خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان عام 1835 كان المئات من "الماليز"، وهي التسمية التي كانت تُطلق على العبيد المسلمين في البرازيل، يجوبون شوارع مقاطعة باهيا، مسلحين بأسلحة بيضاء، ويرتدون أزياءهم التقليدية، متجهين لتحرير قادتهم من السجن، والذين خططوا للثورة ضد ظلم واضطهاد المسلمين من قِبل البيض.
لكن وشاية زوجة غاضبة تسببت في سجنهم، وربما كشف مخططات الثورة كلها، وكانت النتيجة مأساوية، بمقتل العشرات من الثوار، وتعذيب أولئك الذين نجوا منها، وحتى العبيد الذين لم يشاركوا في الثورة.
التخطيط لثورة "الماليز" في البرازيل
كان عدد سكان مدينة سلفادور، عاصمة باهيا، في عام 1835، 65 ألف نسمة، 40% منهم كانوا إما عبيداً أو عبيداً سابقين حصلوا على حريتهم، وأغلبهم من ثقافات وأصول إفريقية متنوعة، بما في ذلك الكثير من المسلمين، أما بقية السكان فكانوا مجموعة من المستعمرين البرتغاليين والأوروبيين.
لم يعرف العبيد المسلمون في البرازيل القراءة والكتابة باللغة العربية فحسب، بل كانوا على دراية جيدة بمجالات المعرفة المتنوعة، وكان العديد منهم من الحرفيين المهرة، مثل صانعي الأحذية والحدادين والنجارين، وكان يُطلق عليهم اسم "الماليز".
كان بعض الماليز قادرين على كسب المال، وإعطاء جزء كبير منه لأسيادهم البيض، لكنهم تمكنوا أيضاً من شراء حريتهم والعيش في المدينة بشكل طبيعي، أو هذا ما كانو يظنون.
فهم وإن كانو أحراراً وأصحاب مهن وعلى قدر من الثقافة عاشوا حياتهم يعانون من العنصرية والاضطهاد والظلم، بل ومُنع الكثير منهم من ممارسة طقوسهم الدينية، وتمت مصادرة المصاحف من بعضهم.
وعقدوا اجتماعات التحضير للتمرد في أماكن مختلفة في المدينة، وجمع القادة المسلمون الأموال لشراء أسلحة، وكتبوا خططاً باللغة العربية حتى لا يتم اكتشافها، بل كسبوا تعاطفاً وموالين للثورة القادمة من غير المسلمين، سواء أكانوا من العبيد أو العبيد السابقين، ومعهم حتى بعض السكان الأصليين للبرازيل الذين تعرضوا جميعاً للتهميش.
وكان الكثير منهم متقبلين للتعاليم القرآنية التي تعاطفت مع المجموعات المهمشة، الذين احترموا وأعجبوا إلى حد كبير بأفكار المسلمين في البرازيل.
تسريب خطة ثورة الماليز بسبب زوجة غاضبة
كان من المقرر أن يبدأ التمرد في 25 يناير/كانون الثاني، والذي كان يصادف العشر الأواخر من شهر رمضان، واختار القادة يوم ليلة القدر لانطلاق الثورة، لكن حدث ما لم يكن بالحسبان.
كانت "سابينا دا كروز" عبدة محررة، تشاجرت مع زوجها "فيتوريو سولي"، أحد قادة الثورة، وقبل الثورة بيوم واحد ذهبت للبحث عنه فوجدته في منزل مع العديد من منظمي التمرد الآخرين.
حين علمت "سابينا" بالخطة ذهبت لتخبر صديقتها، التي كانت أيضاً من العبيد المحررين، والتي بدورها ذهبت وأخبرت امرأة من البيض بالذي سيحصل غداً، ومن الطبيعي أن تخبر زوجها، الذي أخبر السلطات بالخطة وأسماء قادة تلك الانتفاضة التي ستحدث.
فاعتُقلوا جميعاً، وبدأت مطاردة جميع المتورطين، فقرر الثوار بدء ثورتهم بشكل متعجل.
فارتدوا أزياءهم الإسلامية، وحملوا الأسلحة البيضاء، وتوجه حوالي 600 من "الماليز" نحو السجن لتحرير قادتهم.
ولكن بسبب أسلحتهم الرديئة، وعدد جنود المشاة الذي يفوق عددهم، والذين أصبحوا يعلمون بالخطة انتهى الأمر بمذبحة للماليز على يد قوات الحرس الوطني والشرطة والمدنيين البيض المسلحين، فقتل 9 من القوات الحكومية وحوالي 70 من الثوار.
فشل ثورة الماليز ونجاح مطالبها بعد 50 عاماً
بعد فشل ثورة الماليز تمت محاكمة المئات من العبيد المسلمين، وحُكم على بعضهم بالسجن والأعمال الشاقة، أو الجلد أو الإعدام، أو النفي، وكان الكثير منهم لا يوجد أي دليل على مشاركتهم في الثورة.
وكانت الضغوط الاجتماعية والمخاوف المرتبطة بثورات العبيد، والتي كانت انتفاضة مالي أكبرها في الأمريكتين، عاملاً مساهماً في إصدار قانون إيقاف استيراد العبيد من إفريقيا في عام 1850، وفي النهاية إلغاء العبودية في البرازيل عام 1888.
وبحسب موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير نشره الأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول 2022، فإن الجالية الإسلامية في مدينة سلفادور، بولاية باهيا البرازيلية، تضغط على جامعة هارفارد الأمريكية من أجل استعادة جمجمة رجل مستعبد، يُزعم أنه شارك في ثورة الماليز.