ابتكر البشر على مر التاريخ أساليب وحشية للغاية لقتل بعضهم البعض، ولم يكن الإعدام مجرد عملية يفقد فيها المُدان حياته، فقد كان بالغالب يعذب حتى يتمنى الموت، ومن بين تلك الأساليب القاسية في الإعدام سنحدثكم اليوم عن "السكافيزم" الذي انتشر في بلاد فارس القديمة:
التاريخ المروّع لـ" السكافيزم"
اشتُقَت كلمة سكافيزم (Scaphism) من الكلمة اليونانية "skáphē" التي تُترجَم حرفياً إلى "تجويف" أو "قبر"، ويعتبر أسلوب السكافيزم واحداً من أكثر أساليب الإعدام رعباً على الإطلاق.
ابتكر هذا الأسلوب في الإمبراطورية الفارسية عند حوالي عام 500 قبل الميلاد.
وتُعرَف وسيلة الإعدام القديمة هذه أيضاً باسم "القوارب"، لأنَّ الضحايا كانوا يُوضعون داخل جذعين مجوفين أو زورقين متقابلين قبل أن يعانوا حتى الموت.
كانت أجساد الضحايا تظل عالقة في الداخل ولا يبرز إلا أطرافهم ورؤوسهم، وكانوا يُجبَرون على تناول اللبن والعسل، الأمر الذي يعرضهم للإسهال بشكل دائم.
وكان الجلادون يدهنون وجه الضحية بالعسل، لاجتذاب الحشرات التي لا تتغذى فقط على وجوه السجناء، بل وتدخل أجسادهم لتلتهمهم من الداخل إلى الخارج أيضاً.
17 يوماً من العذاب
جاء أول ذكر تاريخي للسكافيزم في أعمال الفيلسوف اليوناني الروماني بلوتارخ. لكن من المهم ملاحظة أنَّه لا يوجد دليل ملموس على وجود هذا الأسلوب في الإعدام، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأدلة ربما قد تكون اختفت منذ زمن طويل، خاصة أنه قد مضى الآن ألفا عام على تاريخ استخدام السكافيزم للمرة الأولى.
وكان بلوتارخ نفسه قد رأى عملية إعدام كهذه بعدما قتل جندي يُدعى ميثريداتس أخ الملك ارتحشستا الثاني، كورش الأصغر.
وفي حين كان ميثريداتس قد منع كورش من الإطاحة بالملك وكان ارتحشستا ممتناً لذلك، طلب ارتحشستا أن يبقى ذلك سراً، وأن يخبر الآخرين أنَّه هو الذي قتل كورش.
لكنَّ ميثريداتس نسي هذا العهد وتفاخر بينما كان ثملاً بقتل كورش بنفسه خلال إحدى المآدب. وحين سمع الملك ارحتشستا بذلك، حكم عليه بالموت بالسكافيزم لخيانته، وطلب أن يموت ببطء. وفي نهاية المطاف، عانى ميثريداتس 17 يوماً من السكافيزم قبل أن يموت.
وشرح بلوتارخ بالتفصيل كيف أنَّ هذا المزيج من اللبن والعسل كان يُسكَب على وجه الضحية الذي تقرَّح في الشمس مع استمرار التعذيب لأيام.
في البداية، كان الذباب فقط ينجذب إلى الضحية. لكن لأنَّ السجين كان يستمر في التغوط داخل الزورقين المنطبقين وجهاً لوجه وفي التقيؤ كذلك، بدأت الحشرات تزحف إلى الداخل عبر الفتحات.
ووفقاً لما ورد في موقع All That's Interesting الأمريكي، كتب بلوتارخ: "حين يكون الرجل ميتاً بشكل واضح ويُرفَع القارب العلوي، وجدوا أنَّ لحمه قد التُهِم، وأنَّ أسراب هذه الكائنات المزعجة تفترسه. وبهذه الطريقة مات ميثريداتس أخيراً بعد معاناة لـ17 يوماً".
الموت بالقوارب
قدَّم جوان زوناراس تفاصيل أكثر عن أهوال السكافيزم في القرن الثاني عشر. وفي حين قدَّم زوناراس هذه الملاحظات استناداً إلى مشاهدات بلوتارخ فقط، رأى المؤرخ البيزنطي أنَّ قدماء الفرس "يتفوقون على جميع البرابرة في الوحشية المروّعة لعقوباتهم" التي ظهرت بعد ذلك.
وأوضح زوناراس أيضاً أنَّ القاربين كانا يُثبَّتان معاً بإحكام باستخدام المسامير لضمان ألا يكون هناك مهرب. وكتب: "وبعد ذلك يسكبون مزيجاً من اللبن والعسل على فم الرجل المسكين، حتى يمتلئ لدرجة الغثيان، ويلطخون وجهه وقدميه وذراعيه بنفس المزيج، ويتركونه مُعرَّضاً للشمس".
وأضاف: "يُكرَّر ذلك كل يوم، ويتمثَّل التأثير في انجذاب الذباب والدبابير والنحل بسبب الحلاوة، وتستقر على وجهه حيث تُعذِّب وتلسع الرجل المسكين. علاوة على ذلك، يتقيأ فضلات سائلة من معدته بسبب انتفاخها بالحليب والعسل، وهذا العفن يولد أسراباً من الديدان والديدان المعوية ومن كل الأنواع".
وفيما يبدو أنَّ الوضع لا يمكن أن يسوء، يُزعَم أنَّ الجلادين كانوا يسكبون أكواماً إضافية من اللبن والعسل على الأنسجة الرخوة للسجين، أي عضوه التناسلي وفتحة الشرج. ومن ثَمَّ، تتدفق الحشرات الصغيرة إلى هذه المناطق لتتغذى، والأسوأ أنَّها تصيب الجروح بالبكتيريا.
وتبدأ هذه الجروح دوماً في التقيُّح وتُحفِّز وصول الديدان التي تتكاثر أيضاً داخل أجسادهم، في حين تتسبب بمزيد من الأمراض. وتصل في هذه المرحلة الهوام مثل الفئران لتلتهم الضحية المُحتَضِرة وتشق طريقها إلى الداخل.
هل السكافيزم حقيقة؟
يثق الكثيرون بأنَّ السكافيزم كانت وسيلة إعدام حقيقية ظهرت في بلاد فارس القديمة، لكن يقولون إنَّها لم تُستخدَم إلا مع أوقح المجرمين، الذين يتراوحون ما بين الخونة للتاج وصولاً إلى القتلة عديمي الشفقة. لكن في النهاية، لا يتفق الجميع على ذلك.
إذ أشار بعض الباحثين بعد ذلك إلى أنَّ هذه الممارسة كانت مفبركة تماماً. ففي نهاية المطاف، ظهر أول ذكر تاريخي لهذا العمل المروّع بعد قرون من الإعدام المُفتَرَض لميثريداتس. علاوة على ذلك، تصادف أنَّ هذه الرواية شهد عليها فيلسوف كان يتاجر بالنثر.
فبالنسبة للمشككين، من شبه المؤكد أنَّ السكافيزم كان اختراعاً أدبياً من إغريق مخادعين لكن مبدعين. لكنَّ ارتحشستا الثاني وميثريداتس وكورش الأصغر كانوا شخصيات تاريخية حقيقية. وعلاوة على ذلك، تراكمت أساليب الإعدام المروّعة مثل السكافيزم خلال القرون التالية.
وبهذا المعنى، من الممكن بكل تأكيد أنَّ هذه الإعدامات كانت حقيقية، وأن يكون عددٌ لا يُحصى من السجناء قد ماتوا بواحدة من أفظع الميتات في تاريخ.
طرق مروّعة للتعذيب والإعدام
بعيداً عن السكافيزم، هناك الكثير من الطرق المروّعة للإعدام عبر التاريخ والتي انتشرت بشكل خاص في العصور الوسطى.
وكان من تلك الأساليب جرّ المتهم بوساطة حصان حتى الموت؛ إذ انتشر هذا الأسلوب في الإعدام في إنجلترا ليكون عقوبة للخيانة العظمى.
وكان السجناء الذين يُعدمون شنقاً في العصور الوسطى محظوظين حقاً، لأن أرواحهم ترحل بسلام بعد الموت اختناقاً.
لكن في إحدى الطرق الوحشية للتعذيب، كان السجين يُشنق حتى يصبح على حافة الموت، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة يفك الجلادون الحبل حول رقبته، وما إن يعتقد أنه قد نجا من الموت لتوّه حتى يبدأ الرعب الحقيقي؛ إذ يتم إخصاء السجين وتُلقى أعضاؤه التناسلية في النار، وأحياناً تُستخرج أمعاؤه لتلقى في النار أيضاً، وأخيراً يتم قطع رأسه.
كما كان السحق تحت أقدام الفيلة طريقة شائعة للإعدام في جنوب شرقي آسيا، وقد انتقلت إلى العالم الغربي خلال العصور الوسطى، حيث كان الجلادون يسحقون السارقين أو المدنيين الذين ارتكبوا جرائم، مثل التهرب الضريبي على سبيل المثال.