ترتبط عربات بيع الآيس كريم، بذكريات لطيفة لدى كثيرين حول العالم، لكنها في أسكتلندا ارتبطت بتاريخ حرب العصابات وذكريات دموية مرتبطة بالعربات ذات الألوان الزاهية. اندلعت حرب النفوذ والفوضى بين أصحاب تلك العربات، سميت "حروب الآيس كريم" والتي نتج عنها أكبر جريمة قتل جماعي في التاريخ الأسكتلندي الحديث.
مدينة غلاسكو ساحة حروب الآيس كريم
لطالما اشتهرت مدينة غلاسكو في أسكتلندا بأنها مدينة تعاني من معدلات الجريمة المرتفعة، ونشوب حرب العصابات المستمرة، حتى إنها حملت لقب "عاصمة جرائم القتل في أوروبا". وكانت جرائم العنف، خاصةً حوادث الاعتداء بالأسلحة البيضاء وجرائم الطعن، منتشرة وبكثرة.
وفي أوائل الثمانينيات كانت منطقة "Ruchazie" مسرحاً لواحدة من أسوأ موجات الجرائم، وحرب العصابات للسيطرة على مبيعات شاحنات الآيس كريم، ومنها ظهر اسم "حروب الآيس كريم"، وبالطبع فإن المجرمين لن يتقاتلوا بشكل دموي من أجل نكهات الآيس كريم وبيعها. ولكن الأمر كان أكثر تعقيداً من ذلك.
كان الحي عبارة عن مشروع إسكاني كبير، تم بناؤه كجزء من طفرة تطوير الإسكان بأسكتلندا في الخمسينيات، وكان معروفاً بكونه حياً سيئ السمعة. وينتشر فيه الفقر والبطالة والجرائم، وما زاد الطين بلة، كان التخطيط العمراني لذلك الحي سيئاً للغاية.
لم يكن هناك متاجر أو محلات بقالة، ولا محطات حافلات أو طرق رخيصة للتنقل والوصول إلى المتاجر والمحلات في الأحياء المجاورة، لذا قام البعض باستخدام عربات الآيس كريم التي تتجول في الحي لبيع كل شيء وليس المثلجات.
فقاموا ببيع السمك واللحوم والبقالة والضروريات اليومية، وكانت عربات الآيس كريم تتجول على مدار العام لتمكين سكان الحي الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى محلات السوبر ماركت من االتسوق. ومع زيادة الإقبال على الشراء من تلك العربات، بدأ البعض يستخدمونها غطاءً لبيع الممنوعات من المخدرات والمواد المسروقة.
صراع العصابات على النفوذ والسيطرة واندلاع حرب الآيس كريم
بعد ازدهار تجارة الممنوعات في عربات الآيس كريم، بدأت العصابات تفضل مثل هذه الطريقة في تحقيق الأرباح والتخفي عن أعين الشرطة، وأخذت تشق طريقها إلى هذا السوق. وكانت هذه أولى خطوات "حرب الآيس كريم".
بدأت بعض العصابات بتجنيد أصحاب السوابق وأفرادها، ليديروا شاحنات الآيس كريم، وبالطبع لم يكن لديهم أي رغبة في وجود منافسين لهم أو من يشاركهم منطقة نفوذهم، وتماماً مثل أي حرب عصابات أخرى على مناطق النفوذ، كانت "حرب الآيس كريم"، بالعنف والوحشية نفسها.
تم إلقاء العبوات الحارقة على عربات المنافسين، وإطلاق الرصاص على الزجاج الأمامي للشاحنات وتمزيق إطارات عربات الآيس كريم المركونة، وتعرض الباعة للضرب والسرقة. وبدت الشرطة غير قادرة على إنهاء تلك الحرب، لذلك أصبحت فرقة الجرائم الخطيرة تُعرف محلياً باسم "فرقة الأجراس الخطيرة"؛ للسخرية من عجزها.
أسوأ جرائم حرب الآيس كريم
وصلت حرب العصابات لذروتها المدمرة في 1984، عندما أشعل أحد المخربين النار في منزل عائلة "أندرو دويل"، مما أسفر عن مقتل 6 من أفراد الأسرة، وكانت أسوأ جريمة قتل متعددة في التاريخ الأسكتلندي في ذلك الوقت.
كان أندرو دويل سائق شاحنة آيس كريم يبلغ من العمر 18 عاماً، يستخدمها لبيع البقالة وتوصيل الأغراض لسكان الحي، لكنه رفض بيع المخدرات والممنوعات، وقاوم السائقين الآخرين من أفراد العصابات. وسبق أن أطلق عليه رجل مجهولٌ النارَ؛ لرفضه بيع المخدرات.
واصل أفراد العصابات حملتهم الإجرامية ضد دويل، وأرادوا جعله عبرة لكل من يرفض التعاون معهم، فتسلل أفراد من العصابة ليلاً إلى أمام منزله، ووضعوا شراشف تم غمسها بالبنزين على باب بيت دويل وعائلته الذين كانوا نائمين في ذلك الوقت، وأضرم أفراد العصابة النار في منزل دويل.
سرعان ما التهمت النيران المنزل بأكمله وراح ضحية الحريق أندرو دويل، واثنان من إخوته، وكان أحدهما مراهقاً يبلغ من العمر 14 عاماً، ووالده وأخته وابنها البالغ من العمر 18 شهراً. أدى الهجوم إلى تحقيق كبير، كما أدى في نهاية المطاف إلى نشوب معركة قضائية استمرت 20 عاماً لتقديم شخص ما إلى العدالة لينال عقابه على الجريمة المروعة.
كيف حاربت أسكتلندا العصابات وقللت من تأثيرها؟
رغم كل محاولات الشرطة لمكافحة الجريمة استمرت نسبة الجرائم المرتفعة لغاية عام 2005، حينها قررت السلطات الأسكتلندية أن عليها إيجاد حل غير تقليدي، فوضعوا خطة "معالجة" العنف باعتباره مرضاً، وقرروا محاصرته كما يُحاصَر الوباء، فكانت نتيجة ذلك الحل الاستثنائي، انخفاض نسبة جرائم العنف بنحو 70% في أقل من 10 سنوات.
وتم تشكيل وحدات خاصة من الشرطة بطريقة مدروسة، ووضعت خطة لإيجاد "علاج" لجميع أشكال السلوك العنيف، وضمن ذلك العنف في الشوارع، وعنف العصابات، والعنف المنزلي، وحتى التنمر في المدارس، ومنع انتشاره بين أفراد المجتمع و"علاج" مرتكبي تلك الأعمال.
مع منح فرصة ثانية للمدانين من أجل فرصة عمل وكسب المال بطريقة مشروعة، وإبعادهم عن عالم جرائم العنف، ومساعدتهم على التخلص من إدمان الكحول أو المخدرات، وتوفير التدريب والتوجيه والدعم للجناة الذين التزموا بتغيير حياتهم بعيداً عن العنف والجريمة.
لمعرفة كيف تخلّصت أسكتلندا من لقب "عاصمة القتل في أوروبا" اضغط هنا للاطلاع على القصة كاملة.