ظهر فجأة واختفى فجأة.. وباء “مرض النوم” الغامض الذي حول ضحاياه إلى “تماثيل حية”

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/14 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/14 الساعة 14:03 بتوقيت غرينتش
flickr/ مصاب بمرض النوم

كان ضحايا مرض النوم، في تزايد سنة تلو الأخرى، من بضعة مئات في بداية سنة عام 1917، حتى قفز عددهم إلى 10 الآف في عامي 1920 و1924، وحتى عام 1927، أصاب المرض ما بين 5 ملايين و10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم.
ولم يختفِ وباء مرض النوم حتى حصد حياة نصف مليون إنسان، وترك الآلاف أحياءً ولكن في حالة نوم إلى الأبد، أو مع أعراض دائماً، ولم ينج منه سوى ثلث المصابين.
وحتى اليوم وبعد مرور أكثر من 100 عام من بداية ظهور المرض، ورغم محاولات الأطباء تقديم إجابات حاسمة عن السبب الحقيقي وراء هذا المرض، أو كيفية علاجه، لا يزال مرض النوم، أحد ألغاز التاريخ الطبية.

الإنفلونزا الإسبانية غطت على وباء مرض النوم

في أعقاب الحرب العالمية الأولى انتشر في أوروبا والعالم، وباء الإنفلونزا الإسبانية، وتسب بهذه الجائحة نوع خبيث ومدمر من فيروس الإنفلونزا "H1N1″، تميز بسرعة العدوى وشدة الأعراض، فأصاب حوالي 500 مليون شخص.

مرض النوم
ضحايا الإنفلونزا الإسبانية / Wikimedia Commons


وراح ضحية هذا الوباء، ما بين 50 إلى 100 مليون شخص، أي ما يعادل ضعف المتوفين في الحرب العالمية الأولى.
في الوقت نفسه كان هناك وباء خفي آخر ينتشر بصمت، ولم يحظ بالاهتمام نفسه رغم أنه أصاب الآلاف، لأن أعراضه كانت مشابهة لكثير من الأمراض الأخرى، واختلفت من شخص لآخر، لذا لم يكن الأطباء على معرفة بما كانوا يواجهونه، فكان يتم تشخيصهم بأمراض مختلفة مثل التهاب السحايا والتصلب المتعدد والهذيان.
وفي أواخر عام 1916، وأثناء علاج المرضى في عيادة الأمراض النفسية والعصبية بجامعة فيينا، قام الدكتور كونستانتين فون إيكونومو، بملاحظة الأعراض المختلفة عند المصابين، فقرر أن "مرض النوم"، كان مرضاً منفصلاً وجديداً لم يعرفه الطب حينها.

لاحقاً توصلت عمليات التشريح التي أجراها فون إيكونومو، إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للوفاة كان تضخم جزء صغير من الدماغ يلعب دوراً حيوياً في التحكم في العديد من الوظائف، من بينها النوم بسبب الالتهاب، ما يسبب تلف هذا الجزء من الدماغ، لذلك أُطلق على المرض، التهاب الدماغ السباتي أو التهاب الدماغ الخامل.
وكتب الطبيب فون إيكونومو ورقة بعنوان "التهاب الدماغ السباتي"، قدم فيها وصفاً شاملاً للمرض، ولم يمض وقت طويل قبل أن يرتبط اسمه بالمرض الجديد، وأصبح التهاب الدماغ الخامل معروفاً في فيينا باسم مرض فون إيكونومو.

مرض النوم
ترك مرض النوم بعض الناجين يعانون من أعراض دائمة / Wikimedia Commons

وقال: "نحن نتعامل مع نوع من مرض النوم، لدينا مسار طويل بشكل غير عادي، عادة ما تكون الأعراض الأولى حادة، مصحوبة بصداع وتوعك، ثم تظهر حالة من النعاس، وغالباً ما ترتبط بالهذيان النشط الذي يمكن للمريض أن يستيقظ منه بسهولة.
ويمكن أن يؤدي هذا النعاس والهذيان إلى الموت بسرعة أو على مدار أسابيع قليلة. ويمكن أن يستمر دون تغيير لأسابيع أو حتى أشهر، مع فترات نوم تستمر من أيام أو حتى أطول، والتقلبات من النعاس البسيط إلى أعمق ذهول أو غيبوبة".

 تشير معظم الروايات إلى أن أكثر من ثلث المصابين توفوا بسبب المرض، بينما نجا حوالي 20% منهم، لكنهم كانوا بحاجة لرعاية طبية، وبقي الكثير منهم يعاني من الأعراض. ولم يتعاف بشكل كامل سوى أقل من الثلث.

أعراض مرض النوم أو التهاب الدماغ السباتي

خلال فترة انتشار وباء مرض النوم، زادت علامات المرض وتنوعت أعراضه بسرعة، بحيث تم وصف 28 نوعاً مختلفاً، وتميز التهاب الدماغ الخامل أو مرض النوم بمراحل حادة ومزمنة.
خلال المرحلة الحادة، عانى المرضى عادةً من النعاس المفرط، واضطرابات حركية في العين، والحمى، واضطرابات الحركة، وكانت تظهر مع نوبات يومية، وحتى متباعدة بساعات، وكانت تتميز في الغالب بعلامات شبيهة بمرض باركنسون.

في حالات أخرى كانت أعراض مرض النوم أو التهاب الدماغ الخامل تشبه أعراض الأنفلونزا، بما في ذلك الشعور بالضيق، والحمى منخفضة الدرجة، والتهاب البلعوم، والرعشة، والصداع، والدوار، والقيء.
يتبع ذلك أعراض عصبية ويمكن أن تظهر بسرعة كبيرة، كما في حالة الفتاة التي عانت من شلل نصفي مفاجئ أثناء عودتها إلى المنزل من حفلة موسيقية، في غضون نصف ساعة كانت نائمة وتوفيت بعد 12 يوماً.

خلال 10 سنوات انخفضت أعداد الإصابات بشكل كبير، حتى اختفى المرض فجأة مثلما ظهر فجأة، ولغاية اليوم لا يُعرف أبداً ما إذا كان وباء مرض النوم أو التهاب الدماغ السباتي ناتجاً عن عدوى، أو استجابة غير عادية لعامل جرثومي، أو ملوث عصبي، أو بعض المحفزات غير العادية الأخرى. 

تحميل المزيد