الخوف من الحميمية والتقارب، الذي يشار إليه أحياناً بتجنب التقارب أو قلق التجنُّب، هو حالة من الخوف من المشاركة والانخراط بعُمق في علاقة عاطفية وثيقة. وهي من أبرز الاضطرابات النفسية التي تهدد العلاقات وقد تؤول بالزواج إلى نهايته.
وعادة لا يرغب الأشخاص الذين يعانون من هذا الخوف في تجنب العلاقة الحميمية من حيث المبدأ، بل قد يتوقون إلى التقارب والاستسلام لمشاعرهم، لكنهم غالباً ما يدفعون الآخرين بعيداً أو حتى يخرِّبون العلاقات بشكل متعمَّد بسبب مخاوفهم.
ويمكن أن ينبع الخوف من العلاقة والقلق من الحميمة والتقارُب من عدة أسباب، بما في ذلك بعض تجارب الطفولة المؤلمة مثل التعرُّض لسوء المعاملة أو الإهمال المستمر.
قد يستغرق التغلُّب على هذا النوع من المخاوف النفسية والقلق وقتاً طويلاً، وذلك نظراً لضرورة استكشاف وفهم القضايا المساهمة في حدوثه من الأساس، وممارسة السماح والعفو بشكل يفوق نسبة الضعف التي يعانيها الشخص.
ولكن ما هي الحميمية وكيف يكون التقارب الصحي في العلاقات؟
يلفت موقع Very Well Mind للصحة النفسية إلى أن العلاقة الحميمية هي القدرة على مشاركة ذاتك الحقيقية مع شخص آخر، والتعلُّق بتجربة التقارب والاتصال معه. ويحدد البعض أنواعاً مختلفة من الحميمة والتقارب، وهي:
- الحميمية والتقارب الفكري: القدرة على مشاركة أفكارك مع الآخر بوضوح وصدق.
- الحميمية والتقارب العاطفي: القدرة على مشاركة أعمق مشاعرك مع شخص آخر من دون خوف أو تصنُّع.
- التقارب الجنسي: القدرة على مشاركة نفسك جسدياً مع الآخر دون الشعور بالتحفُّظ.
- التقارب والحميمية التجريبية: وهي القدرة على تبادل الخبرات مع الآخر بصدق وشفافية.
- التقارب والحميمية الروحية: القدرة على مشاركة معتقداتك خارج نطاق نفسك، بقوة وثقة وأريحية مع الآخرين والعالم.
جدير بالذكر أن الخوف من العلاقة الحميمية قد ينطوي على واحد أو أكثر من هذه الأنواع بدرجات مختلفة.
ما هو الخوف من العلاقة الحميمية؟
الخوف من العلاقة الحميمية يختلف عن الخوف بشكل عام، على الرغم من أن الاثنين يمكن أن يكونا متشابكين ومتشابهين بشكل وثيق.
إذ قد يكون الشخص الذي يعيش مع خوف من الحميمية والتقارب مرتاحاً لأن يصبح ضعيفاً ويظهر نفسه الحقيقي للعالم في البداية، ولكن غالباً ما تكون هناك حدود لمدى قدرته على الاستلام في علاقته، لذلك قد تبدأ علاماته في الظهور بعد أشهر وحتى سنوات من الزواج مثلاً.
وبالنسبة لشخص يخشى العلاقة الوثيقة والتقارب والحميمية، تبدأ المشكلة في العادة عندما يجد الشخص أن علاقته بشريك حياته أصبحت "عميقة جداً".
أسباب الخوف من التقارب والحميمية
ومن أبرز أسباب هذا الاضطراب هي المخاوف من الهجر والخسارة، وهذا في صميم الخوف من العلاقات الحميمية عند كثير من الناس، بحسب Very Well Mind.
وعلى الرغم من أن المخاوف تختلف عن بعضها البعض بحسب كل شخص، فإن خوف التقارب يتسبب في سلوكيات تجذب الشريك ثم تدفعه بعيداً مرة أخرى بالتناوب.
وتتجذر هذه المخاوف بشكل عام في تجارب الطفولة المؤلمة، لكنها تتكشف خلال العلاقات المتطورة بين البالغين، مما يؤدي إلى الارتباك والتوتر عند المصاب. كما يمكن أيضاً ربط الخوف من الحميمية بالمعاناة من اضطرابات القلق والتوتر والاكتئاب.
وبحسب موقع Readers Digest، هناك العديد من الأسباب الأخرى، وهي:
1- الشعور المتواصل بالغضب: من علامات نوبات الغضب غير المبررة والمتكررة هي معاناة الشخص من عدم النضج النفسي والعاطفي، ولا يستطيع الأشخاص غير الناضجين الإبقاء على علاقاتهم لذلك لا يتمكنون من التقارب مع الطرف الآخر.
2- الخوف من ألا تكون مثالياً وتعاني من مشاكل الثقة في النفس: الخوف من أن تبدو ضعيفاً وهشاً ومحتاجاً للحب والثقة أمام الطرف الآخر هو مشكلة تمنع المصابين بها من الاستسلام والثقة للانخراط بشكل حميم مع الآخر.
3- أنت متزوج من عملك: إحدى أبرز علامات الخوف من التقارب والحميمية أن يستعيض الشخص عن علاقته العاطفية بزوجه من خلال الانخراط التام في الجانب الوظيفي العملي لحياته، وذلك بمثابة الهرب من المواجهة.
ويضيف موقع Healthline أن التعرُّض لبعض التجارب المؤلمة من شأنه تعزيز هذا النوع من المخاوف، وتشمل:
- التعرُّض للإساءة اللفظية أو الجسدية السابقة.
- التعرُّض للإهمال المستمر من قِبَل الوالدين.
- قضايا الانفصال التي تنطوي على الاعتماد المفرط على الوالدين والأسرة.
- الخوف من سيطرة الآخرين أو فقدان الذات في العلاقة.
علامات وأعراض الخوف من الحميمية والتقارب
نقلاً عن موقع Better Help للاستشارات والصحة النفسية، نستعرض أبرز العلامات التي عليك ملاحظتها إذا كنت تشك أن لديك أنت أو شريك حياتك خوفاً من العلاقات الوثيقة والتقارب والحميمية:
- الخوف من العلاقات طويلة الأمد، مثلاً عند الاستعداد للزواج خلال فترة الخطوبة، وقطعها قبل الوصول إلى تلك النقطة المحورية.
- الخوف من كشف المشاعر العميقة والابتعاد عن مثل هذه المشاعر باستماتة.
- تجنُّب المحادثات الجادة عن طريق إلقاء النكات حول موضوع جاد لتحاشيه.
- عدم الراحة عند التعبير عن المشاعر أو الاستماع إلى مشاعر الطرف الآخر.
- عدم التواصل والوضوح خلال العلاقة.
- عدم مشاركة أهدافك وأحلامك الشخصية مع الطرف الآخر.
- عدم الرغبة في معرفة مشاعر شريكك وعواطفه وما إلى ذلك.
- مواجهة صعوبات في الوثوق بشريكك في أي شيء، خاصة النقاط المهمة.
- عدم السماح لنفسك بأن تكون عفوياً مع شريك حياتك، سواءً كان عاطفياً أو جسدياً.
- تجنُّب الكشف عن التجارب السابقة والتجارب المؤلمة خلال الطفولة والمراهقة.
- عدم إظهار الاهتمام بشريكك عندما يكون متوتراً أو عاطفياً.
- عدم القدرة على التحدث بعقلانية وعاطفية مع زوجك.
كيف يؤثر هذا النوع من الخوف على العلاقات؟
في حين أنه من الممكن البقاء على قيد الحياة بدون حميمية مع الأشخاص المقربين، فإن معظم الناس يتوقون إلى هذا النوع من الثقة والتقارب، لأنه بدونه تتضاءل قيمة العلاقات بشكل جذري، بل وحتى قد يكون محتوماً عليها الفشل أحياناً.
ويمكن أن يكون للخوف من التقارب والحميمية تأثير كبير على حياتك، إذ تُظهر الأبحاث أن اضطرابات القلق يمكن أن تؤثر سلباً على جودة علاقة الزوجين بالكامل. وفيما يلي بعض تبعات الخوف من الحميمية على الزواج والعلاقات بحسب Better Help:
انعدام الرغبة الحميمية
ليس من السهل الإبقاء على استمرارية العلاقة الزوجية عندما لا يكون هناك تفاعل جسدي بين الطرفين. خاصة عندما يريد أحد الطرفين التقارب، ويرفضه الآخر لمبرر أو لآخر.
وتتسبب تلك الحالة في مشاكل كبيرة ومتعددة أبرزها الغضب والجفاء وعدم الصقة، وقد تفضي في نهاية المطاف إلى الطلاق.
الشعور بالوحدة والعزلة
الشعور بالوحدة والعزلة يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب الحاد.
إذا كنت تمتنع عن التقارب العاطفي والحميمية والتواصل مع شريك حياتك، ولا تستطيع مشاركة مشاعرك معه، فستبدأ في الشعور بالوحدة في نهاية المطاف، بالإضافة إلى شعور شريكك أيضاً بالوحدة.
ويمكن للخوف من العلاقة الحميمية أيضاً أن يدفع شريك حياتك بعيداً، وهو الأمر الذي يمتلك تأثيرات سلبية على العلاقات، وقد يكون خطيراً بشكل يهدد استمراريتها من الأساس.
ومن بين التأثيرات الأخرى أيضاً وفقاً لموقع Healthline، ما يلي:
- العزلة الاجتماعية وتجنُّب العلاقات المشتركة.
- خطر أكبر للإصابة بالاكتئاب والإدمان.
- تخريب العلاقات من خلال الضغط عليها والإفراط في نقد الطرف الآخر.
نصائح للتغلب على الخوف من العلاقة الحميمية وفقاً لموقع Well & Good:
الاعتراف بالمشكلة
من الأفضل أن يبدأ المصاب بالتأمُّل الداخلي، الأمر الذي قد يبدو عكسياً، لكنك حينها لن تكون قادراً على الوثوق بشخص آخر ما لم تفهم ما يحدث بداخلك.
هل تعرضت للأذى سابقاً؟ هل تم رفضك أو التخلي عنك؟ سيساعدك التعرف على أماكن إصابتك بالأذى على فهم سبب كونك بعيداً عن أولئك الذين يريدون أن يكونوا قريبين منك.
عندما تحدد أين ومتى بدأ قلقك بشأن التقارب والحميمية، قد يكون من المفيد أيضاً تخيُّل القرارات التي قد تتخذها بشكل مختلف إذا لم يكن هذا الخوف يقع بثقله على كتفيك.
وبدلاً من التفكير أنك "لست محبوباً" وقلت " أنا محبوب" أو "أنا أستحق الحب"، يمكن أن يساعدك ذلك على فهم القرارات السابقة وإعادة تنظيم مسارك.
وعلى الرغم من أنه يتعين عليك النظر إلى الداخل للإقرار بخوفك، فإن هذه الخطوة لا يجب أن تكون مَهمَّة فردية. يمكنك أيضاً أن تتعلم كيف تكون هشاً وصادقاً مع أخصائي علاج نفسي متخصص.
مصارحة شريك حياتك بالمشكلة
أن تكون قادراً على إخبار شريكك بأن الخوف من التقارب والحميمية هو الشيء الذي تعانيه وأن برودك أو بُعدك لا علاقة لهما به أو بقيمته عندك، يمكن أن يكون ذلك مفيداً للغاية.
كما يمكن أن يساعد هذا الوضوح شريكك في عدم الشعور بالعزلة واكتساب الوعي والفهم عندما تتجنب الحميمة والقرب منه. وبالطبع، من المحتمل أنهم يتعاملون مع خوف مشابه – لذلك مع مشاركة المشكلة، سيخطو كلاكما الخطوة الأولى نحو مزيد من الجودة في العلاقة والقرب بينكما.
اقضِ المزيد من الوقت المنفرد مع زوجك/زوجتك
إذا كان لديكم أطفال، حاول ترتيب الحصول على مساعدة أو جليسة أطفال لرعاية أطفالك لبضع ساعات. ثم اقض هذا الوقت مع شريك حياتك.
إذا كنت تعمل أنت وزوجك وفقاً لجدول زمني مختلف، فحاولا أن تأخذا بعض الوقت أو الإجازة وتمرَّنا على قضاء وقتٍ مشترك.
وسيساعدك قضاء المزيد من الوقت مع بعضكما البعض في كسر المخاوف.
قم بتقدير نفسك
تأتي جميع العلاقات بدرجة من عدم اليقين. والعديد من العلاقات الزوجية تستحق أن تحدث، حتى وإن لم يكن مقدراً لها أن تدوم إلى الأبد.
لذلك من المهم تقدير نفسك بغض النظر عن العلاقة، فأنت لست مثالياً، كما أنه لا يوجد أي شريك حياة مثالي.
إذا أنهى شخص ما علاقته بك، فإن هذا لا يعبِّر من قريب أو بعيد عن قيمتك كشخص.
عندما يكون شريك حياتك هو المصاب بالخوف من التقارب والحميمية
إذا كان شريكك هو الشخص الذي يخشى العلاقة، فابقَ على اتصال مفتوح معه. دعه يعرف أنك متاح للاستماع والمساعدة، ولكن لا تدفعهم للكشف عن مصدر مخاوفه قبل الأوان، لأن ذلك قد يكون مؤلماً جداً ويؤدي لنتائج عكسية.
كما يمكنك دعمه بالبحث عن العلاج معاً. فقد اسأل عما يمكنك فعله لمساعدته على الشعور بالأمان والثقة في العلاقة.
وقبل كل شيء، يجب أن تتحلى بالصبر، لأن تعلم التأقلم يستغرق وقتاً. وهذا ليس بالأمر السهل، لذا ضع في اعتبارك أن خوفه هذا لا يتعلق بك أبداً.