إذا ألقيت نظرة مِن حولك، فإنك تجد الألوان في كل شيء، وقد تكون أولَ شيء تُميِّزه وتَعرف به الأشياءَ مثل الأصفر لسيارات الأجر، والأحمر والأخضر لإشارات المرور، والأسود لإطارات السيارات، والأخضر للنباتات، والأزرق للسماء.
ورغم أن كل لون يرتبط بأشياء كثيرة موجودة في الطبيعة والبيئة من حولنا بشكل اعتدناه، فإن لبعض الألوان تاريخاً مثيراً وقصصاً غريبة ارتبطت بها.
فقد لا يخطر ببالك مثلاً أن اللون البني قد تم تصنيعه في إحدى الحقب التاريخية من المومياوات المحنَّطة، أو أن اللون الأرجواني كان محرَّماً ويُحكَم بالإعدام على من يرتديه، وهل فكرت مسبقاً من أين أتت تسمية لون حجر الفيروز بـ"التركواز"؟
في هذا التقرير معلومات تاريخية مثيرة عن الألوان مِن حولك.
ظِلٌّ من اللون البني صُنع من المومياوات المحنطة
منذ القرن السادس عشر وحتى وقت متأخر من أوائل القرن العشرين، اشتهر ظِلٌّ خفيف جديد للطلاء البني في الفن الأوروبي عُرف بـ"بني المومياء".
ورغم أن البعض قد اعتقد أن هذا مجرد اسم إبداعي فني لجذب الفنانين، فإن العديد من المصادر والأحداث التاريخية تشير إلى أن هذا الطلاء صُنع بالفعل من مومياء المصريين المطحونة.
وفقاً لموقع National Geographic، يعتقد أن لوحة الفنان يوجين ديلاكروا الشهيرة، "Liberty Leading the People" أو "الحرية تقود الشعب"، قد تم رسمها حرفياً باللون البني المصنوع من مومياء مطحونة.
ومع ذلك، ربما لم يكن العديد من الفنانين على دراية بأن اللون الذي كانوا يستخدمونه ويقومون بشرائه تحت اسم "بني المومياء" كان عبارة عن صبغة مصنوعة بالفعل من المومياوات.
كان لي روبرسون أحد "رسامي الألوان" البارزين بأوروبا الذين استخدموا لون "بني المومياء" في كثير من رسوماته حتى عام 1933. والمثير للاهتمام هو أنه عندما بيعت شركته التي تصنع الألوان في أواخر 1980، ذكرت بعض المصادر أنه كانت هناك أجزاء مومياء فيها.
وقد ذكر الكاتب روديارد كيبلينج في كتاب سيرته الذاتية الصبغة البنية المصنوعة من المومياء، عندما تحدث عن يوم في ستينيات القرن التاسع عشر قضاه مع رسامَين هما إدوارد بورن جونز ولورنس ألما تاديما.
يشير الكاتب إلى أن الرسام ألما تاديما أخبرهم بأنَّ "بني المومياء" كان بالفعل مصنوعاً من مومياوات حقيقية وأن الاسم ليس رمزياً أبداً، مما دفع صديقه الآخر جونز إلى إخراج علب اللون من الأستوديو الخاص به ودفنها في الفناء.
اللون الأرجواني كان حكراً على الملوك وارتبط بالآلهة
ارتبطت درجات اللون الأرجواني بطبقة النبلاء والملوك والملكات لعدة قرون، ولا تزال الصلة بين هذا اللون والطبقة الراقية مستمرة حتى يومنا هذا.
فعلى سبيل المثال، تبنى الملك الفارسي كورش العظيم الذي حكم في الفترة بين عامي 560 و529 قبل الميلاد، سترة أرجوانية لتكون زيّه الملكي. كما منع بعض الأباطرة الرومان مواطنيهم من ارتداء الملابس الأرجوانية، ووضع المخالفين تحت طائلة الإعدام.
أما في الإمبراطورية البيزنطية، فكان اللون الأرجواني محترماً بشكل خاص، فقد كان حكامها يرتدون أردية أرجوانية ووقَّعوا مراسيمهم بالحبر الأرجواني أيضاً، حتى إنهم كانوا يصفون أطفالهم بأنهم "مولودون باللون الأرجواني"، كما يشير موقع History.
وبالنسبة للملكة إليزابيث الأولى، فقد كانت تمنع أي شخص باستثناء عائلتها، من ارتداء الأرجواني، كجزء من قوانين سوم بتواري التي تحكم ما يمكن أن ترتديه كل طبقة اجتماعية. وكان يُعتقد أن هذا اللون الأرجواني المحمر يشبه الدم الجاف، ويربط أفراد العائلة المالكة بفكرة السلالة الإلهية.
يعود سبب السمعة الملكية للأرجواني إلى طريقة صناعته أيضاً. لقرون طويلة، تركزت تجارة الصبغ الأرجواني بمدينة صور الفينيقية القديمة في لبنان اليوم. وكان الفينيقيون يستخرجون الصبغة من نوع من الحلزون البحري يُعرف الآن باسم Bolinus brandaris، وكان نادراً جداً لدرجة أنه أصبح يستحق وزنه ذهباً.
كان على صانعي الصبغة فتح قوقعة الحلزون، واستخراج مخاط ينتج اللون الأرجواني وتعريضه لأشعة الشمس لفترة محددة من الوقت. وكان الأمر يستغرق ما يصل إلى 250000 من الرخويات لإنتاج أونصة واحدة فقط من الصبغة الصالحة للاستخدام، ولكن النتيجة كانت لوناً أرجوانياً نابضاً بالحياة وطويل الأمد.
وبالتالي فإن الملابس المصنوعة من الصبغة كانت باهظة الثمن، رطل من الصوف الأرجواني مثلاً كان يكلف أكثر مما يكسبه معظم الناس في عام. لذلك أصبح اللون بطبيعة الحال حكراً على الأثرياء والطبقات الراقية.
لكن بعد سقوط الإمبراطورية البيزنطية في القرن الخامس عشر، تضاءل احتكار الطبقة الملكية للأرجواني أخيراً، لكن اللون لم يصبح متاحاً على نطاق واسع حتى خمسينيات القرن التاسع عشر، عندما ظهرت أول الأصباغ الاصطناعية في السوق.
الفيروز يعني النصر، و"تركواز" تعني الحجر التركي
الفيروزي أو "التركواز" هو لون هجين من الأزرق والأخضر، ويرتبط اسمه بحجر الفيروز الكريم الذي اشتهر منذ العصور القديمة في بلاد مختلفة حول العالم.
يأتي أقدم دليل على الأحجار الكريمة الفيروزية من المقابر المصرية القديمة، التي تحتوي على مجوهرات فيروزية متقنة يعود تاريخها إلى 3000 قبل الميلاد.
فقد رصّع المصريون العقود والخواتم المصنوعة من الذهب باستخدام حجر الفيروز. والجدير بالذكر أن قناع الدفن الأيقوني للملك توت عنخ آمون كان مزيناً بشكل فخم بحجر الفيروز.
كما اشتهرت حجارة الفيروز بين الفُرس القدماء، الذين كانوا يتزينون بها وينقشونها بالخط العربي. وكانت بعض قِباب قصورهم مغطاة باللون الفيروزي، لأن لونه الأزرق السماوي يمثل الجنة. وقد ألهم هذا لاحقاً استخدام الفيروز في المباني مثل تاج محل.
كما كان الفرس يعتقدون أن للأحجار الفيروزية طاقة أو قدرة على حمايتهم وردّ الشر عنهم، لذلك زينوا بها خناجرهم ولجام خيولهم، وكانت كلمة فيروز "pirouzeh" تعني "النصر" في الفارسية.
وصل حجر الفيروز الأزرق الفارسي إلى أوروبا عن طريق التجار الأتراك عبر طريق الحرير في القرن الثالث عشر. وقد أثروا في اسم الحجر الكريم ليصبح معروفاً باسم "تركواز" من كلمة "بيير توركو" الفرنسية التي تعني "الحجر التركي".
قد يهمك أيضاً، سيارات الأجرة صفراء والطائرات بيضاء.. الأسباب العلمية المثيرة وراء اختيار ألوان 5 أشياء حولنا.