولكنها في نفس الوقت، تعلّمت أنّ الأمل لا يموت فيهم أبداً. 

فحين خذلها الآخرون، وجدت آخرين ينتصرون لها، حتى ولو كانوا على بعد مئات الأميال، ولا يعرفونها حتى. 

حصلت ماري على تعويض بقيمة 150 ألف دولار، بعد ما كان قيمة التعويض الأول 500 دولار فحسب. كما استطاعت -وهو الشيء الأهم- أن تنتزع اعتذاراً من أحد الشرطيين اللذين تسبّبا في كل هذا الأذى لها.

"أتعلمين ما يحدث حينما تُقرّرين أنّك لن تأخذي ما تحصلين عليه حتى الآن؟ تحصلين على المزيد".

كانت هذه نصيحة أخيرة من محامي ماري، التي صار العالم الآن أمامها، تُواجهه بشجاعة ناجية، وأمل في غدٍ أكثر سعادة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سارة يوسف
دارسة للأدب الإنجليزي، ومهتمة بالفنون والسينما
أنا سارة يوسف، زوجة وأم، مُحبة للقراءة والسينما، درست الأدب الإنجليزي، وعملت في وظائف عدة، حتى توصّلت لشغفي الحقيقي وهو كتابة المقالات الفنّية والأدبية.
تحميل المزيد