عندما قرّر “أسرى حرب” تنظيم الأولمبياد داخل معسكر اعتقال ألماني

بعدما تأجّلت الأولمبياد بسبب الحرب العالمية الثانية قرّر السجناء تنظيم الأولمبياد بأنفسهم

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/16 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/16 الساعة 11:40 بتوقيت غرينتش
أحد فرق السجناء في الأولمبياد التي نظموها/ MUSEUM OF SPORT AND TOURISM IN WARSAW

قبل أن يتوسّع هتلر في أوروبا بداية الحرب العالمية الثانية كان قد وقّع وزير خارجيته "ريبنتروب" اتفاقيةً في موسكو مع وزير الخارجية الروسي "مولوتوف". قضت هذه الاتفاقية بأن يقف كلا الطرفين على الحياد حال تعرُّض أحدهما للهجوم، كما قضى كذلك باتفاق سري يقسّم أوروبا الشمالية والشرقية لمناطق نفوذ بينهما، وكان أبرز تجلٍّ لهذا الاتفاق هو غزو بولندا الذي تمّ في سبتمبر/أيلول 1939، بعد أسبوعٍ واحد من الاتفاق.

هاجمت ألمانيا بولندا من الغرب واحتلّت ثلثيها، كما هاجم الاتحاد السوفييتي بولندا من الشرق، واحتلّ ثلثها وفق الاتفاق الذي كان بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية.

لكنّ هذا الوضع قد تغيّر بالطبع حين قرّر هتلر غزو الاتحاد السوفييتي نفسه عام 1941، والذي كانت نتائجه كارثية على هتلر وخططه. 

بولندا
غزو بولندا، تظهر الخريطة نطاق الاحتلال السوفيتي بالأحمر والاحتلال الألماني بالازرق/wikimedia.commons

ومن أعماق العنف والدمار الذي تسببت فيه الحرب العالمية الثانية، كانت هناك بعض الأحداث الغريبة، التي تستبقي ما تبقّى من إنسانية وسط الدمار، وكان هذا عام 1944، حين قرّر أسرى حرب بولنديون أن يقيموا مسابقة الأولمبياد داخل السجن.

ليست المرّة الأولى.. الجنود في الحرب العالمية الثانية قرّروا إقامة هدنة بأنفسهم

لم تكن هذه المرة الأولى التي يحدث مثل هذا الحدث أثناء الحرب. ففي الحرب العالمية الأولى حدث أمرٌ شبيه، عندما قرر الجنود من الجهتين الخروج من الخنادق لينشدوا نشيد عيد الميلاد معاً، بل ويحتفلوا بعيد الميلاد ويقيموا مباراة كرة قدم. ويمكنك القراءة بشكل مفصّل عن هذا الحدث من (هنا).

لكن هذه المرّة أقام الأسرى أولمبياد

في عام 1944، احتُجز الآلاف من ضباط الجيش البولنديين كأسرى للنظام النازي، بالقرب من مدينة فولدينبيرج الألمانية. 

وعلى عكس السائد في ذلك الوقت عن حياة أسرى الحرب والمساجين، فقد كانت حالة هؤلاء المساجين في معسكر "أوفلاغ" مختلفة بعض الشيء، بل لقد عومل سجناء المعسكر إلى حدٍّ كبير في إطار قواعد اتفاقيات جنيف. فقد كانوا يتلقُّون دروساً في اللغات والرياضيات والفلسفة، ومثلوا أيضاً المسرحيات داخل المعسكر، بل وكان للسجناء شبه حكومتهم الخاصة بهم.

وفي عام 1944، ألغيت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي كان مقرراً لها أن تُعقد في لندن بسبب الحرب. وسُمح للسجناء في المعسكر أن يضعوا الألعاب الأولمبية الخاصة بهم تحت نظر الحراس النازيين، لكن علينا أيضاً توضيح أنّ ما حدث في هذا المعسكر وطريقة التعامل مع السجناء بهذا الشكل كان استثناءً.

تنافس السجناء في العديد من الألعاب الرياضية بتعاونٍ كامل من الحرّاس النازيين، الذين ربما كانت لديهم دوافع سياسية في السماح بممارسة الألعاب.

كان المعسكر يضم ما يقرب من 7000 سجين، وكان يحتوي على 6 مبانٍ لقاعات المحاضرات، ومطبخين على الأقل، وقاعات طعام، وقاعة مسرح، ومقهى ومبنى للإداريين البولنديين في المعسكر. كان المعسكر، في الواقع، مدينة صغيرة. وفي هذه الظروف، بدأت الألعاب، تحت علمٍ مصنوع من ملاءة سرير وأوشحة ملونة.

تنافس السجناء في العديد من الألعاب الرياضية، بما في ذلك كرة القدم وكرة اليد وكرة السلة، وكذلك سباقات المضمار والميدان.

الحرب العالمية الثانية
أسرى الحرب أثناء الاولمبياد في المعسكر/ WARSAW MUSEUM OF SPORT AND TOURISM

كما تنافس أسرى الحرب هؤلاء في الشطرنج، بل وفي الأحداث غير الرياضية مثل النحت والرسم والفنون الأخرى.

وهكذا، أصبحت "أولمبياد" عام 1944 في سجن أوفلاغ واحدةً من أكثر الأحداث غرابة في تاريخ الحرب. ويعتبر البعض أنّ هذه الأولمبياد أظهرت القوة العلاجية الهائلة للرياضة بالنسبة لأسرى الحرب.

ولكن لحظة، فهذه الأولمبياد التي أقيمت أثناء الحرب العالمية الثانية لم تكن الوحيدة، ففي عام 1940، كان من المقرر إقامة الأولمبياد الحقيقية في طوكيو، ومع احتدام الحرب العالمية الثانية تغيّر مسارها كي تقام في هلسنكي بفنلندا. لكنّها ألغيت تماماً بعد ذلك، وحينها عقد الأسرى من عدة دول في معسكر ألماني لأسرى الحرب في لانغفاسر بألمانيا مسابقةً أطلق عليها اسم "ألعاب أسرى الحرب الدولية".

لكنّ المختلف هذه المرّة أنّه كان لا بد من إجراء المنافسات سراً، لأنّ العقوبات على مخالفة الضباط الألمان المسؤولين عن ذلك المعسكر كانت أسوأ بكثير من تلك الموجودة لاحقاً. 

فأقام السجناء الذين كانوا من بلجيكا وفرنسا وبريطانيا العظمى والنرويج وبولندا وروسيا ويوغوسلافيا حفل افتتاحٍ خلسة، مع رفع علمٍ يحمل حلقات أولمبية مرسومة بقلم تلوين ومصنوعة من قميص سجين بولندي.

كان حجم علم الأولمبياد الذي صنعوه في المعسكر (29×46 سم)، وجرى تهريبه لاحقاً خارج المعسكر، ويُعرض العلم الآن في متحف الرياضة والسياحة في العاصمة البولندية وارسو.

تحميل المزيد