اقتحمت القوّات الإسرائيلية المسجد الأقصى، مستخدمةً الرصاص المعدني وقنابل الغاز المسيل للدموع، جاء هذا بعد أيّام من تصاعد أحداث تهجير أهالي حيّ الشيخ جراح في القدس. فماذا تعرف عن بوّابات المسجد الأقصى الخمسة عشر التي تقف شاهدةً على الزمن، والتاريخ الإسلاميّ في هذه المدينة؟
على عكس ما يعتقد البعض فإنّ المسجد الأقصى ليس هو قبّة الصخرة، فقبّة الصخرة هي المعلم الأبرز فقط في المسجد الأقصى. بينما يحتوي المسجد على حوالي 200 معلم إسلامي آخر موزعة بين قِباب وأروقة ومحاريب ومنابر ومآذن وآبار، كما تمتلئ مدينة القدس في العموم بالكثير من المعالم الإسلامية وغيرها.
خمسة عشر باباً للمسجد الأقصى
كما ذكرنا فإنّ المسجد الأقصى يتكوّن من عدّة أبنية ومعالم، ولكنّ قبة الصخرة هي المعلم الأبرز فيه. تبلغ مساحة المسجد الأقصى 144 دونماً (الدونم يساوي 1000 متر مربّع). وشكل المسجد الأقصى مضلّع أو مستطيل غير منتظم، طول ضلعه الغربي 491م متراً والشرقي 462م متراً والشمالي 310م أمتار والجنوبي 281 متراً، وعلى هذه الأضلاع الأربعة تتوزّع أبواب المسجد الأقصى الخمسة عشر، وفق لما ذكر كتاب "أطلس معالم المسجد الأقصى"، للدكتور عبدالله معروف والأستاذ رأفت مرعي.
من هذه الأبواب الخمسة عشر، هناك أبواب "مغلقة"، وليس المقصود أنّها مغلقة لمنع المسلمين من الدخول منها، وإنّما أغلقت كمبنى من الأساس، مثل ما حدث في الباب المزدوج، الذي يُرجّح أنّ صلاح الدين الأيوبي هو الذي أغلقه لحماية المسجد والمدينة من الغزاة.
وقد أغلقه صلاح الدين بطريقةٍ مميزة، فقد بنى خارج الباب مدرسةً تسمّى "الزاوية الختنية" نسبةً لشيخها الختني. وهكذا ببناء المدرسة أحاطت بالباب من خارجه وأغلقته.
وبالإجمال فإنّ عدد الأبواب المغلقة خمسة أبواب، بينما تبقّت العشرة الأخرى مفتوحة. وقد أغلقت بعضها قوات الاحتلال، مثلما أغلقت باب المغاربة أمام المصلين، فقد صادرت إسرائيل مفاتيحه بعد نكسة عام 1967، ومنعت المسلمين من دخول المسجد من خلاله. كما تغلق بعضها الآخر أحياناً مع تصاعد الأحداث.
الأبواب الخمسة المغلقة
أمّا الأبواب الخمسة المغلقة في المسجد الأقصى فهي:
1- الباب الثلاثي: يقع في السور الجنوبي للمسجد الأقصى، وهو عبارة عن ثلاثة مداخل متجاورة ولهذا فاسمه "الباب الثلاثي"، ويطل الباب على دار الإمارة والقصور الأموية الواقعة جنوب المسجد الأقصى.
تشير الترجيحات إلى أنّ الباب الثلاثي بني في عهد عبدالملك بن مروان، وقد ظلّ الباب مفتوحاً في الفترة التي سيطر الصليبيون فيها على مدينة القدس (90 عاماً فقط)، وقد استخدموا المنطقة إسطبلاً للخيول، وعندما استعاد صلاح الدين القدس نظّفها ورممها وأقفل الباب الثلاثي لحماية المدينة والمسجد من الغزو.
للقراءة أكثر حول تاريخ مدينة القدس، يمكنك الإطلاع على هذه المادة.
2- الباب المزدوج: هذا الباب مكوّن من بوابتين، ومن هنا جاء اسمه "المزدوج"، وتقود البوابتين إلى رواقين، ويرجّح أنّه بُني في عهد عبدالملك بن مروان أو في عهد ابنه الوليد. وهو أيضاً مغلقٌ -وفق الترجيحات- بأمرٍ من صلاح الدين، بعدما استعاد القدس.
وهو الباب الذي ذكرنا سابقاً أنّ إغلاقه جاء عبر بناء مدرسة خارج السور الجنوبي للمسجد الأقصى لتحيط باباً من خارج، وأصبحت المدرسة وقفاً عام 1191.
3- باب الرحمة: وهو أحد أبواب السور الشرقي للمسجد الأقصى، واسمه يرجع إلى مقبرة الرحمة الملاصقة له من خارج السور.
وتضمُّ المقبرة قبري الصحابيين شداد بن أوس وعبادة بن الصامت. ويقال إنّ تسمية البيت جاءت من آية قرآنية "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب".
لكنّ باب الرحمة أيضاً له اسمٌ آخر لدى الغربيين المسيحيين، إذ يسمونه "الباب الذهبي"، أمّا لماذا اسمه الباب الذهبي فلأنّه كان مغطَّى من الداخل بالذهب خلال العصر الأموي، ويقال لأنّ المسيحيين يعتقدون أنّه المكان الذي دخل منه المسيح إلى الأقصى، وهو المكان الذي سيعود ويفتحه بنفسه في المستقبل. ولهذا عندما استولى الصليبيون على المسجد الأقصى دخلوا من هذا الباب.
ويرجّح أنّه بني في العصر الأموي، بسبب عناصره المعمارية والفنية الأموية. ويرجح أنه بني في عهد عبدالملك بن مروان. وأغلق الباب على يد صلاح الدين الأيوبي بعد استعادة القدس عام 1187. ويقال إنّ الإمام أبوحامد الغزالي قد اعتكف في زاويةٍ أعلى باب الرحمة عندما سكن بيت المقدس.
4- باب الجنائز: وهو في السور الشرقيّ للمسجد، وكان هذا البابا يستخدم لإخراج الجنائز من المسجد الأقصى إلى مقبرة الرحمة القريبة من باب الرحمة، وقد أغلق غالباً بأمرٍ من صلاح الدين الأيوبي مثل سابقيه.
أمّا الباب المغلق الخامس، وهو الباب المفرد فلا توجد له في الوقت الحاضر أيّة آثار واضحة.
أبواب المسجد الأقصى المفتوحة
أمّا أبواب المسجد المفتوحة فهي عشرة أبواب أولها باب الأسباط، وهو أحد أهم أبواب المسجد الأقصى، وهو الباب الرئيسي للمصلين، وهو المدخل الوحيد لسيارات الإسعاف إلى المسجد الأقصى في حالات الطوارئ لأنه أوسع الأبواب المساوية للأرض.
واسم الباب مأخوذ من أسباط بني إسرائيل (أبناء النبي يعقوب) المذكورين في القرآن. ولكن لأهميّة الباب فله أسماء أخرى. فيطلق عليه باب الأسود، لوجود نقش أسدين على الباب، ويعود هذا النقش إلى عصر الظاهر بيبرس فقد كان هذا شعار السلطان بيبرس الذي ينقش على ممتلكاته والنقود كذلك في عصره.
كما يسمّى هذا الباب "باب ستي مريم"، لقربه من كنيسة القديسة حنّة، الذي يعتقد المسيحيون أنّه المكان الذي ولدت فيه السيدة مريم.
وقد جُدِّد هذا الباب في عهد الأيوبيين كما في عهد المماليك والعثمانيين.
2- باب حطة، وهو من أقدم أبواب المسجد الأقصى ويقع في سوره الشمالي، ويقال إنّ اسمه جاء من الآية القرآنية "وقولوا حِطَّةٌ نغفر لكم خطاياكم". وهو أحد الأبواب الثلاثة التي تسمح بفتحها سلطات الاحتلال الإسرائيلية لصلوات المغرب والعشاء والفجر.
3- باب العتم، أو باب الملك فيصل. وقد تذهب الأذهان إلى الملك فيصل ملك السعودية، لكنّ الاسم حقيقةً للملك فيصل الأول ملك العراق، الذي زار المسجد الأقصى، فسمّاه المجلس الإسلامي الأعلى باسمه تخليداً وتقديراً لذكرى تبرّع الملك فيصل لعمارة المسجد.
كما يطلق على الباب أسماء أخرى، مثل باب الدوادارية لقربة من المدرسة الدوادارية، كما يطلق عليه اسم باب شرف الأنبياء. ويعود تاريخ تجديده إلى عصر الملك المعظّم عيسى الأيوبيّ، عام 1213.
4- باب الغوانمة: وهو باب صغير نسبياً، يسمّى أحياناً باب درج الغوانمة، وباب بني غانم. وكل هذه الأسماء تعود إلى حارة الغوانمة التي يصل إليها الباب.
ويعتقد أنّ الغوانمة عائلة وصلت إلى القدس مع صلاح الدين. كما يسمّى أيضاً باب الخليل، وقد يكون نسبةً إلى الخليل إبراهيم، من باب التشريف.
والمرجّح أنّ هذا الباب قد بني في العهد الأموي، وعرف باسم باب الوليد بن عبدالملك، كما جدّده السلطان المملوكي محمد الناصر بن قلاوون عام 1307.
5- باب الناظر: على العكس من باب الغوانمة فهذا الباب ضخمٌ. ويبدو أنّه قديم العهد جداً، وقد حمل سابقاً عدّة أسماء، منها اسم ميكائيل، ثمّ عرف باسم "باب علاء الدين البصيري". ويشتهر الآن باسم"باب المجلس"، إذ توجد فوقه المدرسة المنجكية التي كانت مقراً للمجلس الإسلامي الأعلى قبل أن تصبح مقر دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس حالياً.
أمّا اسمه الحالي "الناظر" فهو نسبة لـ"ناظر الحرمين الشريفين"، وهي وظيفة كانت في زمن المماليك تُعطى لمن يتولّى الإشراف على المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي في الخليل.
وهو أحد أبواب المسجد الأقصى الثلاثة التي لا يفتح غيرها للمصلين لأداء صلوات المغرب والعشاء والفجر منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي.
6- باب الحديد: يقع هذا الباب في الرواق الغربي للمسجد الأقصى، ويسمّى "باب أرغون" ويبدو أنهُ اسمٌ تركيّ قديم يعني "الحديد"، وقد سمِّي بهذا الاسم نسبةً للأمير المملوكي أرغون الكاملي الذي الذي جدد الباب بين عامي 1354 و 1357.
7- باب القطانين: يعتبر هذا الباب من أضخم أبواب المسجد الأقصى، وقد سمِّي كذلك لأنّه يُفضي إلى سوق بائعي القطن (القطانين)، وهو أحد أقدم أسواق مدينة القدس.
وعلى العكس من غيرها، تعلوا بوابة القطانين قبّة لا تزال تحتفظ بزينتها، وتميزها حجارتها الملونة بثلاثة ألوان (الأحمر والأبيض والأسود). وقد جُدد هذا الباب في زمن السلطان المملوكي محمد بن قلاوون عام 1336، كما تمّ ترميمه عام 1929 على يد المجلس الإسلامي الأعلى.
8- باب المطهرة: يسمّى هذا الباب أيضاً باسم "المتوضَّأ"، وقد اتخذ اسميه "المتوضّأ والمطهرة" من مكان الوضوء الذي يفضي إليه خارج المسجد الأقصى، فهو الباب الوحيد من أبواب المسجد الأقصى الذي لا يفضي إلى شوارع أو أزقّة، وإنما يفضي إلى "مطهرة- مكان للوضوء" تقع على بعد 50 متراً منه.
بنيت هذه المطهرة في عهد السلطان العادل أبو بكر أيوب، ويقال إنّ بانيها الملك المعظم عيسى الأيوبيّ، ثمّ جددها الأمير علاء الدين البصيري في العهد المملوكي. وقد جُدّد الباب في عهد الأمير البصيري عام 1266.
9- باب السلسلة: يشرف هذا الباب على شارع يضمّ العديد من المدارس الإسلامية القديمة، جدّد بناء هذا الباب في عهد المعظّم عيسى عام 1200.
10- باب المغاربة: أمّا هذا الباب فهو أحد أقدم وأهمّ أبواب المسجد الأقصى، وهو يحاذي حائط البراق، الذي يطلق عليه الإسرائيليون "حائط المبكى".
ويُعتقد أنّ النبي محمد دخل من جهته في رحلة الإسراء والمعراج إلى المسجد الأقصى، ويعتقد بعض المؤرخين أنّ عمر بن الخطاب قد دخل من ناحيته إلى المسجد الأقصى بعد فتحه.
وقد أخذ الباب اسمه نسبةً إلى "جامع المغاربة" المجاور له، والواقع داخل المسجد الأقصى، وكذلك إلى حارة المغاربة الواقعة خارجة. وهي حارة كان المجاهدون المغاربة الذين انضمُّوا لصلاح الدين قد استقروا فيها، وجعلها الملك الأفضل بن صلاح الدين وقفاً عليهم. وعند احتلال القدس عام 1967 أخرجهم الاحتلال من بيوتهم وطردهم منها.
وقد أعيد بناء باب المغاربة في عهد السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عام 1313.