سذاجة بيومي فؤاد ومبالغة آسر ياسين والأداء الأسوأ ليسرا.. هل فشل فيلم “صاحب المقام”؟

عدد القراءات
825
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/09 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/09 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
فيلم صاحب المقام

"مش مهم أنا مين، المهم أنا ليه"

جملة تبدو ذات معنى لأول وهلة، عن ضرورة الاهتمام بالأسباب لا الأشخاص، خصوصاً حينما تقال في معرض الحديث عن علامات ربانية في فيلم يمر بطله برحلة تغير حياته من عدم الاهتمام بمشاعر البشر ومصيرهم، إلى الإيمان الكامل بأن الدنيا لا تحكمها المادة، بل إن إرادة الله تتحقق في الكثير من الأحيان دون سابق إنذار. 

لكن المعنى يفقد الكثير من قيمته من خلال طريقة سرد هذه الجملة، السؤال الدائم في السينما ليس عن قيمة ما تقدمه من محتوى، بل عن الطريقة التي ستقدمه بها، يمكن كتابة مقال عظيم عن أثر الصوفية وما يصاحبه من تبرك بأهل البيت وأولياء الله الصالحين، لكن كيف تحوله لفيلم جيد؟ هذا هو السؤال الصعب الذي نطرحه اليوم على فيلم "صاحب المقام"، للكاتب المصري إبراهيم عيسى، والمخرج محمد العدل. 

الصوفية في مواجهة السلفية

لنبدأ بمحتوى الفيلم، والذي يبدو مثيراً للاهتمام دون شك، وهو ما ضمن له بنسبة كبيرة الاهتمام الجماهيري الكبير الذي حظي به الفيلم، الفيلم يدور في مجمله عن نزعة المصريين الصوفية، وهنا ينحاز الفيلم بشكل مكتمل للصوفية الشعبية إذا صحت هذه التسمية، وهي الممارسات الصوفية غير المرتبطة بتأصيل فكري، وهي الممارسات التي تحمل في داخلها الفكرة الرئيسية للصوفية وهي علاقة المحبة بين العبد وربه، لكنها في نفس الوقت لا تتخطى المظاهر الخاصة بالتبرك بالأضرحة والأولياء، ولا تصل للتأمل الأهم للصوفية ألا وهو التخلي عن المظاهر من أجل الجوهر، والتقبل والمحبة للجميع، للعصاة قبل الصالحين. 

رغم ذلك فالفيلم وفي بدايته يقدم صورة غاية في النمطية للسلفية، كونها خصماً مدفوع الأجر للصوفية، ولا يقضى وقتاً طويلاً ولا يبذل جهداً يذكر في شرح هذا الصراع وأسبابه، والنسخ المختلفة للدين بين السلفيين والصوفيين. 

هذا الصراع المفتعل لم يضف للفيلم شيئاً، بل على العكس أفقد فكرته الرئيسية بعض القوة، لأنك تراها في صراع فكري دون تأصيل فكري، وكأن كل شيء يحدث دون سبب، فقط بدافع المال.  

العدو الأول للواقعية 

هذه الصورة النمطية في تقديم السلفية في الفصل الأول من الفيلم، تبعها بالطبع كليشيهات وصور نمطية أخرى متتالية، نذكر منها على سبيل الذكر مظاهر وأزياء السلفيين أنفسهم، طريقة حديث يسرا أثناء تنقلها من مهنة لأخرى، من ممرضة لطبيبة لعاملة نظافة، وصولاً إلى مشهد الكنيسة والصديق المسيحي، كل هذه الصور النمطية تفقد الفيلم واقعيته، تجعلنا نشعر وكأننا نشاهد مجموعة اسكتشات أو رسوم كاريكاتورية، الأسوأ بلا شك هو شخصية التوأم التي قام بها بيومي فؤاد، شر كاريكاتوري، لدغة مصطنعة، ولا فرق واحد شكلياً بين الشقيقين، حتى جرح الوجه نتيجة حلاقة الذقن، كلاهما في نفس المكان. 

هذه التفاصيل الصغيرة هي ما تفرق بين عمل يلتزم  صناعه بعقد الإيهام المبرم مع الجمهور، وعمل يخبرك بشكل غير مبرر طوال الوقت أنه مصطنع وغير حقيقي.

يسرا وأسر يس 

الأداء التمثيلي في الفيلم جاء متفاوتاً، فعلى جانب جاءت الأدوار الرئيسية ضعيفة، أسر يس يبدأ الفيلم كشرير دون أي أسباب منطقية، يترك مسرحية مدرسية يقوم ابنه ببطولتها دون سبب حقيقي في مشهد كليشيهي هوليوودي لا يجمعه أي شيء بالسياق المصري. 

الضعف يستمر من خلال يسرا، التي يمكننا اعتبارها الاختيار التمثيلي الأسوأ في الفيلم، ولا ذنب ليسرا نفسها في ذلك ولكن في اختيار المؤلف والمخرج لها في دور لا يلائمها على الإطلاق، يضاف لذلك بالطبع الحوار الذي قامت يسرا بإلقائه والمكون من مجموعة من الجمل الكليشيهية التي لا تحمل أي معنى جدي، هكذا يتحول "مش مهم أنا مين، المهم أنا ليه" إلى نكتة يسخر منها جمهور السوشيال ميديا، وبالمثل معظم مشاهد يسرا في الفيلم. 

نصر وعبدالمغني 

الفنان الراحل إبراهيم نصر

على جانب آخر فالحسنة الوحيدة فنياً في تحول نص إبراهيم عيسى إلى فيلم، بالإضافة لموسيقى خالد الكمار المميزة، هو ظهور مجموعة من الممثلين الموهوبين في لحظات مضيئة في أدوار ثانوية، ونخص بالذكر الموهوب الراحل إبراهيم نصر، والموهوب قليل الحظ والفرص محمود عبدالمغني، في كلا الحالتين تعاون النص الجيد عن المصريين البسطاء المرتبطين بعلاقة محبة بالله، مع الأداء المتزن الواقعي، ليصنع أثراً وانطباعاً قوياً للغاية عند الجمهور. 

المثير للحسرة أن الحكايات المصرية الشعبية عن علاقة المصريين بربهم وبالأولياء في مصر تحوي كنزاً من المشاعر الإنسانية، لكن فيلم إبراهيم عيسى لم يتخل عن الكاريكاتورية إلا في لحظات معدودة، هي فرصة مهدرة دون شك، ومهدرة بشكل أكيد في حالة إبراهيم نصر الذي تستحق حكايته وشخصيته فيلماً كاملاً. 

بالعودة إلى موسيقى خالد الكمار فتجدر الإشارة إلى اختيار الكمار لجملة موسيقية مميزة للغاية تصاحب كل ظهور جديد لشخصية "روح"، هذه التيمة الموسيقية تشارك بشكل حقيقي في سرد الحكاية، وهو ما يغفله العديد من المؤلفين الموسيقيين المصريين، الذين يصنعون عادة موسيقى لا تعبر عن الصورة بأي شكل. 

سينما إبراهيم عيسى 

إبراهيم عيسى

يظهر السؤال المكرر إذن، لماذا انتقل إبراهيم عيسى إلى السينما، وهل سينماه تستحق المشاهدة والتحليل؟

إجابة السؤال الأول يمكننا الاستدلال عليها من الجدل والأحاديث والتريندات التي انتقلت على السوشيال ميديا عقب عرض الفيلم، السينما أكثر تأثيراً وأوسع انتشاراً دون شك من الكلمة المكتوبة، خصوصاً في العصر الحالي في مصر، الذي لم يعد فيه للصحافة دور يذكر، ولا نافذة للنقد ولا للتحليل وبالتأكيد دون أي مجال حقيقي للتفاعل مع الناس. 

حقق إبراهيم عيسى مكسباً كبيراً إذن من خلال التحول إلى السينما، عاد إلى دائرة الضوء، وعاد ليؤثر من جديد في أفكار المصريين ومشاعرهم. 

لكن هل هذه السينما تستحق المتابعة؟، هذا سؤال يتعلق بشكل كبير بالسياق الفني المصري حالياً، والذي يحتكره دون أي مبالغة شركة إنتاج واحدة مملوكة بشكل مباشر لأجهزة أمنية مصرية، هكذا إذن تصبح متابعة إنتاج إبراهيم عيسى السينمائي أمراً مهماً داخل هذا السياق، فهذا رجل يحمل أفكاراً شخصية ولا يصنع أفلاماً تعبوية أو دعائية بشكل مباشر.

إنتاج إبراهيم عيسى لا يمكن وضعه في نفس الخانة، لكن لأسباب سينمائية قبل كل شيء لا يمكن وضعه في خانة أفلام مخرجين مصريين على شاكلة محمد خان وداوود عبدالسيد وصولاً إلى تامر السعيد وأحمد عبدالله. 

أفلام العيد من المنزل 

العنصر المهم أيضاً في تحليل تجربة صاحب المقام، والتي قد تفسر أيضاً النجاح الجماهيري الذي حققه الفيلم، ونقصد هنا بالطبع نسب المشاهدة لا الأرباح المادية، لأن غالبية الجمهور قد شاهد الفيلم عبر مواقع غير مدفوعة، هو أن الفيلم قد أرخ لبداية مشاهدة فيلم العيد من المنزل، وهو الطقس الجديد كلياً على بيوت المصريين، الذين اعتادوا زيارة السينمات في كل عيد، لدرجة جعلت  إيرادات أفلام العيد في بعض الأحيان تتخطى إيرادات موسم الصيف مكتملاً. 

صاحب المقام أنتجه السبكي كواحد من الأفلام التي يصنفها السبكي في خانة الأفلام الجادة، وتم عرضه على منصة شاهد المدفوعة، ليتحول إلى تريند العيد الأول، التجربة نجحت دون شك، لكن ربما دون مكاسب حقيقية للمنصة التي اشترت حقوق عرض الفيلم. 

يمكن البناء دون شك على هذا النجاح في المستقبل، وخصوصاً في زمن ما بعد كورونا، لكن السؤال سيظل كيف تسوق فكرة المشاهدة المدفوعة للجمهور المصري، الجمهور غير المؤمن حتى اللحظة الحالية بالقنوات مدفوعة الأجر عبر التليفزيون.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حسام فهمي
طبيب وكاتب مهتم بالسينما
تحميل المزيد