عرفت قرية مثلث الشهداء بمدينة جنين، منذ سنوات تأسيسها الأولى، كثيراً من حركات المقاومة والنضال ضد الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
وقد كانت هذه القرية من بين النقاط التي لجأ إليها العرب الذين هُجروا من أراضيهم قسراً بعد النكبة، فتحول أبناؤها إلى أبطال يقاومون العدو في كل فرصة سانحة، حتى بأبسط الإمكانات المتاحة.
إلا أن تسمية القرية بـ"مثلث الشهداء" لم تأتِ من فراغ، وذلك لأنها كانت الأرض التي قامت فيها معركة جنين سنة 1948، وتوفي فيها عدد من الجنود العراقيين، الذين راحوا شهداء في سبيل تحرير المدينة من الاحتلال.
هكذا أصبح في جنين "قرية مثلث الشهداء"
خلال فترة الانتداب البريطاني، أي قبل النكبة، وبداية تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي، كانت قرية الشهداء "وهو اسمها الحالي"، تعرف باسم مثلث جنزور، ولم تكن مأهولة بالسكان، وإنما كانت مجرد طريق رابط بين ثلاث مدن فلسطينية، وهي: جنين، ونابلس، وقباطية.
لكن في سنة 1948، ومع بداية المعارك بين اليهود والعرب، وتهجير الفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم، من أجل تأسيس دولة إسرائيل، شهد مثلث جنزور، الواقع جنوب مدينة جنين، اشتباكات دامية بين قوات من المنظمات الصهيونية والجيش العراقي، الذي حط الرحال في فلسطين من أجل الدفاع عن الأراضي العربية، ومنع إقامة دولة يهودية بها.
ومثلما دارت أحداث المعركة في مدينة جنين، التي سلمت من الاحتلال والاستيطان، فقد شهد المثلث الرابط بين جنين ونابلس، سقوط عدد من الشهداء العراقيين، الأمر الذي كان سبباً في إعادة تسمية تلك المنطقة بقرية مثلث الشهداء.
فقد كانت نقطة لجأ إليها العديد من الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من منازلهم بعد النكبة، واحتلال أراضيهم من طرف قوات الاحتلال.
وأغلب السكان الذين استقروا في قرية مثلث الشهداء من بلدة أجزم في حيفا ومدينة الخضيرة، وبعض المدن الأخرى في منطقة الخط الأخضر.
نظرة على التاريخ.. معركة جنين 1948
في الوقت الذي بدأ فيه الصهاينة بالتوسع في الأراضي الفلسطينية، وتهجير المدنيين من أراضيهم سنة 1948، كان الجيش العراقي من بين الجيوش العربية التي شاركت في الحرب ضد الكيان الصهيوني.
وقد كانت بداية رحلة القوات العراقية إلى فلسطين في 15 مايو/أيار 1948، وتشكَّلت من 3 آلاف جندي بقيادة العميد "محمد الزبيدي".
من بين الأوامر التي جاءت الجيش العراقي، التحرك إلى مدينة نابلس، وطرد قوات الاحتلال من قرية "الجفتلك"، من أجل إعادة السيطرة عليها، بعد أن تم الاستيلاء على عدة مدن أخرى مجاورة.
وقد كانت للصهاينة خطط استباقية على الهجوم العراقي، من خلال دخول مدينة جنين، وهذا ما حصل يوم 31 مايو/أيار 1948 وفق تحرك عسكري مُحكَم.
في ذلك الوقت كانت القوات الصهيونية متقدمة من خلال عدد الجنود والأسلحة التي تملكها مقارنة بالجيش العراقي والمقاتلين الفلسطينيين، الأمر الذي جعلهم يتقدمون بشكل كبير داخل قرى المدينة، ويلحقون خسائر كبرى بالجيش العراقي.
إلا أن القائد العسكري العراقي "عمر علي البيرقدار" كان قادراً على تغيير أحداث معركة جنين، بعد أن توجه لتحرير المدينة، بعدما كان من المفترض أن يتوجه إلى "نتانيا" بغرض السيطرة على الهجوم هناك.
وقد كان السبب في تغيير مسار البيرقدار الحربي هو مصادفته النساء والعجائز الفارين من جنين، بعد الاعتداءات على المواطنين هناك، بهدف احتلال المدينة كذلك.
وقد دارت عدة اشتباكات مسلحة بين الجيش العراقي والصهاينة، إلا أن الأداء البطولي للعراقيين كان كفيلاً بالنصر وإعادة جنين لأصحابها بتاريخ 4 يونيو/حزيران من السنة نفسها.
وقد شهدت الاشتباكات عدةُ نقاط في المدينة، من بينها مثلث جنزور، الذي سقط فيه 44 جندياً عراقياً شهيداً، إذ تم دفنهم هناك وتحويل المنطقة إلى قرية مثلث الشهداء تكريماً لهم.
قرية مثلث الشهداء اليوم
عند الوصول إلى قرية مثلث الشهداء، سيكون العلم العراقي أول ما يستقبلك، إذ إنه يرفرف بالقرب من مقبرة شهداء العراق هناك، الذين كتب على قبورهم "شهيد عروبة فلسطين".
كانت القرية في بداية نشأتها سنة 1948، ولصغر مساحتها، تضم أعداداً بسيطة من السكان، الذين قرروا الاستقرار هناك، وبناء حياة خاصة بهم، بعيداً عن الأراضي المحتلة.
وفي سنة 2004، أصبح عدد سكان القرية 1716 نسمة، وهو العدد الذي تزايد مع مرور السنين، ليصبح عدد السكان سنة 2023 يقارب 3000 نسمة.
وعلى الرغم من أن قرية مثلث الشهداء تربط بين ثلاث مدن، فإنها تعتبر تابعة لمدينة جنين، لأنها النقطة الأقرب إليها من الجهة الجنوبية، فيما كان استشهاد الجنود العراقيين لصالح تحرير المدينة.
من أبرز العائلات التي تقطن القرية: آل عصاعصة، آل وشاحي، آل عباس، آل مشارقة، آل أبو شحادة، آل نزال، وآل ديري.
تستفيد هذه العائلات من بعض الخدمات البسيطة داخل القرية، ومن بينها مدارس ومستوصفات، فيما يعتمد السكان على التجارة والزراعة؛ لكونهما من القطاعات الأساسية التي يقوم عليها اقتصاد القرية.