أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الإثنين 5 أبريل/نيسان 2021، أنّ بلاده ليست لديها أي نية في الوقت الحالي للخروج من "اتفاقية مونترو" الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية، ليحسم بذلك الجدل القائم حول إمكانية خروج تركيا مِن الاتفاقية.
ذلك التأكيد جاء في تصريح أدلى به عقب ترؤسه اجتماعاً تقييمياً حول بيانٍ أصدره عددٌ من ضباط الجيش المتقاعدين، حذروا فيه من المساس باتفاقية "مونترو" الدولية، والبدء في مشروع "قناة إسطنبول" ومن مساعي الرئيس أردوغان صياغة دستور جديد للبلاد.
ورداً على ذلك، أوضح أردوغان أن البيان ناجم عن نيات سيئة، مبيناً أنه ليس من مهام الضباط المتقاعدين نشر بيانات تتضمن "تلميحات انقلابية"، ومعتبراً أن مثل هذه الخطوات وإن كانت صادرة عن ضباط متقاعدين، تعدُّ إساءةً كبيرة للقوات المسلحة التركية. فما هي اتفاقية مونترو التي أثيرت حولها ضجّة في تركيا؟
عودة للخلف.. بداية الجدل على المضائق التركية
بدأ الخلاف حول المضائق التركية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى التي انتهت بهزيمة الدولة العثمانية بعد توقيعها اتفاقية هدنة "موندروس" في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1918 والتي أعقبها احتلال إسطنبول، وتقسيم الإمبراطورية العثمانية، فضلاً عن أنها أعطت دول الحلفاء الحقّ بالسيطرة على مضائق تركيا الاستراتيجية.
ولم تتخذ حكومة إسطنبول العثمانية أيَّ إجراءٍ ضدّ هذه الغزوات والتقسيمات في الأراضي العثمانية، ولكنها كانت تأمل في البحث عن طريقةٍ لتخفيف شروط معاهدة موندروس القاسية جداً.
حتى وصلت إلى توقيع "معاهدة سيفر" في 10 أغسطس/آب عام 1920 مع قوات الحلفاء، التي اعتبرت ضمن بنودها أن مضائق البسفور والدردنيل مناطق مجرّدة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.
وفي عام 1922، تمكن "أتاتورك" الذي خاض حرب الاستقلال التركية، من خلع السلطان العثماني محمد السادس، وإلغاء السلطنة، وبعدها بعام أصبح أول رئيس لجمهورية تركيا الحديثة، وأصبح يُشكل ضغطاً على قوات التحالف في تركيا.
وللقراءة أكثر حول تفاصيل معاهدة سيفر التي وقعتها السلطان، ثمّ الانقلاب عليها من قِبل مصطفى كمال أتاتورك وتوقيع اتفاقية لوزان، يمكنك قراءة هذه المادة.
استطاع أتاتورك بعد سلسلة انتصاراته، إجبار قوات التحالف على الجلوس على طاولة المفاوضات لتوقيع معاهدة "لوزان" وإلغاء معاهدة "سيفر" تماماً في يوم 24 يوليو/تموز عام 1923، التي أنهت رسمياً الدولة العثمانية، وشهدت مولد الجمهورية التركية المعاصرة باعترافٍ دولي.
تضمَّنت المعاهدة العديد من البنود الخاصة بترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها "وفقاً للمبادئ العامة للقانون الدولي"، أما فيما يخص المضائق التركية، فقد كانت من أكثر المواضيع التي اتسمت بالتعقيد.
في النهاية تم إقرار عبور السفن غير العسكرية في أوقات السلم، كما أنّه يُمنع وجود سلاح على ضفتي المضائق التركية، على أن يتم تأسيس لجنة دولية تقوم بحمايتها، وتتم متابعة عمل اللجنة المذكورة من قِبل عصبة الأمم. وبذلك اعتبر البعض أنّ تركيا لم تحظَ بسيادتها الكاملة على المضائق، مثلما كان الأمر قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
"مونترو".. الاتفاقية التي أعادت لتركيا سيادتها الكاملة
بعد 13 عاماً مِن الدبلوماسية التركية تم تعديل هذه المواد بواسطة اتفاقية مونترو التي وُقِّعت في 20 يوليو/تموز 1936 بمدينة مونترو السويسرية بمشاركة دول من بينها الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغوسلافيا واليابان وأستراليا.
حلت هذه الاتفاقية، التي تتكون من 29 بنداً وأربعة ملحقات وبروتوكول، محلّ مادة المضائق التركية في مُعاهدة لوزان، وعلى إثرها تم تنظيم حركة المرور عبر مضائق تركيا للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب. كما استعادت تركيا من خلال هذه الاتفاقية سيادتها الكاملة على المضائق البحرية.
أعلنت اتفاقية مونترو حرية المرور عبر مضيق البوسفور للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب، وسمحت بمرور السفن الحربية لدول حوض البحر الأسود بدون أي تحديد.
أمّا السفن الحربية التابعة لدول من خارج حوض البحر الأسود، فسمحت الاتفاقية بأن تكون سفناً سطحية وخفيفة ومساعدة، بحيث لا يزيد عدد المجموعة عن 9 سفن مارة عبر مضيقٍ في آن واحد وبحمولة إجمالية لا تتجاوز 15 ألف طن.
وتحدِّد اتفاقية مونترو الحمولة الإجمالية للسفن البحرية لدولة من خارج حوض البحر الأسود بمقدار 20 ألف طن، أما الحمولة الإجمالية لكافة السفن التابعة للدول الواقعة خارج حوض البحر الأسود فتحدد بـ30 ألف طن، وقد تزيد حتى 45 ألفاً. كما تحدد الفترة القصوى لوجود هذه السفن الأجنبية في حوض البحر الأسود بثلاثة أسابيع.
بنود اتفاقية مونترو
الإجراءات الخاصة بالسفن التجارية:
- في زمن السلم، تدخل السفن التجارية بصرف النظر عن الحمولة أو العَلَم، عبر مضيق البسفور دون أي إجراء أو تفتيش، ولكن يبقى حق لتركيا في إجراء رقابة صحية على السفن العابرة من المضيق.
- في زمن الحرب، ستدخل السفن التجارية غير المتحاربة مع تركيا بصرف النظر عن الحمولة أو العلم دون أي عوائق، ولكن يحق لتركيا منع السفن التجارية للدولة المتحاربة معها من دخول المضيق.
- إذا كان هناك دولتان في حالة حرب، فإن تركيا ستسمح لسفنهما التجارية بالدخول، لكن بشرط عدم نقل مستلزمات عسكرية.
- يمكن لتركيا فرض إجراء معين على عبور السفن التجارية الخاصة بالدول الأخرى، في حين شعرت بأن هناك تهديداً أمنياً يُحيط بها.
الإجراءات الخاصة بالسفن الحربية:
- في زمن السِّلم، يحق لجميع الدول العبور بسفنها الحربية عبر المضيق، ولكن بشرط إعلام الحكومة التركية قبل وقت العبور بمدة 8 أيام لدول البحر الأسود، و15 يوماً للدول غير المُطلّة على البحر الأسود، ويُمكن للغواصات الحربية المرور من المضيق شريطة الظهور على السطح، ولكن يُمنع مرور حاملات الطائرات بشكل قاطع.
- في زمن الحرب، إذا كانت تركيا من الدول غير المشتركة في الحرب، فإن السفن الحربية لجميع الدول غير المشتركة في الحرب يمكن لها العبور من المضيق.
- في زمن الحرب، إذا كانت تركيا مشتركة في الحرب، فإنه يحق لها التصرف في إجراءات المضيق كما تشاء ولكن دون مخالفة مواثيق وأعراف القانون الدولي الخاصة بالملاحة البحرية.
- يمكن لتركيا فرض إجراء معين على قضية عبور السفن الحربية الخاصة بالدول الأخرى، في حال شعرت أن هناك تهديداً أمنياً مُحيطاً بها، ولكن في حين رأى "مجلس عصبة الأمم" بمقدار 3/2 أن الإجراءات التي قامت بها غير عادلة، يجب على تركيا تغيير هذه الإجراءات.
- تُحدد حمولة السفن الحربية، دون استثناء، في زمني الحرب والسلم، بـ15 ألف طن.
هل انتهت اتفاقية مونترو؟
أما حسب القسم الخاص بفترة انتهاء الاتفاقية، فإن الاتفاقية تنتهي بعد 20 عاماً من تاريخ إعلانها، ولكن تبقى مادة حقّ العبور دون أيّ قيد أو شرط لجميع سفن دول العالم سارية المفعول إلى أن يتم إبرام اتفاقية جديدة بما يخص المضيق.
وبالفعل انتهت الاتفاقية بتاريخ 20 يوليو/تموز 1956، وقد حاولت الدول المُوقّعة إبرام الاتفاقية بشروطٍ جديدة عام 1956، أو تغيير بعضها بما يتناسب مع مصالح كلٍّ منها، ولكن أخفقت في ذلك ليستمر العمل بالاتفاقية إلى يومنا هذا بحسب البنود التي اتُّفق عليها سابقاً.
وقد حاولت روسيا مراراً تغيير بعض شروط الاتفاقية، ففي عامَي 1945 و1946، احتج الاتحاد السوفييتي على التضييق الذي طال مرور السفن الحربية، ودعا لمراجعة الاتفاقية بما يسمح بمرورها وفق شروط أكثر ليونة.