شكَّلت صدمة في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين.. قصة “مجزرة صبرا وشاتيلا” أفظع جرائم إسرائيل في لبنان

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/15 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/15 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش
مجزرة صبرا وشاتيلا/ التواصل الاجتماعي

عبر التاريخ ارتكب الاحتلال الإسرائيلي العديد من المجازر في حق الفلسطينيين، لكن كانت هناك مجزرة لا تزال تُذكر إلى اليوم رغم مرور 41 سنة عليها، والتي راح ضحيتها العديد من الأبرياء خلال أيام فقط.

ففي عام 1982، شهد مخيم صبرا وشاتيلا للّاجئين الفلسطينيين في لبنان حادثة قتل جماعية هائلة، استمرت لثلاثة أيام متتالية ما بين 16 و18 من سبتمبر/أيلول. راح ضحيتها مئات الأفراد. تُعدّ مجزرة صبرا وشاتيلا واحدة من أبشع الأحداث التي هزّت العقول، ولا تزال آثارها محفورة في ذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين إلى اليوم.

اتهمت ميليشيات لبنانية بارتكاب أعمال القتل، حيث اقتحمت المخيم بعد يومين فقط من اغتيال قائد "القوات اللبنانية"، الذي كان قد انتُخب رئيساً للجمهورية، بشير الجميّل. يظل هذا الحدث الأليم خطوطاً حمراء في تاريخ المنطقة.

ما هي مجزرة صبرا وشاتيلا؟ 

مجزرة صبرا وشاتيلا وقعت في 16 سبتمبر/أيلول 1982، كانت حادثة دموية هزّت العالم. استمرت المجزرة لثلاثة أيام في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، حيث نُفِّذت على يد مجموعات لبنانية متحالفة مع حزب الكتائب اللبناني، وجيش لبنان الجنوبي، والجيش الإسرائيلي.

صبرا، هو اسم حي يتبع إدارياً بلدية الغبيري في محافظة جبل لبنان. يحده من الشمال مدينة بيروت، ومن الغرب المدينة الرياضية، ومدافن الشهداء من الشرق، ومخيم شاتيلا من الجنوب. يتسم مخيم صبرا بأنه مأهول بنسبة كبيرة من الفلسطينيين، ورغم ذلك، لا يُعتبر مخيماً رسمياً للاجئين، على عكس مخيم شاتيلا الذي أُنشئ سنة 1949 عن طريق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. تأسس مخيم شاتيلا لإيواء المئات الذين هربوا من قرى شمال فلسطين بعد نكبة 1948.

<strong>ما هي مجزرة صبرا وشاتيلا؟ </strong>/ التواصل الاجتماعي
ما هي مجزرة صبرا وشاتيلا؟ / التواصل الاجتماعي

تتفاوت التقديرات حول عدد الشهداء في هذه المجزرة، إذ يتراوح بين 750 و3500 شخص، من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين، أغلبهم من الفلسطينيين، بالإضافة إلى ضحايا لبنانيين أيضاً. في ذلك الوقت، كان المخيم محاصراً تماماً من قِبَل جيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي بقيادة أرييل شارون ورفائيل إيتان، بينما كانت قيادة القوات اللبنانية تحت إمرة إيلي حبيقة.

القوات اللبنانية دخلت المخيم ونفذت المجزرة باستخدام الأسلحة البيضاء ووسائل أخرى لقتل سكان المخيم. كانت مهمة الجيش الإسرائيلي هي محاصرة المخيم وإضاءته ليلاً بالقنابل المضيئة، ما عزله عن العالم الخارجي، وسهَّل ذلك مهمة القوات اللبنانية وأتاح قتل الفلسطينيين دون خسائر تذكر.

ما قبل مجزرة صبرا وشاتيلا 

في صيف عام 1982، استفادت إسرائيل من محاولة اغتيال سفيرها في إنجلترا "شلومو آرغوف" لشن حملة قصف مكثفة على مواقع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. أعقب ذلك اجتياح بري ضخم، حيث حوصرت بيروت الغربية وشهدت اشتباكات دامت شهرين بين القوات الفلسطينية والقوات الإسرائيلية والقوى الوطنية اللبنانية.

انتهى الصراع باتفاق يُلزم المقاومة الفلسطينية بمغادرة لبنان، وبعد ظهر 14 سبتمبر/أيلول 1982، دوّى انفجار ضخم هز أركان بيروت، ليتبين أنه استهدف قائد ميليشيا الكتائب اللبنانية بشير الجميل عندما كان يخطب في زملائه أعضاء الحزب، ما أسفر عن مقتل بشير و26 آخرين من أعضاء الحزب.

<strong>ما قبل مجزرة صبرا وشاتيلا </strong>/ التواصل الاجتماعي
ما قبل مجزرة صبرا وشاتيلا / التواصل الاجتماعي

تلت هذه العملية مأساة معروفة باسم "مجزرة صبرا وشاتيلا" في سبتمبر/أيلول 1982. وهو هجوم على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تم تحت ذريعة البحث عن مسلحين، ولكنه أسفر عن استشهاد عشرات الأبرياء. تشير بعض التقارير إلى دور أرييل شارون في إشرافه على هذه المجزرة.

تأتي هذه الأحداث بعد اتفاق فيليب حبيب الذي نص على وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. تجاوزت إسرائيل هذا الاتفاق مع انتهاكها للحصار على بيروت، وهو ما أدى إلى تفاقم الصراع وحدوث المجازر في لبنان.

أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا 

في ليلة الظلام التي شهدها يوم 16 سبتمبر/أيلول 1982، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلية والمجموعات الانعزالية، بما في ذلك مقاتلو القوات اللبنانية وجيش لبنان الجنوبي، تقدمها عبر الأزقة الجنوبية الغربية نحو مخيم صبرا وشاتيلا، المجاور لمستشفى عكا في منطقة تُعرف باسم "الحرش". انتشرت هذه القوات في كل شوارع المخيم، حيث استولوا عليها بالكامل.

على مدى ثلاثة أيام مظلمة، أي إلى ليلة 18 سبتمبر/أيلول، ارتكبت المجموعات الانعزالية وجنود الاحتلال الإسرائيلي مجازر بشعة ضد سكان المخيم العزل، حيث استخدموا الرشاشات والمسدسات والسكاكين والسواطير والبلطات. 

شهود عايشوا تلك اللحظات الرهيبة أكدوا أن هناك حوامل تم قتلهن وأجسادهن ألقيت في أزقة المخيم، وأطفالاً تم قطع أطرافهم، وكميات من الأشلاء والجثث المشوهة التي تناثرت في الشوارع وداخل المباني المدمرة.

<strong>أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا </strong>/ التواصل الاجتماعي
أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا / التواصل الاجتماعي

عقب عقود من تلك المأساة، يظل عدد الضحايا غير واضح، مع تقديرات تتراوح بين 700 و5 آلاف شهيد. تقدم الباحثة الفلسطينية بيان نويهض الحوت تقديراً أدق للحدث، حيث قدّرت عدد الشهداء بـ1300 شخص على الأقل، استندت في ذلك إلى مقارنة 17 قائمة لأسماء الضحايا.

تعود التحديات في تحديد أعداد الضحايا إلى دفن الكثيرين في قبور جماعية، سواء من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي ومقاتلي القوات اللبنانية أو بسبب دفنهم من قبل الصليب الأحمر والهلال الأحمر. يظل هناك عدد كبير من الشهداء الذين دفنوا تحت ركام المنازل المدمرة، إلى جانب مئات الأشخاص الذين اختطفوا واقتيدوا إلى أماكن مجهولة دون معرفة مصيرهم.

كانت الآليات الإسرائيلية قد أغلقت جميع مداخل النجاة من المخيم، ما حال دون وصول الصحفيين ووكالات الأنباء حتى انتهاء المجزرة. كانت هذه مأساة من بين أبشع المآسي في تاريخ الإنسانية، حيث بلغ عدد الشهداء فيها حوالي 4000 شخص من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ المدنيين العزل.

تحقيقات ما بعد المجزرة 

وفي 7 فبراير/شباط 1983، أعلنت لجنة البحث نتائجها وحمَّلت وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون مسؤولية مباشرة عن المجزرة، مؤكدة تجاهله إمكانية وقوعها وفشله في الحيلولة دونها. كما انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير الخارجية إسحاق شامير ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات. 

رفض شارون قرار اللجنة، ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع بفعل الضغوط المتزايدة. عُيِّن بعد ذلك شارون وزيراً بلا حقيبة وزارية، ومن ثَم رئيساً للحكومة، حيث قام بأعمال أخرى، من بينها مجازر في الأراضي الفلسطينية دون محاكمة، على الرغم من ثبوت التهم الموجهة إليه.

فيما توصلت لجنة التحقيق في الممارسات الإسرائيلية إلى استنتاجها بأن المسؤول المباشر عن مجزرة صبرا وشاتيلا هو اللبناني إيلي حبيقة، الذي كان مسؤولاً عن ميليشيات حزب الكتائب في ذلك الوقت. وفي سياق غير متوقع، قُتل حبيقة في انفجار سيارة مفخخة في بيروت في عام 2002.

<strong>تحقيقات ما بعد المجزرة </strong>/ التواصل الاجتماعي
تحقيقات ما بعد المجزرة / التواصل الاجتماعي

من ناحية أخرى، أصدرت "لجنة ماكبرايد" المستقلة تقريراً في عام 1983؛ حيث خصصت فصلاً لمجزرة صبرا وشاتيلا. تشكلت هذه اللجنة من قانونيين بارزين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا، برئاسة المحامي والسياسي الأيرلندي شون ماكبرايد، ويُعتبر عملها أحد أهم التحقيقات الدولية في مجزرة صبرا وشاتيلا.

أكدت اللجنة في تقريرها أن إسرائيل تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية القانونية عن المجزرة، متهمة إياها بالمشاركة في التخطيط والتحضير للمذابح وتسهيل حوادث القتل عملياً. كما رأت أن الميليشيات اللبنانية كانت تلعب دور المنفذ لهذه المجزرة.

في عام 2001، رفع ناجون فلسطينيون ولبنانيون دعوى قضائية أمام المحكمة البلجيكية ضد أرييل شارون والمسؤولين الآخرين المتورطين في المجزرة. ومع ذلك، أدت ضغوط اللوبي اليهودي إلى تعديلات على القانون البلجيكي، ما أعاق المضي قدماً في هذه القضية.

تحميل المزيد