عندما تُذكر سيرة عصابات شيكاغو، لا بد من ذكر رجل العصابات الأسطوري آل كابوني، وقصة سيطرته على عالم الجريمة، ولكن نادراً ما يتم ذكر شخصية مهمة ساعدت آل كابوني، في تحقيق كل ذلك، وهو ذراعه اليمين وابن عمه "فرانك نيتي".
فرانك لم يكن أقل قوة ودهاءً من آل كابوني، وساعده لبناء إمبراطورية إجرامية، ترأسها بنفسه بعد سجن آل كابوني، توغلت في جميع أنواع الأنشطة غير القانونية من تهريب الكحول خلال فترة الحظر، إلى جرائم القتل، وغسيل الأموال، ورغم كل هذه القوة والنفوذ تمكن منه خوفه من الأماكن المغلقة، ليقوم بالانتحار خوفاً من السجن.
بداية صعود فرانك نيتي في عالم الجريمة وعصابات شيكاغو
وُلِدَ فرانشيسكو رافاييل نيتو في إيطاليا في 27 يناير/كانون الثاني 1888، وهاجر إلى الولايات المتحدة في سن الثانية عشرة، واتخذ الاسم الأمريكي فرانك نيتو. كانت وسائل الإعلام تشير إليه دائماً باسم نيتي، واستقرت عائلته في بروكلين.
انتقل فرانك نيتي إلى شيكاغو عام 1913، وعمل حلاقاً، لكنه سرعان ما انخرط في الأعمال الجانبية لسرقة الجواهر، وتهريب البضائع المسروقة والمشروبات الكحولية.
في ذلك الوقت كان "جوني توريو" اسماً بارزاً في عالم الجريمة، وسيطر على عصابات شيكاغو، والتي كانت لا تزال في بدايات نشاطها. انضم آل كابوني إلى عصابة توريو وترقّى فيها وأصبح من الأشخاص المُميزين بها. وكان هو وسيلة دخول فرانك نيتو إلى عالم الجريمة المنظمة.
وفي عام 1919، حظرت السلطات الأمريكية بيع المشروبات الكحولية وتصنيعها، بهدف التوعية من خطورة الإدمان على تعاطي تلك المشروبات، ولأن "الممنوع مرغوب"، أسفر الحظر عن نتائج عكسية، فانتشرت العصابات وزاد نشاط عالم الجريمة، وسطع نجم عصابة توريو ومساعده آل كابوني.
تلك العصابة تفوقت على كل عصابات شيكاغو، وامتد نفوذها لولايات أمريكية أخرى، وارتكبت كل الجرائم الممكنة، من تجارة المشروبات الكحولية المحظورة وقتها، إلى حرب العصابات والشوارع، وصولاً إلى القتل.
في عام 1925 تقاعد توريو، وأصبح آل كابوني زعيم الجريمة المنظمة في شيكاغو، يُتاجر بالمشروبات الكحولية ويدير أنشطة القمار والدعارة غير الشرعية، ويُوسع أراضيه ونطاق نفوذه من خلال قتل منافسيه من العصابات الأخرى، وكما اعتمد تريو على كابوني، اعتمد كابوني على فرانك نيتي.
كان دور فرانك نيتي، هو إدارة التدفق النقدي لأعمال عصابة آل كابوني، ولأن جميع الأنشطة كانت غير قانونية كان التعامل كله يتم نقداً، وهنا برزت قدرة نيتي الذي كان منظماً وذكياً من الناحية المالية، والذي حرص على عدم وجود خيوط تؤدي لإدانتهم.
سجن آل كابوني وتولي فرانك نيتي السيطرة على عالم الجريمة
ربما لم تستطع السلطات الأمريكية إدانة آل كابوني بجرائم القتل وتهريب المشروبات الكحولية وغيرها من الأنشطة الإجرامية، لكنها كانت تعتمد على وسيلة أخرى لوضع أفراد عصابات شيكاغو وغيرها من عصابات في السجن، ألا وهي تهمة التهرب الضريبي.
فرغم كل الحيل لإخفاء الأدلة كان نمط الحياة الباذخة التي يعيشها زعماء عصابات شيكاغو، يجعل عملاء مصلحة الضرائب يدققون في نشاطاتهم المالية، ويجدون ثغرات لإدانتهم بتهمة التهرب الضريبي، وهذا ما حصل مع آل كابوني، فتم إدانته وحُكم عليه بالسجن 18 شهراً.
ولم يكن هناك شخص يثق به آل كابوني ليدير عصابته أكثر من فرانك نيتي، وقد كان فعلاً، تمكن نيتي من إدارة تهريب المشروبات الكحولية من كندا حتى شيكاغو، ليحقق ملايين الدولارات، ولم يكن فرانك نيتي أقل قساوة من كابوني، فعمل على تصفية أية منافسة من عصابات شيكاغو الأخرى.
الملايين لم تعد تكفي فكان الحل ابتزاز استوديوهات هوليوود
بحلول عام 1935، كانت الشؤون المالية لفرانك نيتي في حالة من الفوضى. كان دخله غير القانوني كبيراً، لكنه أهدر قدراً هائلاً منه على القمار. لذلك، قرر ابتزاز صناعة السينما في هوليوود.
في العصر الذهبي لهوليوود، كانت صناعة السينما الإوزة التي تبيض ذهباً لرؤساء العصابات، فقد استطاعوا ابتزاز الاستوديوهات وشركات الإنتاج بالسيطرة على نقابات العمال.
قد يؤدي الإضراب إلى إحداث فوضى في جداول التصوير والميزانيات، ما يجعل الاستوديوهات تحت رحمة العصابات.
وإذا لم ينجح ذلك، كانت العصابات تقوم بإشعال الحرائق في المسارح ودور السينما، في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ما تسبب في خسائر كبيرة للاستوديوهات. وبذلك أصبحت هوليوود في قبضة العصابات الخانقة.
تمكن فرانك نيتي من مساعدة رجل يدعى "جورج براون"، للحصول على منصب رئيس الاتحاد الوطني للإشراف على صناعة الأفلام، وتعيين "ويلي بيوف" مساعد "فرانك نيتي" ليصبح الممثل الخاص لجورج براون.
نظم براون وبيوف إضراباً كبيراً لعمال صناعة السينما في نيويورك، فاضطرت إحدى شركات الإنتاج لدفع ما مجموعه 87 ألف دولار مقابل إنهاء الإضراب. وفي صفقة أخرى مع رجال العصابات دُفع 150 ألف دولار مقابل ضمان عدم الإضراب لمدة 7 سنوات.
وعلى الرغم من أن هذه الاستوديوهات تبدو أنها ضحية الابتزاز، لكنها كانت تفضل أن تدفع للعصابات تلك الأموال، لضمان عدم مطالبات العمال بأية زيادات في الأجور.
ولم يمض وقت طويل قبل أن يطرق براون وبيوف أبواب رؤساء الاستوديوهات، ويطالبوا بالمزيد من المال. في أبريل/نيسان 1936 ذهب كل من جورج براون وويلي بيوف لرؤساء الاستوديوهات في هوليوود، وطالبوهم بدفع "مليوني دولار سنوياً من صناعة الأفلام السينمائية".
وسرعان ما اكتشفت مصلحة الضرائب المبالغ التي يتم تحويلها في سجلات شركات الإنتاج في هوليوود، وتم إلقاء القبض على بيوف وبراون، فقررا أن يصبحا شهوداً للحكومة، وأدت شهادتهم إلى توجيه لائحة اتهام لسلسلة من رجال عصابات شيكاغو، بما في ذلك فرانك نيتي.
خوفه من الأماكن المغلقة ودخول السجن دفعه للانتحار
كان نيتي خائفاً من فكرة الحبس في السجن بسبب خوفه من الأماكن المغلقة، كما ترددت شائعات أنه كان يعاني من مرض السرطان. لهذه الأسباب، أو ربما لأسباب أخرى، قرر أن ينتحر، وفي 19 مارس/آذار 1943 في اليوم السابق للظهور أمام المحكمة، تناول نيتي الإفطار مع زوجته في منزلهما، وبينما كانت زوجته تغادر، أخبرها فرانك أنه يعتزم المشي. وبمجرد مغادرتها، حمل مسدسه وتوجه إلى ساحة القطارات القريبة من منزله.
بعد لحظات من وصوله، سُمع صوت طلقتين، كان نيتي يحاول إطلاق النار على رأسه. ولكن يبدو أنه لم يصوب بطريقة صحيحة، وتم العثور على فتحتين من الرصاص في قبعته. ولكن بعد ذلك جلس نيتي بثبات على الأرض في مواجهة سياج، وأطلق رصاصة أسفل فكه لتخرج من أعلى رأسه.
عندما توفي نيتي كان عمره 62 عاماً، وكان أقوى زعيم عصابات في شيكاغو، ولكنه فارق الحياة جالساً في الوحل في ساحة قطارات.