استوردوا 50 ألف عصفور وكلف 600 مليون دولار.. حفل شاه إيران الأغلى في التاريخ

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/15 الساعة 07:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/15 الساعة 07:33 بتوقيت غرينتش
أغلى حفل في التاريخ / Wikimedia Commons

حين تفكر بأغلى حفل في التاريخ من حيث التكلفة قد تفكر في احتفالات الأولمبياد أو كأس العالم، أو المهرجانات السينمائية العالمية، لكن أغلى حفل في التاريخ، والذي لم ينافسه أحد منذ أكثر من 50 عاماً هو احتفال شاه إيران بالذكرى السنوية الـ2500 لبلاده.

شهد ذلك الحفل من التحضيرات والمصاريف والبذخ المبالغ فيه ما لا تسمع به سوى في قصص ألف ليلة وليلة، حتى وصل الأمر لاستيراد الآلاف من العصافير المغردة من أوروبا وإطلاقها في الصحراء لتسلية الحضور، لكنها نفقت بسبب حرارة الجو.
حتى الطعام كان هناك 18 طناً من أفخر الأطعمة، أشرف على تحضيرها أشهر الطهاة من فرنسا. كانت ستقدم للأباطرة والملوك والرؤساء والشيوخ من جميع أنحاء العالم لمدة ثلاثة أيام، وسط أطلال مدينة برسيبوليس القديمة.

أغلى حفل في التاريخ  في ذكرى 2500 سنة على تأسيس الإمبراطورية الفارسية

في عام 1963، أطلق شاه إيران محمد رضا بهلوي "ثورته البيضاء" بهدف تحديث إيران. منحت حريات أكبر للمرأة، وأعيد توزيع الأراضي، وأنشئت مرافق نووية، ونمت طبقة صناعية أنشأت طفرة في تصنيع السلع.

أغلى حفل في التاريخ
شاه إيران محمد رضا بهلوي / Wikimedia Commons

لكن خلف هذه الرؤية للحداثة كانت حقيقة قاسية، لم تكن إصلاحات الشاه تحظى بشعبية لدى العديد من رجال الدين، لكنه أكد أن أصواتهم لن تسمع أبداً. كانت الحريات المدنية شبه معدومة، كانت المخابرات الإيرانية الوحشية "السافاك" تعتقل وتعذب المشتبه بهم كما تشاء، وبحلول عام 1971 كان لدى إيران أكبر عدد من السجناء السياسيين والإعدامات الرسمية في العالم.

كان 51% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، كانت المدن تفتقر إلى البنية التحتية، والمجتمعات الريفية تفتقر حتى إلى الاحتياجات الأساسية مثل المياه والتعليم والرعاية الطبية.

لكن الشاه كان مشغولاً بأفكار أخرى. شهد عام 1971 مرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية الأولى على يد كورش العظيم، واعتبرها فرصة لعرض إيران الجديدة على العالم وإظهار نفسه على أنه "كورش الجديد".

في سبتمبر/أيلول 1970، قرر الشاه إقامة أغلى حفل في التاريخ، والذي أقيم في أنقاض برسيبوليس، عاصمة الإمبراطورية الفارسية القديمة، ودُعي جميع القادة والرؤساء والملوك في العالم. وهناك أراد الشاه استعراض ماضي إيران، ويشيدون به باعتباره "شاهنشاه" بلاد فارس أي "ملك الملوك".

واحة في الصحراء واستيراد عصافير من أوروبا.. تحضيرات استغرقت عاماً كاملاً

 استغرقت الاستعدادات عاماً كاملاً، استأجر الشاه المهندسين المعماريين الفرنسيين ومصممي الديكور الداخلي ومصممي الأزياء، لتصميم 50 جناحاً على شكل خيمة للضيوف من الشخصيات المهمة من قادة ورؤساء وملوك.

أغلى حفل في التاريخ
موقع الحفل والواحة التي تم زراعتها في الصحراء / Wikimedia Commons

وكان الموقع في منطقة صحراوية قريبة من المدينة الأثرية، قريباً جداً من قبر الملك كورش الكبير. يحتوي كل جناح من أجنحة الخيام على غرفتي نوم وحمامين ومكتب وصالون، مؤثث ببذخ يتسع لما يصل إلى 12 شخصاً. ونسيج عليه صورة رئيس الدولة الذي كان يقيم هناك، معلق على جدار كل خيمة.

أطلق على مدينة الخيام تلك اسم "المدينة الذهبية"، كانت الخيمة الرئيسية، التي تبلغ مساحتها 68 متراً في 24 متراً هي قاعة الحفلات. كان طول القماش المستخدم 37 كم من الحرير، تم ترتيب الخيام على طول خمسة طرق تنطلق من نافورة مركزية.
وبجانب مدينة الخيام  بنى الشاه مطاراً، كما شيّد طريقاً سريعاً بطول 1000 كيلومتر من طهران إلى برسيبوليس. تم زرع العديد من الأشجار في الصحراء، في محاولة لإظهار كيف كانت مدينة بيرسيبوليس تبدو قديماً في ذروة قوتها.

أغلى حفل في التاريخ
خيمة في برسيبوليس / Wikimedia Commons

تم استيراد 15 ألف شجرة و15 ألف زهرة من جميع أنحاء أوروبا، بعضها من حدائق فرساي، لإنشاء واحة خصبة. وبينما كانت بقية إيران تعاني من الجفاف الشديد، كان الشاه يصب جالونات من الماء يومياً في الموقع، حتى إنه كلف بستاني فرساي بإنشاء حديقة معطرة من الورود.

لحماية الضيوف من التعرض للعض أو اللسع تم إبادة الآلاف من العقارب والثعابين في منطقة 30 كم بالمبيدات الحشرية. تم استيراد 50 ألف من الطيور المغردة من أوروبا، بما في ذلك 20 ألفاً من العصافير الإسبانية، لكن العديد من تلك الطيور ماتت بسبب درجات الحرارة الشديدة في الصحراء الإيرانية.

أطنان من الطعام وطهاة من باريس ومأدبة دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية

يقول إميل ريال، أحد المنظمين لذلك الحفل: "كان لدينا مطبخ كبير أيضاً. نقلت الطائرات العسكرية الإيرانية 150 طناً من معدات المطبخ، على بعد حوالي 5 آلاف كيلومتر، من باريس إلى برسيبوليس. كان كل شيء من أفضل مستويات الجودة، وقد رأيت مطابخ الفنادق الفاخرة تنقل هناك".

شاه إيران وزوجته / Wikimedia Commons

ويقول شقيقه فيليكس ريال: "بدأت استعدادات الطهو للاحتفال في صيف عام 1970، عندما طلب الإيرانيون من لويس فودابل، صاحب مطعم مكسيم في باريس، إدارة هذا الجزء من الاحتفالات. في تلك الأيام كان مطعم مكسيم يعتبر أفضل مطعم في العالم".

بالإضافة إلى 2500 زجاجة شمبانيا، و1000 زجاجة بوردو، و1000 زجاجة بورجوندي، معبأة في 410 صناديق، تم تسليمها إلى قبو تم بناؤه خصيصاً لهذا الغرض في برسيبوليس قبل أربعة أسابيع من بداية الاحتفالات.

قبل ثلاثة أيام من مأدبة الاحتفال، وصل ثمانية عشر طناً من الطعام. وبحسب القائمة، فقد شمل ذلك: 2700 كجم من لحم البقر ولحم الخنزير ولحم الضأن، 1280 كغم دجاج، و150 كيلوغراماً من الكافيار، تم نقل كل شيء من باريس، حتى البقدونس والثوم. 

يبلغ طول مائدة العشاء في الخيمة الرئيسية المخصصة لضيوف الشرف حوالي 70 متراً. أمضت 125 امرأة 6 أشهر في تطريز مفارش المائدة باليد.

تناول 600 ضيف العشاء على مدار خمس ساعات ونصف الساعة، ما يجعلها أطول مأدبة رسمية وأكثرها فخامة في التاريخ الحديث، كما هو مسجل في الطبعات المتعاقبة من كتاب غينيس للأرقام القياسية.

استمر الاحتفال 3 أيام، وتم عرضه في كثير من القنوات التلفزيونية في العالم، أما التكلفة فقد تجاوزت ما قيمته 630 مليون دولار في يومنا الحالي.

نهاية حكم شاه إيران والبحث عن اللجوء

واجه شاه إيران انتقادات سياسية وانتقادات دينية من شريحة المحافظين من الشعب الإيراني، الذين اعتقدوا أن التغريب الذي يقوم به الشاه يتعارض مع الإسلام. وكان غضب الشارع الإيراني يزداد أكثر بسبب حكمه الاستبدادي، والفساد في حكومته، والتوزيع غير المتكافئ للثروة النفطية، والتغريب القسري.

وأنشطة السافاك في قمع المعارضة. منذ تورطه في إسقاط حكومة رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق، بانقلاب عسكري بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، فيما عُرف لاحقاً بعملية "أجاكس" عام  1953.


ازدادت الجوانب السلبية من حكم الشاه بشكل ملحوظ، بعد أن بدأت إيران في جني عائدات أكبر من صادراتها البترولية، ابتداءً من عام 1973. حتى أدى انتشار الاستياء بين الطبقات الدنيا ورجال الدين الشيعة وتجار البازار والطلاب في عام 1978 إلى نمو الدعم لرجل الدين الشيعي الخميني، والذي كان يعيش في المنفى في باريس.

اكتسبت الثورة الإيرانية زخماً عام 1979، وانتشرت أعمال الشغب والمظاهرات والإضرابات في البلاد، حتى غادر الشاه البلاد وتولى الخميني الحكم، وتم إعلان إيران جمهورية إسلامية في 1 أبريل/نيسان 1979.

متظاهرون في الأيام التي سبقت انتصار الثورة – طهران عام 1979/ Wikimedia Commons 

سافر الشاه بعدها إلى مصر والمغرب وجزر الباهاما والمكسيك، ثم الولايات المتحدة، لتلقي العلاج الطبي من سرطان الجهاز اللمفاوي. بعد أسبوعين استولى مسلحون إيرانيون على السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا أكثر من 50 أمريكياً رهائن، مطالبين بتسليم الشاه مقابل إطلاق سراح الرهائن.

غادر الشاه أمريكا لاحقاً إلى بنما، ثم القاهرة، حيث حصل على حق اللجوء من قبل الرئيس المصري آنذاك أنور السادات. وبقي في القاهرة حتى توفي عام 1980 ودفن هناك، أما مكان أغلى حفل في التاريخ فقد تم نهبه، ولم يبقَ منه سوى أعمدة الخيام.

تحميل المزيد