في قرار مثير للجدل يربط بين التطعيم والإصابة بالتوحّد، يخطط مهرجان تريبيكا السينمائي لعرض فيلم لطبيب سابق تسبب بحثه في انتشار تحذير عالمي كبير حول المشكلة.
الفيلم يحمل اسم "الملقَّح: من التستر إلى الكارثة Vaxxed: From Cover-Up to Catastrophe"، وقد أخرجه وشارك في كتابته أندرو واكفيلد، وهو ناشط ضد التطعيم ومؤلف لدراسة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية The Lancet عام 1998، إلا أنها تم سحبها في عام 2010.
بالإضافة إلى سحب الدراسة، التي تضمنت 12 طفلاً، قام المجلس الطبي البريطاني العام بسحب الرخصة الخاصة لواكفيلد لممارسة الطب، وقام المجلس بتوجيه اتهام للدراسة بوجود انتهاكات أخلاقية وأنها فشلت في تفسير بعد التضاربات المالية التي تخصها، وفقاً لمقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، السبت 26 مارس/آذار 2016.
وعلى الموقع الإلكتروني للمهرجان، لم تذكر صفحة السيرة الذاتية لواكفيلد أنه قد جُرِّد من رخصته لممارسة الطب، أو أنه تم سحب دراسته في مجلة Lancet الطبية، بل ذكر الموقع أن الدراسة جعلت من واكفيلد أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ الطب، على حد وصف الموقع.
دي نيرو يدعم الفيلم
يوم الجمعة الماضي، صرَّح الممثل العالمي روبرت دي نيرو، وهو أحد مؤسسي المهرجان، في بيان نشره مروجو المهرجان، بأنه يدعم عرض الفيلم الشهر القادم، على الرغم من أنه قال: "أنا لا أؤيد الفيلم بشكل شخصي"، وأنه ليس ضد التطعيم، في حين كانت تصريحات دي نيرو هي الأولى من نوعها التي يدعم فيها عرض فيلم محدد في المهرجان.
يقول دي نيرو في تصريحه: "أنا وجريس لدنيا طفل مُصاب بالتوحّد"، مشيراً إلى زوجته جريس هايتاور، وأضاف: "نحن نؤمن بأنه من المهم للغاية أن تتم مناقشة ودراسة جميع الأسباب التي تؤدي إلى التوحّد بشكل مفتوح. من بداية تأسيس مهرجان تريبيكا منذ 15 عاماً، لم أطلب أن يتم عرض فيلم معين ولم أشارك في هذا الأمر، إلا أن الموضوع هذه المرة يمسّني شخصياً وعائلتي، وأنا أريد أن يكون الموضوع محل نقاش، ولهذا السبب سنقوم بعرض الفيلم".
وفي غضون ساعات قليلة من كتابة هذه التصريحات على صفحته على موقع فيسبوك، ظهرت آلاف التعليقات حول الموضوع.
في الدعاية الخاصة بالفيلم، التي تسيطر عليها الموسيقى الدرامية، يبدأ الإعلان بكلمات تقول: "هل أطفالك في أمان؟"، مع خلفية سوداء وبعض الأبخرة التي تخرج من حقنة، وذكر الإعلان أن أي بحث حول مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها سيظهر تلاعب المنظمة، وأنهم كانوا على علم بأن اللقاحات تسبب التوحد بالفعل. ويقول واكفيلد خلال الإعلان: "كان مركز مكافحة الأمراض على علم جيداً بعلاقة لقاحات M.M.R. بخطر الإصابة بالتوحد".
تشير كلمة M.M.R. إلى لقاحات ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، يحصل عليها الأطفال من عمر 12 إلى 15 شهراً، وكانت الكثير من الأدلة العلمية قد أكدت أكثر من مرة أن تلك اللقاحات آمنة وفعالة للغاية ولا علاقة لها بالتوحد.
وفي السنوات الأخيرة، ظهر العديد من حالات الإصابة بالحصبة، حين لم يقم الآباء في أغلب تلك الحالات بتطعيم أطفالهم. لذلك، تسبب قرار عرض الفيلم في غضب الكثير من الأطباء وخبراء الأمراض المعدية، وحتى بعض المخرجين الآخرين.
تقول ماري جاكسون، أستاذة طب الأطفال بجامعة ميسوري: "إذا كان مهرجان تريبيكا لا ينوي كشف الوجه الحقيقي لأندرو واكفيلد، سيكون الأمر فصلاً جديداً من فصول عمليات الاحتيال العلمي الذي يجذب الأضواء على حساب أمر هام كدرجة أمان ونجاح التطعيمات".
رسالة مفتوحة لمنظمي المهرجان
المخرجة الوثائقية بيني لين، قامت بنشر رسالة مفتوحة، الخميس الماضي، إلى منظمي المهرجان في مجلة Filmmaker Magazine ذكرت فيها أن وجود الفيلم ضمن قائمة الأفلام الوثائقية التي سيتم عرضها ليس فقط تهديداً لمصداقية المخرجين الآخرين المشاركين في نفس الفئة، بل تهديد لمصداقية مجال الأفلام الوثائقية بالكامل.
وأضافت أن غياب الجانب الأخلاقي وعدم المصداقية في فيلم وثائقي هو أمر غير مريح على الإطلاق، حيث تقول: "هذا الفيلم ليس عبارة عن تحقيق نزيه في قضية علاقة التطعيمات بمرض التوحد، بل هو فيلم من إخراج الشخص الذي اخترع هذه الكذبة الكبرى من الأساس".
ويقول ويليام شافنر، أستاذ الطب الوقائي بجامعة فاندربيلت الأميركية، إن قرار عرض الفيلم محزن للغاية؛ لأن مهرجان تريبيكا يحظى باهتمام عالمي، ويضيف: "الأشخاص المسؤولون عن المهرجان هم أشخاص مرموقون للغاية ويستطيعون جذب الكثير من جمهور المثقفين، وقد ذكروا ضمنياً أنهم يؤمنون بوجود رسالة وراء الفيلم، ورسالة واكفيلد شخصياً".
ويواصل شافنر حديثه قائلاً: "نود أن نطمئن جميع الآباء والأطفال وأي شخص التفت إلى هذه المشكلة إلى أن التطعيمات آمنة للغاية وفعالة، وهي بالتأكيد وبشكل قاطع لا تسبب التوحد، كما أن واكفيلد شخص مخادع ومحتال، وقد تم سحب رخصة ممارسته للمهنة بسبب هذا".
وطبقاً لموقع المهرجان، سيتم عرض الفيلم مرة واحدة فقط يوم 24 أبريل/نيسان القادم، وهو اليوم الختامي للمهرجان.
– هذه المادة مترجمة بتصرف عن صحيفة New York Times الأمريكية.