في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني عام 1974، كشف العقيد الليبي معمّر القذافي والرئيس التونسي حينها، الحبيب بورقيبة، عن توقيع اتفاق كان مفاجئاً للجميع، كان الاتفاق ينص على قيام الوحدة بين ليبيا وتونس في دولة واحدة، تحت اسم "الجمهورية العربية الإسلامية".
لم يستغرق الأمر سوى يومين فقط بعد هذا الإعلان، وكما تم الكشف عن الدولة الجديدة فجأة انتهت فجأة، وتوترت العلاقات بين البلدين بعدها بشكل كبير، ووصلت لطرد التونسيين من ليبيا، واتهامات للقذافي بمحاولة اغتيال مسؤولين كبار من تونس.
اجتماع غير مخطط له بين القذافي وبورقيبة
في 10 يناير/كانون الثاني عام 1974، تلقّت الرئاسة التونسية مكالمة هاتفية من الطرف الليبي، تخبرهم بأن العقيد الليبي معمّر القذافي، يريد التحدّث إلى الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي كان في زيارة إلى ولاية نابل التونسية استمرّت يومين.
بعد المكالمة، وقبل أن يعود بورقيبة إلى العاصمة التونسية، توجه إلى "جزيرة جربة" التونسية، كان معمّر القذافي قد وصل هناك يوم 11 يناير/كانون الثاني، حسبما رواه مدير الأمن الرئاسي التونسي السابق رفيق الشلّي.
وكان من عادة معمر القذافي السفر إلى تونس بشكل مفاجئ، وتبليغ الرئاسة التونسية قبل ذلك بيوم أو يومين فقط، وكان يختار المدن التي ينوي قضاء جزء من الوقت فيها. وفي كل مدينة يختارها، تنصب فيها خيمته المعروفة.
وصل بورقيبة في اليوم التالي، إلى جزيرة جربة، ومعه مجموعة من المسؤولين التونسيين، من بينهم وزير الداخلية "الطاهر بلخوجة" ومدير الديوان السياسي "محمد الفيتوري" و"محمد المصمودي" وزير الخارجية.
عقد بورقيبة والقذافي اجتماعاً سريعاً، ليخرجا بعدها بإعلان مقتضب، عن توقيعهم اتفاقية تقضي بتوحيد الدولتين الجارتين تحت راية دولة واحدة، تسمى "الجمهورية العربية الإسلامية"، تكون تلك الدولة خاضعة لسلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية ودستورية واحدة، على أن يكون بورقيبة رئيسها ويكون القذافي نائباً له أو وزيراً للدفاع، وأن تكون تونس عاصمة الدولة الجديدة، باعتبارها عاصمة كبرى، وطرابلس عاصمة صغرى.
وبحسب مقال نشرته في وقتها صحيفة "نيويورك تايمز" كان يُفترض أن تصبح ثروات ليبيا النفطية تحت تصرف الحكومة الجديدة في "الجمهورية العربية الإسلامية".
وأعلن الزعيمان أن استفتاءً شعبياً سيعقد في وقت قريب في كلا البلدين للموافقة على قرار الوحدة.
واختير للدولة الجديدة علماً مكوّن من 3 ألوان، أبيض وأحمر وأسود، مع وجود الهلال والنجمة وسطه رمزاً لتونس.
انهيار الوحدة وإلغاء مشروع "الجمهورية العربية الإسلامية"
اتفاق الوحدة، وبحسب عدد من المختصين في الشأن السياسي التونسي، لم ينل رضا جميع أعضاء حكومة بورقيبة، وكان أبرز الأسماء المعارضة لهذه الفكرة، الوزير الأوّل لبورقيبة "الهادي نويرة"، والذي كان في طهران وقت توقيع الاتفاقية. فقطع زيارته لطهران وعاد لتونس ليساهم مع مجموعة من السياسيين والمفكّرين في إقناع بورقيبة بالعدول عن الاتفاقية.
وبعد مرور يومين على الاتفاقية، قرر بورقيبة الإنسحاب منها، وغادر تونس نحو جنيف، ليستقل القذافي طائرة ويلحق به، وكذلك فعل المعارضون للاتفاقية من الجانب التونسي، لكي لا يضغط القذافي على بورقيبة مرة ثانية.
أخبر بورقيبة القذافي أن التوقيع على اتفاقية "الجمهورية العربية الإسلامية" لم يكن مدروساً بشكل جيد، وساق له جملة من الأسباب القانونية والدستورية التي كانت حائلاً دون تجسيد المشروع على أرض الواقع.
وطالب بورقيبة من القذافي تسليم الوثيقة التي وقّع عليها. حاول القذافي الضغط على بورقيبة لعدم الانسحاب من الاتفاقية، ودارت لقاءات ونقاشات مطولة بشأن هذه الوثيقة وأحقية تونس في استرجاعها.
في النهاية استسلم القذافي، وتخلى عن مشروع الوحدة هو الآخر، وسلم الوثيقة بنفسه إلى بورقيبة، لكن العلاقات بين البلدين أصبحت متوترة، ودخلوا أزمة سياسية ودبلوماسية بين البلدين استمرت لسنوات لاحقاً.
وصلت الأزمة أشدها بعد طرد الجالية التونسية من ليبيا. واتهام القذافي بمحاولة اغتيال "الهادي نويرة"، ووقوف المخابرات الليبية، وراء اضطرابات مسلحة في مدينة قفصة التونسية، الواقعة على الحدود الغربية للبلاد التونسية مع الجزائر عام 1980.
ولم تعد العلاقات لطبيعتها حتى إزاحة بورقيبة عن الحكم، على يد زين العابدين بن علي بانقلاب أبيض، عام 1987.