تدافع اليابانيون حتى الموت لرؤيته! قصة الساموراي الإفريقي “ياسوكي” الذي ساهم في توحيد اليابان

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/04 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/04 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
الساموراي الإفريقي ياسوكي الذي ساهم في توحيد اليابان

في منتصف القرن السادس عشر، كانت اليابان مقسمةً إلى دول متحاربة، فيما يعرف بالتاريخ الياباني بفترة "سينجوكو"، خلال تلك الفترة وصل إلى اليابان رجل أسود البشرة، طويل القامة، ضخم البنية. وعلى الرغم من أنه لم يأت إلى اليابان بإرادته الحرة كونه كان مستعبداً، إلّا أنّه استطاع أن يخلّد اسمه في تاريخ اليابان، ويصبح أول ساموراي أجنبي على أرض الإمبراطورية.

وكان الرجل الذي عرف باسم "ياسوكي" قد وصل لمرتبة الساموراي تحت قيادة القائد العسكري الياباني الشهير أودا نوبوناغا، الذي كان أحد الثلاثة الذين وحدوا اليابان.

ياسوكي الساموراي الإفريقي الذي تدافع اليابانيون حتى الموت لرؤيته

خلال القرن الـ16، بلغت تجارة الرقيق أوجها بعد أن استباحت القوى الغربية القارة الإفريقية، وفي منتصف ذلك القرن جرى استرقاق ياسوكي ( اسمه بعد وصوله إلى اليابان) الذي تختلف المصادر التاريخية حول موطنه الأصلي فيذكر البعض أنه من موزمبيق أو إثيوبيا، في حين تذكر مصادر أخرى أنه من السودان.

عندما استُعبد ياسوكي كان طفلاً صغيراً ليتمّ بيعه لتجار برتغاليين. لاحقاً، مُنح ياسوكي تحرراً نسبيًاً بعد أن اشتراه المبشر الإيطالي أليساندرو فالينيانو، الذي اتخذه حارساً شخصياً نظراً لقوته الجسمانية الهائلة، في رحلته التبشيرية والتجارية إلى اليابان.

في عام 1579، وصل المبشر فالينيانو برفقة حارسه الشخصي ياسوكي لأول مرة إلى مدينة كيوتو عاصمة اليابان في ذلك الوقت، كان الأمر بمثابة حدث لدى اليابانيين لدرجة أنهم تدافعوا حتى الموت لرؤيته، فبحسب ما يذكره المؤرخ لورينس وينكلر: "تسبب وصوله إلى كيوتو، العاصمة آنذاك، في إثارة ضجة كبيرة لدرجة أن الناس تسلقوا بعضهم البعض للحصول على لمحة منه مع سحق البعض حتى الموت". فقد كان غالبية الشعب الياباني، بما في ذلك نوبوناغا، لم يرَوا رجلاً أسود من قبل.

   الساموراي الإفريقي ياسوكي
رسم لـ الساموراي الإفريقي ياسوكي /ويكيبيديا

عند لقاء نوبوناغا، ورد في بعض الروايات أن ياسوكي تم تجريده من ملابسه وفركه، حيث كان نوبوناغا يعتقد أن جلده كان متسخاً.

وصفه زميله الساموراي ماتسودايرا إيتادا، في مذكراته عام 1579: "كان طوله 6 شاكو 2 شمس (حوالي 6 أقدام، 2 بوصات (1.88 م)) … كان أسود، وجلده مثل الفحم".

كان متوسط طول الرجل الياباني في عام 1900 هو 157.9 متر (5 أقدام و 2 بوصات)، لذلك كان من الممكن أن يتفوق ياسوكي على معظم اليابانيين في القرن السادس عشر، عندما كان الناس أقصر منه بكثير بسبب سوء التغذية.

يذكر بعض الروايات التاريخية أيضاً، أن ياسوكي كانت لديه بعض الأفكار المسبقة عن اليابان، كما أنّه لم يجد صعوبة في تعلم اللغة اليابانية، الأمر الذي أدى إلى دخول ياسوكي في خدمة نوبوناغا، وذلك بعد أن أثبت ياسوكي مهارته القتالية وهو يمتطي جواده إلى جانب نوبوناغا في إحدى المعارك، بحسب ما نقله موقع heritagedaily.

وبعد وقت قصير من لقائهما الأول، منح نوبوناغا ياسوكي اسمه الياباني، وقبله في خدمته، وجعله أول أجنبي يحصل على لقب الساموراي. كان ياسوكي أيضاً أحد الأشخاص القلائل الذين تناولوا العشاء مع نوبوناغا، مما أظهر قرب علاقتهما.

ياسوكي المحارب الذي ساهم في توحيد اليابان

عندما وصل إلى اليابان، كانت البلاد متورطة في حرب أهلية وحشية انتهت فقط في عام 1603، فقد شهدت الفترة -المعروفة باسم " عصر الدول المتحاربة "- مئات الرجال الأقوياء من الدول الصغيرة في جميع أنحاء البلاد يتصارعون على السلطة.

تمت استعادة بعض مظاهر السلام عندما سعى أمراء الحرب الإقطاعيون "دايميو"، إلى توحيد اليابان بحسب تقرير لـ BBC.

أصبح نوبوناغا أقوى القادة العسكريين اليابانيين، وذلك بعد أن كان يسيطر على العاصمة كيوتو، ويُنظر إليه على أنه واحد من ثلاثة قادة وحّدوا اليابان جنباً إلى جنب مع إياسو توكوغاوا وهيديوشي تويوتومي.

لكن حتى وقت صعود نوبوناغا، لم يمنع أمراء الحرب الصغار وعصابات الرهبان المسلحين الراديكاليين وقطاع الطرق من التنافس على الأرض، لذا كان نوبوناغا يحتاج إلى حماية ياسوكي.

الساموراي الإفريقي ياسوكي
تمثال يجسد الساموراي الإفريقي ياسوكي /مواقع التواصل

استخدم ياسوكي خبرته العسكرية لحماية نوبوناغا، كما قام بتدريب رجال الميليشيات الآخرين وكما تعلّم بنفسه تقنيات جديدة، بما في ذلك فنون الدفاع عن النفس اليابانية ومهارات السيف؛ مما جعله المقاتل الأشهر بين الساموراي.

في عام 1581، انضم ياسوكي إلى قوات نوبوناغا في غزوهم لمقاطعة إيغا، وفقاً لما ذكره المؤرخ توماس لوكلي الذي ألّف كتاباً عن ياسوكي.

هاجم نوبوناغا المقاطعة المحاطة بالجبال، وهي معقل النينجا مع 40 ألفاً إلى 60 ألف جندي، وغزاها بعد محاولة فاشلة من قبل ابنه نوبوكاتسو في عام 1579، كانت تلك أول حملة عسكرية لياسوكي تحت قيادة نوبوناغا بحسب الموسوعة البريطانية.

ياسوكي الساموراي الذي حمى رأس سيده 

في يونيو/حزيران 1582، كان ياسوكي أمام موعد مع حملته العسكرية الثانية والأخيرة مع نوبوناغا، عندما هاجم ميتسوهيدي أكيتشي الذي كان أحد جنرالات نوبوناغا، مقر إقامة نوبوناغا في كيوتو بحسب تقرير لـ CNN.

وضع الهجوم، الذي أطلق عليه ما عُرف باسم معركة "معبد هونو-جي"، حداً لخطط نوبوناغا لتوطيد سلطته في اليابان.

ففي طريقه إلى معركة في عام 1582، تعرض نوبوناغا لكمين من قبل الجنرال أكيتشي ميتسوهيدي، في حادثة عرفها التاريخ الياباني باسم هونو-جي، فقد قُتِل نوبوناغا غدراً في معبد هونو-جي في 21 يونيو /حزيران 1582.

 يذكر لوكلي أن أكيتشي وجنوده كانوا متجهين إلى ساحة المعركة، لكنهم استداروا وهاجموا نوبوناغا، ويضيف: "كان مع نوبوناغا 30 رجلاً، وكان لدى أكيتشي 13 ألف رجل، لذا كان الأمر مفروغاً منه"، وقد كان ياسوكي بالطبع أحد الرجال الثلاثين مع الزعيم الياباني.

الساموراي الإفريقي ياسوكي
رسم توضيحي لنوبوناغا الذي كان الساموراي الإفريقي ياسوكي يقاتل معه / ويكيبيديا

كان نوبوناغا في معبد هوني-جي وقت الكمين؛ لذا اختار الموت بشرف على الاستسلام أو الموت على يد الجنرال الذي خانه، فقام نوبوناغا بأداء "سيبوكو"، وهو نوع من طقوس الانتحار التي تنطوي على شق البطن، والتي تعتبر وسيلة للاحتفاظ بالشرف حتى في حالة الهزيمة.

قال لوكلي: "كان هذا انتصاره الأخير". بدلاً من القتل، فإن أداء سيبوكو يرسل رسالة مفادها أن المرء يتحكم في موته. 

كان ياسوكي في المعبد مع نوبوناغا عندما أدى سيبوكو، وكان أمر نوبوناغا الأخير لياسوكي أن يأخذ سيفه ورأسه المقطوع إلى ابنه.

لذا كانت مهمة ياسوكي الأخيرة بجانب نوبوناغا هي حماية رأسه وسيفه من السقوط في يد الأعداء، وهو ما فعله ياسوكي.

بعد وفاة نوبوناغا، لا تذكر المصادر التاريخية عن نشاط ياسوكي الكثير، فوفقاً لغاري ليوب، أستاذ التاريخ في جامعة Tufts، تم أسر ياسوكي من قبل أعداء نوبوناغا، ولكن تم إطلاق سراحه لاحقاً لأنه لم يكن يابانياً.

بعدها أصبح ياسوكي "رونين" وهو مصطلح ياباني يطلق على الساموراي الذي فقد سيده، سواء كان سيده قد قُتل أو تخلَّى عنه.

ومباشرة بعد وفاة نوبوناغا، انضم ياسوكي إلى نوبوتادا، وهو ابن نوبوناغا في محاولة للانتقام لسيده، ولكن نوبوتادا هُزم أيضاً من قبل ميتسوهيدي.

بعد هزيمته، اصطحب رجال ميتسوهيدي ياسوكي إلى دار التبشير اليسوعي. ولم يعرف عنه شيء بعد هذه الحادثة.

بعد 500 سنة من وفاته، ياسوكي في الأفلام والأنمي

ألهمت حياة ياسوكي كساموراي أسود المؤلفين ومنتجي الأفلام، إضافة إلى أشكال أخرى من وسائل الإعلام، ففي عام 1968، نشر كورسو يوشيو كتاب كورو سوكي، وهو كتاب للأطفال يسلط الضوء على حياة ياسوكي، وظهر أيضاً في أنمي "هيوجي مونو" الذي صدر في 2011.

كما ظهر ياسوكي في ألعاب الفيديو، بما في ذلك لعبة الفيديو Nioh، وفي 2019 تمّ الإعلان عن فيلم من بطولة تشادويك بوسمان الذي يؤدي دور ياسوكي، قبل وفاة الممثل في عام 2020.في عام 2021، تم إطلاق سلسلة الرسوم المتحركة ياسوكي من إنتاج منصة نتفليكس، تروي قصة خيالية تتميز بالسحر والروبوتات، حول ما حدث لـ ياسوكي بعد عام 1582 بحسب تقرير لمجلة time.

تحميل المزيد