رمز لمقاومة الاستعمار، ويعود تاريخه إلى ما قبل الميلاد.. “البرنوس” اللباس التقليدي الجزائري

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/26 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/26 الساعة 14:28 بتوقيت غرينتش
الأمير عبد القادر يرتدي البرنوس في كل خرجاته /wikipedia commons

مع دخول فصل الشتاء البارد، يفرض اللباس التقليدي المقاوم للبرد نفسه، ويتحوّل إلى اللباس الأكثر رغبةً، ومن بين هذه الألبسة التقليدية الشتوية لباس البرنوس، الذي يعدّ أحد أقدم الألبسة التقليدية في الجزائر، كونه بدأ ارتداؤه منذ عهد الفترة النوميدية.

وبات اليوم هذا اللباس، رمزاً للشهامة والفخر بين الجزائريين، حتى شاع في الجزائر المثل التالي: إن من يلبس البرنوس هو "راجل ترَّاس" (رجل جدع)، ومن يلبس برنوسين "راجل ونص"، في إشارة إلى أن هذا اللباس دليل هيبة للرجل في البلاد.

و"البرنوس" هو لباس تقليدي جزائري، عبارة عن سترة طويلة تغطي الجسم من الأكتاف للقدمين مربوطة بقلنسوة، من دون أكمام، ويلبس في فصل الشتاء وله ألوان عديدة تختلف وفق المادة الأولية التي صنع منها، أبيض وبني محمر وقاتم وأسود ورمادي.

كما أصبحت له شهرة مغاربية، إذ ترتديه فئة كبيرة من سكان شمال إفريقيا، ولعل أجود أنواعه على الإطلاق هو ما يصنع في مدينة مسعد الجزائرية، ويصدّر لدول الجوار.

تاريخ البرنوس ضاربٌ في أعماق التاريخ الجزائري

يعدُّ اللباس التقليدي الجزائري جزءاً لا يتجزأ من ثرات وتاريخ هذا البلد الشمال إفريقي، ولعلّ أبرز الألبسة التي لا تزال تصل الجزائريين بتاريخهم هو اللباس التقليدي البرنوس، والذي تُنسب بداياته إلى عهد مملكتي الماسيل والماسيسي إبان فترة الاحتلال الروماني لبلاد المغرب في القرن الأوّل قبل الميلاد حسب الباحثة فايزة رياش.

البرنوس اللباس التقليدي الجزائري
البرنوس اللباس التقليدي الجزائري الذي بدأ منذ الميلاد / جيتي

كما أنّ العلامة عبد الرحمن بن خلدون قد ذكر في كتابه "ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر"، هذا اللباس التقليدي الجزائري، حيث قال: "حدود بلاد البربر تبتدئ حيث الرجال يرتدون البرنوس، وتنتهي حيث الناس لا يأكلون الكسكسي".

البرنوس أحد أسلحة الجزائريين في مقاومة الاحتلال الفرنسي

ومع فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، كان البرنوس يعتبر سيّد الألبسة الرجالية، فقد كان جلّ الأهالي الجزائريين يرتدون البرنوس، كما أنّ هذا اللباس كان يرافق حياة الجزائريين منذ صغرهم، فكان الطفل في الجزائر يرتدي البرنوس المصنوع من القماش منذ أن يبلغ سنتين من عمره، حسب ما ورد في كتاب "الأخلاق والعادات والمؤسسات عند الأهالي في الجزائر".

البرنوس اللباس التقليدي الجزائري
أطفال جزائريين يرتدون البرنوس في فترة الإحتلال الفرنسي / جيتي

ولعلّ القيمة التاريخية الكبيرة للبرنوس، تمثلت في حضوره الكبير في مرحلة المقاومات الشعبية للاحتلال الفرنسي، فلعلّ أبرز صورة بقيت في الذاكرة، هي صورة الأمير عبد القادر الجزائري وهو يرتدي البرنوس في جلّ معاركه وتنقلاته.

كما أنّ معظم قادة الثورات الشعبية الجزائرية، كان لباسهم الرسمي هو البرنوس، ولم يقتصر ذلك على الرجال منهم فقط، فكانت الثائرة لالة فاطمة نسومر إحدى النساء اللاتي اشتهرن بلبس البرنوس النسوي.

البرنوس تحوّل إلى رمزٍ ثقافي جزائري بعد الاستقلال

وبعد فترة المقاومات الشعبية، تحوّل البرنوس إلى أداة مقاومة ثقافية للمحتل الفرنسي، فكان زعيم الحركة الوطنية مصالي الحاج يرتدي البرنوس في كلّ مناسبة، ليظهر بذلك الشخصية الإسلامية العربية للجزائريين، كما ارتداه الأئمة والمشايخ، ومنهم رئيس جمعية العلماء المسلمين الشيخ عبد الحميد بن باديس، ونائبه البشير الإبراهيمي.

علاوة على ذلك، كان للبرنوس دورٌ في الثورة الجزائرية، فقد كان الثوار الجزائريون يرتدون هذا اللباس في المدن من أجل إخفاء الأسلحة والمؤن، كما كانوا يرتدونه في الجبال من أجل مقاومة البرد.

البرنوس اللباس التقليدي الجزائري
الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة يرتدي البرنوس / جيتي

وسرعان ما صار اللباس الرسمي لخطيب الجمعة في المساجد الجزائرية، بعد الاستقلال، عرفاناً بدوره في الحفاظ على هوية الجزائريين خلال فترة الاحتلال الفرنسي.

واستمر اعتماد هذا اللباس رمزاً للدولة فيما بعد، فعرف الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين بارتداء البرنوس، ولا يزال برنوسه معروضاً إلى اليوم في متحف الجيش الوطني الشعبي، كما ارتدى البرنوس، ولا يزال، رؤساء الجزائر وشخصيات في الدولة، إضافةً إلى منحه كهدية وتذكار لرؤساء الدول والحكومات التي تزور الجزائر.

أنواع البرنوس الجزائري 

هناك ثلاثة أنواع من البرانيس الجزائرية التقليدية، أهمها البرنوس الوبري، وهو برنوس تختص منطقة مسعد بولاية الجلفة بإنتاجه، ويمكن القول إنّ هذا النوع من البرنوس هو الأغلى ثمناً، والأكثر فخامةً، كونه يصنع من وبر الجمال.

یتم اختيار هذا الوبر الأصيل بعناية من أجل صنع البرنوس، بعدها يتم غزله على شكل خيوطٍ رقيقة ذات لون بني وذهبي، وتنسج بالطريقة التقليدية لتشكل الشكل النهائي للبرنوس، قبل أن تتم خياطته وتطريزه وإضافة الأشكال الجمالية له.

البرنوس اللباس التقليدي الجزائري
البرنوس اللباس التقليدي الجزائري/ ويكيبيديا

ويصل ثمن هذا النوع من البرنوس إلى أكثر من 500 دولار أمريكي، وغالباً ما يرتديه السياسيون ورجال الدين وأصحاب الطبقة الأرستقراطية، وعادةً ما يتمّ إهداؤه إلى الأمراء والرؤساء الذين يزورون الجزائر.

وهناك نوع ثانٍ من البرنوس الجزائري، وهو البرنوس الأشعل الذي بات يمثّل رمز العروبة والأصالة، كونه اللباس التقليدي الجزائري الخاص بالقبائل العربية، وتكون مادته الخام من الصوف الخالص، وينسج بطريقة البرنوس الوبري نفسها، وسعره أيضاً يتراوح ما بين 200 إلى 400 دولار أمريكي.

هذا النوع من اللباس التقليدي الجزائري ينتشر بصورة كبيرة عند قبائل أولاد نايل والشعانبة في وسط وجنوب الجزائر.

أمّا النوع الأخير من أنواع البرنوس الجزائري فهو البرنوس الأبيض، الذي يلازم البرنوس الأشعل، كونه يلبس تحته، إلّا في حالة اعتدال الجو، فيلبس وحيداً، كما أنّه بات أحد الأجزاء المكوّنة لطاقم الفرسان في الجزائر، ويتميّز هذا النوع من البرنوس بتكلفته الرخيصة التي تتراوح ما بين 50 و100 دولار أمريكي.

تحميل المزيد