في 17 ديسمبر/كانون الأول 2013، لا تنسى هوليوود يوم عُرض فيلم The Wolf of Wall Street من بطولة ليوناردو دي كابريو، جونا هيل ماثيو ماكونهي، مارغوت روبي، ومن إخراج مارتن سكورسيزي.
وتناول قصة حياة الملياردير الأميركي غوردان بيلفورت التي كتبها في مذكراته.
تحذير.. السطور المقبلة تتضمن حرقاً للأحداث!
قصة الفيلم.. البداية من شارع وول ستريت
في أول مشاهد الفيلم يظهر لنا غوردان بيلفورت، الذي أدى دوره ببراعة النجم ليوناردو دي كابريو، وهو يجوب شارع وول ستريت في مدينة نيويورك، مخترقاً عالم الاستثمار، وباحثاً عن الثراء، الذي ظلَّ يحلم به طوال حياته.
في أول خطواته بعالم البورصة عُين بيلفورت في شركة "إل إف روتشيلد" كموصل للمكالمات بين المستثمرين المحتملين.
وأثناء فترة تدربه التقى بيلفورت بالسمسار الأول في شركة روتشيلد مارك هانا، الذي أثر فيه كثيراً، وعلّمه أول دروس التعامل مع عالم البورصة.
فقد ارتكزت قواعد مارك في التعامل مع سوق الأوراق المالية على مفتاحين، أولهما البقاء مسترخياً، وثانياً تناول الكوكايين باستمرار، الذي من شأنه أن يبقي السمسار متيقظاً طوال الوقت ويساعد أصابعه على الاتصال بالأرقام بسهولة.
بدأ بيلفورت حياته المهنية كسمسار بورصة، يوم الإثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول 1987، أو ما يُطلق عليه "الإثنين الأسود".
فخلال هذا اليوم انخفض مؤشر البورصة بمقدار 508 نقاط في يوم واحد، وهو أكبر انهيار عرفته أسواق البورصة منذ أزمة 1929، وهو ما أدّى إلى إغلاق شركة روتشيلد في أول يوم عمل لبيلفورت.
بيلفورت يعمل في بيع الأسهم الرخيصة ثم يؤسس شركته الخاصة!
بعد أن أغلقت شركة روتشيلد أبوابها ظلَّ بيلفورت يبحث عن عمل لمدة طويلة، حتى وجد ضالته في شركة صغيرة تبيع أسهمها بمبالغ زهيدة للغاية.
ولكن عمولة السمسار كانت تصل إلى 50%، بسبب صعوبة بيع الأسهم، في الوقت الذي كانت فيه عمولة السمسار في بورصة وول ستريت لا تتعدى الـ1%.
استطاع بيلفورت بخبرته في البورصة التي علّمته طريقة التحكم في الزبائن، أن يبيع الأسهم الرخيصة، وهو ما أثار إعجاب مديره وزملائه بشدة.
أسس بيلفورت بعد ذلك شركته الخاصة مع داني بورش، الذي قام بدوره جونا هيل، وكانت سياسة الشركة ترتكز على بيع الأسهم الرخيصة تحت أسماء مضمونة.
ففي بداية عمله باع بيلفورت للزبائن أسهماً وهمية، ولكنها لأسماء مضمونة، مثل شركة كوداك للتصوير وشركة ديزني.
وقد استعان بيلفورت في شركته الجديدة بمجموعة من الأغبياء -على حد قوله- وهم: روبي فاينبرغ، الغبي الذي استغرق 5 أعوام ليكمل الدراسة الثانوية، وألدين كافربيرغ القندس، الذي لم يتخرج في المدرسة، وتشستير مينغ الصيني، ونيكي كاسكوف خريج كلية الفنون.
وبعد فترة من التدريب استطاع بيلفورت جعل هؤلاء الأغبياء من أمهر وأثرى سماسرة البورصة في وول ستريت.
إعادة تأسيس الشركة تحت اسم ستراتون أوكمونت
في بداية عمله كان بيلفورت يبيع أسهمه الوهمية للفقراء، وبالتالي كانوا يخسرون الكثير من أموالهم جراء شراء أسهم بيلفورت.
وبعدها قرَّر بيلفورت إعادة تكوين شركته من جديد تحت اسم "ستراتون أوكمونت"، وهي شركة تُعنى ببيع الأسهم الوهمية للأغنياء، حيث يقوم الوسطاء والسماسرة العاملون بالشركة بالاتصال بالعملاء، وإقناعهم بتأمين عوائد مرتفعة جداً مع مخاطر شبه معدومة.
ومن خلال العمل كان بيلفورت يسمح للموظفين بتناول المخدرات وممارسة الجنس أثناء العمل، حتى يُبقيهم متيقظين ومركزين على أعمالهم.
وفور كل عملية كبيرة كان يأتي بالعاهرات إلى المكتب من أجل مكافأة الموظفين.
بعد أن لمع نجم بيلفورت كسمسار بورصة في شارع وول ستريت، طلب مجلة Forbes إجراء مقابلة معه، حيث سألته الصحفية عن رؤيته لمستقبل شركة "ستراتون أوكمونت".
وحينها ردّ بيلفورت أن مستقبل الشركة يكمن في توظيف الأموال، وخلال هذا اللقاء الصحافي أطلقت فوربس على بيلفورت اسم "ذئب وول ستريت".
وهو الاسم الذي لم يعجب بيلفورت في البداية، ولكنه تأكد فيما بعد أنه وعلى الرغم من أن مقال فوربس قد أساء إليه عندما ذكر أن "بيلفورت مثل روبن هود المخادع يأخذ من الأغنياء ويعطي لنفسه ولعصابته السماسرة"، إلا أنه قد صنع منه نجماً.
ففي اليوم التالي لنشر المقال، جاء إلى بيلفورت مئات السماسرة الذين يودّن الالتحاق بالعمل لديه.
بيلفورت يدفع ثمن أفعاله غير القانونية
استمر بيلفورت في بيع الأسهم ثم تحول فيما بعد إلى الاكتتاب العام، وذلك حتى لا يظن سماسرة وول ستريت أن العاملين في شركته مجرد لصوص مبتدئين، وقد طرح بيلفورت للاكتتاب العام أسهم شركة ستيف مادن للأحذية النسائية، وفور افتتاح السهم كان يبلغ سعره 4.5 دولار، ووصل في منتصف اليوم إلى 18 دولاراً.
كان بيلفورت يقوم بالكثير من المخالفات غير القانونية، وخلال عام 1992 بدأت المباحث الفيدرالية فتح التحقيق حول دعوى احتيال مدينة رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC).
وقد توصلت لجنة الأوراق المالية إلى عقد صفقة مع بيلفورت، بموجبها يتوقف بيلفورت عن العمل في شركته، وكذلك العمل في الأوراق المالية.
وقد وافق بيلفورت على الصفقة في البداية، ولكنه رفض العرض في النهاية، لأنه وجد أن شركته هي بمثابة بيته.
في عام 1998 وُجهت إلى بيلفورت تهمة التآمر لارتكاب مخالفات أوراق مالية، وتهمتان بتزوير أوراق مالية، و21 تهمة غسيل أموال وتهمة بإعاقة العدالة، وكفالة قدرها 10 ملايين دولار.
في النهاية توصل بيلفورت إلى اتفاق مع مكتب التحقيق الفيدرالي، يقضي بالتعاون على تسليم المتورطين منه، وقد قضى بيلفورت 22 شهراً في السجن الفيدرالي.
وبعد أن قضى بيلفورت عقوبته غادر السجن وهو في سن الـ51، وبدأ عملاً جديداً كمدرب للمبيعات والتنمية البشرية.
جوردن بيلفورت الحقيقي.. كيف جرت الأحداث على أرض الواقع
بدأت أحداث فيلم The Wolf of Wall Street منذ أن عمل بيلفورت في سوق البورصة، ولكن ما لم يذكره الفيلم أنه عندما كان بيلفورت في 16 من عمره، كان يود الالتحاق بكلية طب الأسنان.
ومن أجل تلك الغاية عمل بائعاً للخبز والحلوى على شاطئ في لونغ آيلاند، ولكنه تراجع في اليوم الأول للدراسة.
كان أكثر فسقاً مما صوره الفيلم!
يحتوي فيلم The Wolf of Wall Street على الكثير من المشاهد المثيرة للجدل، مثل مشاهد الحياة البازخة التي يعيشها بيلفورت، التي تركزت على تناول الكوكايين والعقاقير المخدرة، وممارسة الجنس مع العاهرات بشكل مستمر.
وفي حديثه أثناء مقابلة نشرتها صحيفة The Guardian البريطانية مع مراسل هوليوود، ذكر بيلفورت أن حياته فيما يتعلق بالجنس والمخدرات كانت أكثر فسوقاً مما عُرض في الفيلم.
يبدأ فيلم The Wolf of Wall Street بمشهد يقوم فيه سماسرة شركة ستراتون برمي قزم على سبيل التسلية، وهو الأمر الذي ذكر بيلفورت أنه لم يحدث.
وبالنسبة لمشهد الموظفة التي قامت بحلق شعر رأسها بالكامل مقابل 10 آلاف دولار فقد حدث بالفعل، كما أن بيلفورت لم يكن يملك "شامبانزي" يتجول معه في المكتب كما صور الفيلم.
3 ملايين دولار أثناء ممارسة الجنس!
في إحدى المرات مارس بيلفورت الجنس مع زوجته نادين، وفرش تحتهما أموالاً وصلت إلى 3 ملايين دولار، حيث شكَّل بها مرتبة للسرير.
وكان بيلفورت يتشاجر مع زوجته دائماً، لكنه لم يضربها في معدتها كما صوّر آخر مشاهد الفيلم.
كما أن بيلفورت تعاون مع المباحث الفيدرالية FBI بكل سهولة، ووشى بجميع زملائه، حتى يقلل من فترة عقوبته، وعليه فهو لم يقرر التستر على زملائه كما ظهر في الفيلم.
مجلة Forbes لم تطلق على بيلفورت لقب "ذئب وول ستريت"، وإنما أطلق بيلفورت هذا الاسم على نفسه.
وعندما كان يقضي "رجل الأعمال" عقوبته في السجن الفيدرالي، شارك زنزانته مع الممثل الكوميدي تومي تشونغ، الذي كان يقضي حكماً بالسجن لمدة 9 أشهر، لبيعه أدوات خاصة بالمخدرات.
وهو الذي أقنعه بكتابة قصته الخاصة، وبالفعل بدأ في كتابة مخطوطته أثناء السجن، وفي العام 2006 باع بيلفورت قصته لدار Random مقابل مليون دولار.
30 ألف دولار مقابل محاضرة واحدة حول التنمية البشرية
رغم خسارته للكثير من الأموال بعد القبض عليه – إذ دفع بيلفورت بعد خروجه من السجن أكثر من 110 ملايين دولار للمحاكم الفيدرالية -، فإنه وجد طريقاً آخر لجني الأموال، وذلك من خلال محاضراته التي يلقيها حول التعافي من الأزمات والتنمية البشرية وريادة التسويق وإدارة المبيعات.
حيث يتقاضى بيلفورت حوالي 30 ألف دولار على المحاضرة الواحدة، في نفس الوقت الذي تخطت فيه مبيعات كتابه The Wolf of Wall Street حاجز الـ 400 مليون دولار في جميع أنحاء العالم.
يُذكر أن فيلم The Wolf of Wall Street فاز بعدة جوائز؛ منها جائزة غولدن غلوب لأفضل ممثل رئيسي، التي حصل عليها النجم ليوناردو دي كابريو.
وجائزة MTV للأفلام عن أفضل أداء كوميدي، وفاز بها الممثل جونا هيل، وقد رُشح كابريو لجائزة الأوسكار أيضاً عن دوره بهذا الفيلم، لكنه لم ينلها.