يُعد السد العالي بأسوان أحد أشهر البنايات في تاريخ مصر الحديث. إذ بعد بنائه أصبح من الممكن تنظيم فيضانات نهر النيل، واستغلال الموارد المائية لاستصلاح وزراعة مساحات شاسعة من الأراضي، وولادة بحيرة اصطناعية من خلاله، هي بحيرة ناصر.
بالإضافة إلى ذلك، تنتج المياه المتدفقة عبر السد طاقة كهرومائية بفضل إنشاء محطة طاقة بجوار الأعمال الهندسية العملاقة، وهو ما سمح لمصر بتغطية أكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء.
وكان الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر قد وضع أول حجر أساس في بناء السد العالي في 9 يناير/كانون الثاني 1960، تم الانتهاء منه في 21 يوليو/تموز عام 1970، أي بعدها بعقد كامل، حيث افتُتح رسمياً في 15 يناير/كانون الثاني عام 1971.
على الرغم من أن البناء العملاق تسبب في تأثير بيئي لا يستهان به، لكنّ قليلين من يعرفون الوجه الآخر للسد العالي وتأثيره، في هذا التقرير نستعرض معلومات وحقائق مهمة عن البناء الأهم في مصر.
1- استلهام الفكرة من سد أسوان الأول عام 1902
تم بناء أول سد حديث في أسوان والانتهاء من تشييده عام 1902، وذلك على بُعد 500 ميل جنوب القاهرة. وكان هدفه هو ريّ الأراضي الزراعية أثناء فترات الجفاف القاسية التي عرفتها مصر.
ومع ذلك، لم يستطع هذا السد كبح الفيضان السنوي لنهر النيل العظيم.
ثم في الخمسينيات من القرن الماضي، تصور جمال عبد الناصر بناء سد جديد لكبح جماح نهر النيل، وقرر أن يكون كبيراً بما يكفي لحماية مصر من فترات الفيضانات التي يليها فترات جفاف تهدد المزارعين وسكان المنطقة، وكذلك لإيصال الطاقة الكهربائية إلى أرجاء مصر.
في بادئ الأمر حصلت مصر على دعم مالي من الولايات المتحدة وبريطانيا لتمويل المشروع، ولكن في يوليو/تموز عام 1956، ألغت الدولتان العرض بعد أن علمتا باتفاقية أسلحة مصرية سرية مع الاتحاد السوفييتي.
رداً على هذه الخطوة، قام ناصر بتأميم قناة السويس المملوكة لبريطانيا وفرنسا في مصر، بهدف استخدام رسومها لدفع تكاليف مشروع السد العالي.
عجّل هذا القرار باندلاع العدوان الثلاثي على مصر، حيث هاجمت إسرائيل وبريطانيا وفرنسا مصر في عملية عسكرية مشتركة. وعلى إثرها تم احتلال قناة السويس.
لكن السوفييت والولايات المتحدة والأمم المتحدة أجبروا إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على الانسحاب، وبقيت قناة السويس في أيدي المصريين عام 1957، وتقرر بناء مشروع السد العالي لاحقاً.
2- الاتحاد السوفييتي يمول مشروع السد العالي
سمحت القروض والعائدات السوفييتية من رسوم عبور قناة السويس لمصر ببدء العمل في السد العالي بأسوان في عام 1960. تم استخدام حوالي 57 مليون ياردة مكعبة من التراب والصخور لبناء السد، الذي تبلغ كتلته 16 ضعف كتلة الهرم الأكبر في الجيزة.
ثم بحلول اليوم 21 يوليو/تموز عام 1970، تم الانتهاء من المشروع الطموح، قبل أن يتوفى عبد الناصر بنوبة قلبية في سبتمبر/أيلول 1970، ويتم افتتاح وتشغيل السد رسمياً في عام 1971 التالي.
3- تهجير عشرات الآلاف من النوبيين
الخزان العملاق الذي أنشأه السد بطول 300 ميل وعرض 10 أميال، أطلق عليه اسم بحيرة ناصر تكريماً لجمال عبد الناصر. وقد تطلب تشكيل بحيرة ناصر إعادة توطين 90 ألف فلاح مصري وبدوي نوبي وسودانيين.
إذ جاء النزوح بأعداد كبيرة لسكان النوبة في جنوب مصر وشمال السودان على حد سواء، وبحسب بحث تاريخي منشور بموقع Project Unsettled، يُرجح أنه قد تم نقل ما يتراوح بين 50 و70 ألف نوبي من وادي حلفا في السودان والقرى المحيطة، واستقر بعضهم في مستوطنة جديدة تسمى وادي حلفا الجديد، بينما انتشر البعض بمناطق مختلفة من السودان.
أما بالنسبة للنوبيين المصريين، فقد تم نقل غالبيتهم التي تُقدر بـ50 ألف شخص من كوم أمبو، بالقرب من أسوان، إلى ما يسمى الآن "النوبة الجديدة"، وقد عرفت هذه العملية بموجة التهجير القسرية التي لا يزال يعاني النوبيون من تبعاتها حتى اليوم بسبب نقلهم بالإجبار من أراضيهم ومنازلهم.
ورداً على حملات التنديد آنذاك، راجت دعاية قومية مضادة كان لها تصورات عنصرية تجاه النوبيين من ذوي البشرة الداكنة، لتحريض الناس على تجاهل التهجير الذي حدث لهم.
حيث أعلنت وسائل الإعلام الحكومية أن مشروع إعادة التوطين كان شيئًا جيدًا بالنسبة للنوبيين الفقراء وتطويراً لمجتمعاتهم البدائية، فكانوا يُصورون على أنهم فلاحون متخلفون بحاجة إلى المساعدة.
4- نقل مواقع أثرية وغمر بعضها بالمياه
كل هذا كان بالإضافة إلى الشروع في عمليات نقل مكلفة لمجمع المعابد المصرية القديمة لأبي سمبل، الذي بُني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
وقد قامت حملة اليونسكو في النوبة بحفظ ونقل 22 من المعالم الأثرية والمجمعات المعمارية، مثل معابد أبو سمبل وفيلة وكلابشة وأمادا، التي كانت مهددة بشكل خطير بالفيضانات.
كما تم تسليم بعض المواقع الأثرية إلى دول أخرى ساعدت في عمليات النقل، مثل معبد ديبود ومعبد تافيه ومعبد دندور، وهي المواقع الأثرية التي نُقلت بالكامل إلى مدريد وليدين ونيويورك بالترتيب.
علاوةً على هذا، لا تزال بعض المواقع الأثرية تغمرها بحيرة ناصر حتى اليوم بسبب تعذُّر نقلها.
5- محاسن عديدة، وكثير من العيوب أيضاً!
أدى السد العالي في أسوان إلى إنهاء حقبة فيضانات النيل المدمرة، واستصلاح أكثر من 100.000 فدان من الأراضي الصحراوية للزراعة، وتوفير محاصيل إضافية فوق حوالي 800.000 فدان أخرى.
كما تنتج توربينات السد الـ12 العملاقة السوفييتية ما يصل إلى 10 مليارات كيلوواط/ساعة سنوياً، ما وفر دفعة هائلة للاقتصاد المصري وتطوير العديد من القرى المجاورة.
وبالرغم من النجاحات التي حققها السد العالي، فبحسب موقع History للتاريخ، نتج عنه العديد من الآثار الجانبية شديدة السوء أيضاً.
فكان أكثر تكلفة هو الانخفاض التدريجي في خصوبة الأراضي الزراعية في دلتا النيل، والتي كانت تستفيد من ملايين الأطنان من الطمي التي تترسب سنويًا بسبب فيضانات النيل.
ومن الأضرار الأخرى للإنسان انتشار مرض البلهارسيا عن طريق القواقع التي تعيش في نظام الري العذب الذي أنشأه السد. كما يُشتبه في أن انخفاض المغذيات المنقولة بالمياه المتدفقة إلى البحر الأبيض المتوسط هو سبب انخفاض أعداد الأنشوجة في شرق البحر المتوسط.
وقد أدت نهاية الفيضانات إلى انخفاض حاد في عدد الأسماك في نهر النيل، التي كان كثير منها مهاجرًا.