جاعوا فأكلوا القطط والكلاب، ثم قتلوا الأطفال وطبخوهم.. مجاعة الموصل 1917 ومآسيها

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/20 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/20 الساعة 19:42 بتوقيت غرينتش
جماجم بشرية \ shutterstock

في السنوات التي سبقت عام 1917، كانت الظروف السيئة تتراكم، لتتسبب بواحدة من أبشع الكوارث الإنسانية في تاريخ مدينة الموصل في العراق، والتي أُطلق عليها لاحقاً اسم "مجاعة الموصل". كان الموسم الزراعي تلك السنة يواجه صعوبات كثيرة بسبب قلة الأمطار في المنطقة كلها، التي كان اسمها ولاية الموصل في ظل حكم العثمانيين.

ومع موجات برد شديدة ضربت المنطقة، أدت إلى موت أعداد كبيرة من الماشية، وإتلاف معظم المنتجات الزراعية القليلة التي نجت من موسم الجفاف.

 وما زاد الطين بلة، كانت المدينة أصلاً تغصّ بآلاف المهاجرين القادمين من شرق تركيا وشمال العراق من المناطق الكردية، بعد وقوع مذابح في مناطقهم، في نهاية الحرب العالمية الأولى.

 لينتج عن ذلك كله أحداث جسَّدت الضعف البشري في أبشع حالاته، وقصص مفزعة بقيت محفورة في ذاكرة مدينة الموصل وسكانها إلى اليوم.

مجاعة الموصل وجثث على جانبي الطريق

بدأت ظروف المجاعة تتشكل شيئاً فشيئاً في نهاية عام 1917، في البداية ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، وقام ميسورو الحال ببيع أواني الفضة مقابل شراء قليل من الحنطة، حتى سُمي ذلك العام عام "غلاء الليرة".

مجاعة الموصل
سوق في الموصل القديمة \Wikimedia Commons

وكانت الكارثة الحقيقية لا تزال على الأبواب، في أوائل عام 1918 كانت آثار المجاعة بدأت تظهر بشكل مفزع، وشملت الموصل والمنطقة الواسعة التي تقع إلى الشمال منها حتى بحيرة "وان".

وأخذت جموع الجياع تهجر ديارها، وتتجه نحو مدينة الموصل بحثاً عن الطعام، لأنها كانت تعتبر مركز الولاية، فكان بعضهم يموت في الطريق، والبعض الآخر بعد أن يصلوا هناك ولا يجدوا من يساعدهم ولا يجدوا طعاماً يسدوا به جوعهم، يموتون في أزقة مدينة الموصل دون أن يجدوا من يدفنهم.

يذكر عبد العزيز القصاب في مذكراته، حين كان يشغل منصب قائم مقام مدينة سامراء أثناء حكم العثمانيين في العراق، ما شاهده في الطريق بين حلب والموصل عند قرية "دمير قبو"، أنه رأى جثث البشر ملقاة على جانبي الطريق بكثرة لا يمكن وصفها، وعند دخوله القرية وجد الجياع منتشرين فيها وهم لا يتمكنون من الحركة لشدة الجوع.

وشاهد جثة حيوان وقد اجتمع حولها زهاء 50 جائعاً، وكل واحد منهم يقص شيئاً من لحم الجثة، ثم ينسحب ليحل محله جائع آخر.

ويذكر القصاب أيضاً عن آثار مجاعة الموصل، أن مأموري البلدية كانوا يتجولون في كل صباح ومساء ومعهم عمال، ليجمعوا جثث الأموات من الطرقات.

 وكان العمال، كأنهم يجمعون الحطب والنفايات، فلقد كانت الجثث يابسة خفيفة الوزن، لم يبقَ منها سوى الجلد والعظم بسبب الجوع، وكان عامل البلدية، يضع 4 جثث في سلته ويحملها على ظهره، كما يلتقط الخشبة الصغيرة.

ويضيف "القصاب" في مذكراته : "كنت أثناء مكوثي في الموصل أطوف في شوارع المدينة وازقتها، أشاهد الفقراء والمهاجرين من خارج المدينة منتشرين في الطرق والأسواق.

والبعض منهم، كانوا يتخفون قرب دكاكين البقالين والخبازين يتصيدون المشترين، فما إن يشتري شخص ما لوازمه من الدكان، سواءً اشترى خبزاً أو سمناً أو غير ذلك.

 حتى يخرج الجياع عليه، ويهاجموه ويسلبوه كل ما اشترى، وكان بعض هؤلاء الجياع، يتقاتلون فيما بينهم، ويغتصب كل واحد منهم اللقمة من فم رفيقه، ويدخلها الى فمه بطريقة لم أر مثلها طوال حياتي".

أكلوا القطط والكلاب وجيف الحيوانات

تذكر الدكتورة عروبة جميل محمود، أستاذة التاريخ في جامعة الموصل في رسالة الدكتوراه التي كتبتها بعنوان "الحياة الاجتماعية في الموصل 1834 – 1918م":

مجاعة الموصل
حيوانات ميتة بسبب الجفاف \ shutterstock

"بلغ أمر مجاعة الموصل، درجات الموت المحقق لأغلب أهالي المدينة، مما دفع بعضهم إلى أكل لحوم الكلاب والقطط، فضلاً عن تجميع دماء الذبائح لغرض تجميدها وتناولها طعاماً".

وتضيف الدكتورة عروبة: "وصل الحال أن طارد الجياع القطط والكلاب في الشوارع، وسرى الجوع على الحيوانات فمات الآلاف منها، وكثيراً ما كان الرجال والنسوة الفقراء، يتسابقون إلى أخذ اللحم من جثث الحيوانات النافقة.

بعد أن يطردوا عنها الكلاب الجائعة ليقطعوا من لحومها ويأكلونها لعلهم يسدوا رمقهم تخلصا من الجوع".


سفاح الموصل الذي طبخ لحوم الأطفال وباعها في دكانه

أثرت مجاعة الموصل تأثيراً خطيراً في المجتمع، إذ لم يعد هناك حدود لما يمكن أن يرتكبه شخص جائع لينقذ نفسه من الموت.

وربما يتجسد الأثر المرعب لمجاعة الموصل، والقصة التي عكست مدى وحشية المجاعة، ما قام به شخص يدعى "عبود بن علي جاويش" بالتعاون من زوجته المدعوة "خجاوة".

كان الزوجان يمتلكان دكاناً لبيع الطعام، وفي بداية مجاعة الموصل كان الناس تشتري الحساء المطبوخ من دكان "عبود"، ولم يستغرب الكثيرون من توفر اللحم في الحساء الذي يبيعه.

ولكن بعد أن اشتدت المجاعة واختفت اللحوم من الأسواق، بدأ الناس يتساءلون عن سبب وجود اللحم بشكل يومي في دكان "عبود"، ولم يختفِ منه أبداً.

فأخبروا السلطات المختصة، وبعد التحري وجدت الشرطة العشرات من جماجم وعظام أطفال، مدفونة في حفرة عميقة في منزل "عبود".
وفي المحكمة اعترف الزوجان بجريمتهما، وعند سؤالهما عن كيفية إقدامهما على هذه الجريمة؟ أجابا أنهما مع بداية مجاعة الموصل، قاما باصطياد القطط وأكلها، إلى أن نفدت القطط من المدينة، ثم قاما بأكل الكلاب التى نفدت أيضاً.

فقررا قتل جارتهما العجوز وأكلها، ثم فكر الزوجان بأكل لحوم الأطفال، فأرسلا ابنهما ليستدرج طفلاً من المنطقة، وقاما بذبحه وأكل لحمه، ثم فكرا أن يقوما بذبح الأطفال وبيع لحومهم في دكانهما.

ﺣﻜﻤﺖ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺒﻮد وزوﺟﺘﻪ خجاوة ﺑﺎﻹﻋﺪام ﺷﻨﻘﺎً في ميدان عام. وكانت تلك واحدة من أشهر وأفظع مآسي مجاعة الموصل.

تحميل المزيد