أفلام الجريمة هي أحد أكثر أنواع الأفلام انتشاراً ونجاحاً، وهي جزء لا يتجزأ من تاريخ السينما ولغتها، لكن أي قائمة تستعرض الأقوى من هذه الأفلام، في الحقيقة لا تحوي إلا بعضاً منها، وبعض الأفلام الرائعة من هذا النوع تضل طريقها لهذه القوائم لسبب أو لآخر، ولا تصل إلى جمهور أوسع قد يعرف قدرها. وهذه القائمة محاولة منا لعرض بعض من هذه الأفلام الأقل مشاهدة أو شهرة، على أمل أن تتمكن من أن تجد مكانها المناسب في عالم أفلام الجريمة الثري.
10) فيلم A Hard Day إنتاج عام (2014)
ينتج الكوريون الجنوبيون الكثير من أفلام الجريمة الممتازة، لدرجة أن بعضها يخرج دون أن يلاحظه أحد من الجمهور العالمي، وهذا هو المصير الذي آل إليه فيلم A Hard Day، أحد أهم الأفلام المثيرة في هذه القائمة. ويفضل أن تشاهد هذا الفيلم وأنت لا تعرف سوى القليل عنه، ولذا يكفي أن نقول إنه يدور حول شرطي يواجه سلسلة متصاعدة من المشكلات تفسر عنوان الفيلم.
وفيلم A Hard Day ليس معقداً من ناحية التقنيات البصرية أو مركباً من حيث الموضوع مثل أفلام الجريمة الكورية الجنوبية المعروفة بدرجة أكبر، وهو ما يفسر محدودية حب النقاد له، والفيلم بالتأكيد من نوع أفلام الجريمة المباشرة أكثر من اللازم. على أنه لا يخلو من المهارة المثيرة للإعجاب، ولاسيما التخطيط المستمر الذي تتصاعد معه حدة الصراعات وتتحول العوامل التي تبدو تافهة ظاهرياً إلى عوامل مهمة في النهاية.
9) فيلم El Angel إنتاج عام (2018)
يروي فيلم "El Angel"، المستند إلى قصة حقيقية مشينة وقعت في الأرجنتين، قصة صبي مراهق بريء المظهر، يتحول هو وصديقه في المدرسة إلى مجرمين محترفين، يسرقان أي شيء يخطر ببالهما، ويقتلان أي شخص يعترض طريقهما، دون أدنى شعور بالندم أو الخوف.
وهذا جزء مما يجعل هذا الفيلم غريباً ومثيراً في عالم أفلام "جريمة المراهقين": ولا يمكنك أن تحب بطل الفيلم أو تتعاطف معه بأي حال، ولامبالاته الشديدة بضحاياه (فلا هو يستمتع بالقتل بطريقة الجنونية، ولا هو منزعج منه) تجعل منه رمزاً لقسوة الطبقة العليا أكثر منه مختلاً عقلياً. وهو أيضاً فيلم ممتع للغاية، ومليء بالأغاني الرائعة والألوان التي تجذب الأنظار.
8) فيلم The Guard إنتاج عام (2011)
يروي هذا الفيلم، الذي يقوم ببطولته برندان غليسون، أحد الممثلين المفضلين لعائلة ماكدونا، قصة ضابط شرطة أيرلندي يضطر مكرهاً إلى التعاون مع أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (دون تشيدل) للتحري عن عصابة لتهريب المخدرات.
لكن مكمن جاذبية فيلم "The Guard" هو أداء غليسون في دور عنوان الفيلم، الذي يتمكن من أن يظهر مرحاً وبغيضاً في الوقت نفسه، والذي يحوّل الحوار الذي يلحنه ماكدونا إلى غناء عذب.
7) فيلم Black Coal Thin Ice إنتاج عام (2014)
يبدأ الفيلم، الذي ألفه وأخرجه دياو يينان، أحد النجوم الصاعدين في عالم أفلام الجريمة، عام 1999، حين يُعثر على العديد من أعضاء بشرية في عدة مصانع فحم في مقاطعة هيلونغجيانغ ويُكلَّف بعض رجال الشرطة بالتحقيق في هذه القضية. وبعد أن ينتهي التحقيق نهاية مأساوية، يدور المحقق الرئيسي في حلقة مفرغة، وبعد سنوات، تسنح له الفرصة لاستيعاب كل ما حدث أخيراً حين تبدأ أدلة جديدة في الظهور في قضية مختلفة.
يستخدم يينان هذا الترتيب لاستكشاف العلاقات بين الشخصيات أكثر منه أساساً لتحقيق تقليدي، ويتجنب فيه كل الأفكار المكررة المعتادة في هذا النوع من الأفلام، من ضباط شرطة لا يلتزمون بالقواعد الجامدة إلى مشاهد استجواب يسودها التوتر. وتأتي التقلبات والاكتشافات في القصة في لحظات هادئة، كامتداد للعلاقة الأكبر في جوهر الفيلم.
6) فيلم The Clan إنتاج عام (2015)
فيلم الجريمة الأرجنتيني الآخر "المستند إلى أحداث حقيقية" (من إنتاج بيدرو ألمودوفار أيضاً)، The Clan عبارة عن فيلم سيرة ذاتية رائع وصادم عن عائلة بوتشيوس، وهي عائلة تبدو عادية من عائلات الطبقة المتوسطة، إلا أنها تنفذ عمليات خطف في فترة الثمانينيات.
يهتم كاتب ومخرج الفيلم الأرجنتيني الممتاز بابلو ترابيرو بطبيعته بالجوانب المثيرة التي تجعل كل قصص الجريمة الحقيقية شيقة في المقام الأول، لذلك فهو لا يبخل بالعنف والقسوة اللذين يميزان تصرفات شخصيات الفيلم. ولكن لأن ترابيرو فنان سياسي في الأساس، فهو يبحث أيضاً عن المعنى المتجذر في القصة، ويعرض جرائم عائلة بوتشيوس على أنها امتداد ونتيجة للديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين، التي كان الاختطاف ممارسة شائعة فيها. والأكثر من ذلك أن الفيلم عبارة عن اتهام لفشل الدولة في إنزال العقاب بالأشخاص الذين يقفون وراء النظام كما ينبغي، حيث بدأت عائلة بوتشيوس سلسلة جرائمها بعد أن عادت الأرجنتين بالفعل إلى الديمقراطية، لكنهم تمكنوا من الاستمرار لفترة طويلة في ممارسة جرائمهم دون عقاب لأن الضباط العسكريين السابقين لا يزالون يتمتعون بحماية ومعاملة خاصة من السلطات.
ولكن لا داعي للقلق: فليس من الضروري أن يكون المرء خبيراً في التاريخ الاجتماعي والسياسي لأمريكا اللاتينية ليعرف قيمة فيلم "The Clan"، وهذا لأنه مجرد فيلم إثارة رائع، يتميز بأداء رائع وتوتر وصراع يتميزان بدقة الصياغة، ويتوّجُهُ الأداء الرائع للممثلين.
5) فيلم Custody إنتاج عام (2017)
فيلم Custody اختيار غير اعتيادي لهذه القائمة، لأنه سيبدو للوهلة الأولى نوعك التقليدي المفضل من أفلام المهرجانات، بأسلوبه البصري الجامد، وتركيزه على الواقعية، وموضوعه الكئيب، ويروي قصة الأب المسيء الذي يصر على أن يكون جزءاً من حياة أبنائه، خلافاً لرغبتهم (ورغبة أمهم).
وهو أحد أكثر أفلام العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، التي تتسم بالتوتر والعنف، صعوبة وبراعة. وقد تبدو هذه العبارة مبالغة فارغة لمن لم يشاهدوا هذا الفيلم، ولكن لا يوجد الكثير من الأفلام التي أُنتجت في هذا العقد ويمكنها منافسة تطوره الجنوني المخيف، الذي أوصله المخرج خافيير ليغراند إلى درجة المثالية، ليصبح على مستوى متقن يصعب نسيانه.
4) فيلم The Whistlers إنتاج عام (2019)
يتوقع عشاق السينما عادة أفلاماً رائعة من رومانيا، الدولة التي تسودها موجة جديدة يلمع فيها نجم صناع أفلام موهوبين أمثال كريستي بويو وكريستيان مونغيو، وقدمت لنا بعض أكثر الأعمال الفنية طموحاً وصعوبة في القرن 21.
ولكن ما لا يتوقعه المرء عادة من الأفلام الرومانية فيلم جريمة ثري وممتع. لكن السينما مليئة بالمعجزات، وهذا بالضبط ما ظهر لنا في شكل فيلم "The Whistlers": وهو يروي قصة شرطي منحرف ينضم إلى عشيقة أحد المجرمين ورؤساء العصابات الذين يسيطرون عليه، ويتعلم لغة صفير في محاولة لإخراج المجرم من السجن واستعادة شنطة أموال ضاعت في صفقة فاشلة.
وكما جرت العادة الرائعة في أفلام الجريمة، تتكون الحبكة من شبكة معقدة مُشكَّلة ببراعة من الخيانات المزدوجة بين شخصيات الفيلم، ولكل منها دافعها الخاص الذي يتعارض بشكل مباشر مع أهدفها المعلنة. ومن الممتع أن نرى الطريقة التي يتكشف بها ذلك، وما يزيده إمتاعاً الإحساس العميق بوتيرة الفيلم وأناقة تصوير مشاهده.
3) فيلم Killing Them Softly إنتاج عام (2012)
فشل التعاون الثاني بين أندرو دومينيك وبراد بيت بعد الفيلم الكلاسيكي "The Assassination of Jesse James by the Coward Robert Ford" في أن يفوز ولو بقدر بسيط من الإشادة نفسها، إذ ظهر فيلم "Killing Them Softly" واختفى دون أن يحدث الكثير من الضجة، ولم يتلق مراجعات نقدية على نطاق واسع، وهو ما كان جديراً به.
وفيلم "Killing Them Softly" هدية لا غنى عنها لأي محب للأفلام يدرك قيمة السينما الأمريكية في السبعينيات، العصر الذهبي لأفلام الجريمة المثيرة الواقعية للكبار، مثل "Dog Day Afternoon" و"Serpico".
2) فيلم Dragged Across Concrete إنتاج عام (2018)
يرى البعض أن فيلم "Dragged Across Concrete" استفزاز جديد فارغ لصانع أفلام حديث السن يحب التجربة، ويرى البعض الآخر أنه تجديد متطور ناجح للأفلام التجارية الكلاسيكية التي يخرجها ستيفن كرايغ زاهلير.
وهذا الفيلم يضم ما يكفي من العناصر التي تدعم كلا الرأيين: فبغض النظر عن إنكاره ذلك في المقابلات التي تُجرى معه، يبدو جلياً أن زاهلير معادٍ قليلاً على الأقل للثقافة التقدمية في السينما السائدة، ولكن رغم ذلك تبدو أفلامه دائماً أكثر تركيزاً على الدسائس الواضحة الفجة أكثر من التعليقات السياسية. وهذا أفضل، لأن مناقشته أفكار سياسية ستكون سطحية في أفضل الأحوال، ولكنه، باعتباره مخرج أفلام تجارية، فلا مثيل له بين معاصريه.
ولم يُستخدم الحوار الأدبي، والوتيرة الهادئة، والاندفاعات المفاجئة الصادمة من العنف المفرط لإحداث تأثير أفضل في حياته المهنية أفضل مما فعل في هذا الفيلم المثير والقاسي.
1) فيلم Drug War إنتاج عام (2012)
نظراً لأن فيلم Drug War كان أول فيلم يصوره مخرج هونغ كونغ الشهير جوني تو في الصين نفسها، سادت بعض المخاوف بين محبيه إزاء إن كان هذا الفيلم سيرتقي إلى مستوى توقعاتهم، أو أن أسلوبه سيخضع لبعض الرقابة بسبب انتقاله الجغرافي وكل ما يترتب عليه ذلك. ولكن لحسن الحظ ثبت خطأ هذه المخاوف، إذ حافظ المخرج على براعته المعروف بها، والأكثر إثارة للدهشة، أنه رغم كل الإثارة التي ميزت أعماله السابقة، لا يدين فيلم "Drug War" بأي شيء لمشَاهد الحركة المبهرة في فيلم "Exiled" ولا للانتقادات الاجتماعية لفيلم "PTU".
ويعد هذا الفيلم أحد أكثر الأفلام شراً وقسوة في مسيرة تو المهنية، وهو مخرج معروف بتأكيده على الترابط بين الشخصيات وبتضمينه إشارات مهمة في الفترات الفاصلة بين اللقطات التي يصورها ببراعة. وفي المقابل لا يوجد متسع من الوقت في فيلم Drug War لمثل هذه الأمور: فهو مركَّز ودقيق في سرده. فلا يوجد إطار في غير مكانه، ولا لقطة دونما داع، ودقة الفيلم مذهلة حتى بالنسبة لمعايير تو نفسه.
وقد تدفعك هذه الفقرة الأخيرة للظن بأن هذا الفيلم يثير اهتمام الخبراء وحدهم الذين يدرسون لغة الأفلام، ولكن اطمئن، ففيلم Drug War يعد أيضاً واحداً من أعظم أفلام الحركة في القرن الحادي والعشرين، حيث يتميز بمشاهد حركة يمكنها منافسة أي فيلم سينمائي، بما في ذلك الدرس المبهر الذي أعطاه مايكل مان في فيلم "Heat".