معركة شاول: حين هزم الأسطول المصري الأسطول البرتغالي وقتل قائده

لم تكن هناك كثير مواجهات بين مصر والبرتغال عبر التاريخ، وربما هذه المعركة هي الأولى بينهما

عربي بوست
تم النشر: 2021/03/26 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/26 الساعة 15:01 بتوقيت غرينتش
معركة شاول/ Wikipedia

قصة هذه المعركة قد تكون مدفونة في سراديب التاريخ ومنسيَّة بعض الشيء، ربما لأنها كانت في نهايات دولة المماليك بمصر والشام، وربما لأن تأثيرها لم يكن بتأثير غيرها بتلك الفترة من الزمان في بدايات القرن السادس عشر. لكن عدم شهرتها على كل حال، لا ينفي حدوثها ولا أهميتها.

دولة المماليك.. قوة إسلامية في طريقها للزوال!

تأسست دولة المماليك عام 1250، وتأكدت سيطرتها وبروزها في العالم الإسلامي بعد 10 سنوات فقط، بانتصارها الكبير بقيادة المظفر سيف الدين قطز على جيوش المغول في معركة عين جالوت عام 1260. ومن وقتها والمماليك هم القوة الضاربة في العالم الإسلامي، ودولتهم إحدى أقوى دول العالم.

بعد مرور قرنين من الزمان على وجودها، أصابت دولة المماليك ما يصيب غيرها من الدول والإمبراطوريات، فقد بدأ الفساد الإداري والصراعات الداخلية العسكرية على السلطة يقوضان الدولة شيئاً فشيئاً.

المماليك
خريطة دولة المماليك / Flickr

بعدما استطاع المماليك طرد ما تبقى من الدول والإمارات المسيحية التي تأسست في بلاد الشام بعد الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، كما استطاعت التخلُّص من الخطر المغولي بهزيمة جيوش المغول في أكثر من معركة واشتباك بعد معركة عين جالوت، أصبحت الدولة مستقرة استقراراً كبيراً، ومع وجود الخليفة الاسمي في القاهرة، أصبح السلطان المملوكي يحكم باسمه، وهكذا كانت الخلافة الإسلامية مقرها القاهرة تحت اسم دولة المماليك.

ربما لم يكن هناك ما يهدد وجود المماليك، إلا صعود القوة الإسلامية الناشئة حينها: الدولة العثمانية. أما بقية الدول غير الإسلامية فلم تكن مُهدِّدة لها بحال، فهي القوة الإسلامية الوحيدة التي تمثل المسلمين أمام الدول الأوروبية والبابا.

لكن العالم كان يتغير خارج أسوار قلعة الحكم في القاهرة التي يتسلطن فيها سلطان المماليك. فقد كانت الاستكشافات الجغرافية الأوروبية تتمُ على قدمٍ وساق. ففي عام 1492 وصل كريستوفر كولومبوس إلى العالم الجديد واكتشف أمريكا.

وعلى الجهة الأخرى من الكوكب كان البرتغالي فاسكو دي جاما يقوم باستكشافاته البحرية، محاولاً إيجاد طريق يلتف به على دولة المماليك وجماركها الباهظة التي تفرضها على البضائع القادمة من الهند والتي تصل إلى أوروبا من خلال البحر الأحمر، ومنه إلى القاهرة والإسكندرية، ومنها إلى السفن الأوروبية في البحر المتوسط.

وبالفعل، وصل فاسكو دي جاما إلى الهند عام 1497- أي بعد اكتشاف الأمريكتين بخمس سنوات فقط- عبر طريق رأس الرجاء الصالح الذي ضرب المماليك في مقتل.

خزينة المماليك تنهار والأسطول يتجهز

جزء كبير من الأموال التي تدخل خزينة دولة المماليك كان يأتي من تلك التجارة المعتمدة على تجارة التوابل والبهارات من الهند والمواد الخام من شرق آسيا إلى أوروبا عبر البحر الأحمر، والاتفاقات التجارية التي رتبتها دولة المماليك مع ملوك وأمراء الهند المسلمين.

طريق رأس الرجاء الصالح
طريق رأس الرجاء الصالح/ ducksters

وكانت حليفة المماليك في هذه التجارة من أوروبا، مدينة البندقية التي كانت تجارتها واسعة وأساطيلها تجوب البحر المتوسط دائماً وعلى تحالف وثيق مع المماليك. كان المماليك مدركين بشدة لنقطة قوتهم تلك: وسيط التجارة بين الهند وأوروبا.

وعندما وصل فاسكو دي جاما إلى الهند دون المرور بمصر تضرر الطرفان: المماليك وحلفاؤهم في البندقية. وهنا بدأ النقاش حول معركةٍ تحسم هذا الصعود البرتغالي في شرق إفريقيا وبحر العرب. وكان الاتفاق على أن تدعم البندقية جانب المماليك معنوياً ضد أعدائها البرتغاليين الذين بدأوا يسحبون من حولها البساط في التجارة الأوروبية. فقد استقرت أوروبا لسنوات طويلة على أن البضائع تأتي من الهند إلى ميناء البندقية ومنه يتم توزيعها على بقية أوروبا، أصبح ميناء لشبونة الآن منافساً لميناء البندقية، وهكذا تم الترتيب للمعركة.

معركة شاول.. الهزيمة برتغالية والنصر مملوكي

لم يمر أكثر من 10 سنوات على اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح حتى قامت رحى الحرب على سواحل شرق إفريقيا وبحر العرب وموانئ الهند الغربية، فقد بدأ الأسطول البرتغالي يهاجم سفن المماليك، وهكذا قرر السلطان قانصوه الغوري أن يجهز حملةً بحرية قوية لمجابهة الأسطول البرتغالي.

جهز السلطان المملوكي الأسطول بقيادة الأمير حسين الكردي، وكان قوام الأسطول مصرياً مع دعم عثماني بسيط، إضافةً إلى دعم في الخفاء من البندقية، التي رفضت الدعم العلني لدولة مسلمة في مواجهة دولة مسيحية.

تحرك الأسطول المملوكي إلى ميناء عدن، وفي أواخر عام 1507 تحرك الأمير حسين الكردي في محيط الموانئ الهندية، وعندما عثر على الأسطول البرتغالي اقتنص الفرصة وهاجمه بكل قوته، وهنا انهار الأسطول البرتغالي في معركة شاول بمدينة شاول الأثرية قرب مومباي.

كانت أهم نتائج المعركة النصر المملوكي، لكن كان هناك نصرٌ آخر وهو أن قائد الأسطول البرتغالي قد قُتل، وهو ابن نائب الملك البرتغالي في مستعمراته الهندية.

هذه النتيجة لم ترضِ بالطبع والده، الحاكم البرتغالي للمستعمرات الهندية، وأضيف إلى هزيمة أسطوله مقتل ابنه دي ألميدا الصغير. فقرر الانتقام بالطبع. ورغم أوامر الملك بعزل فرانشيسكو دي ألميدا من منصبه، فإنه رفض قرار الملك وقرر المُضي قدماً في ثأره. وكما كان الانتصار المملوكي كبيراً ورمزياً وأعاد الهيبة للسفن المملوكية في البحار، لكن الأسطول البحري المملوكي كان أقل تطوراً من نظيره البرتغالي، وهكذا ظل دي ألميدا يجهز لمعركةٍ أخيرة مع المماليك، وقد نال تلك الفرصة بعد عام من هزيمة ومقتل ابنه، فكانت معركة ديو البحرية التي انتصر فيها على الأسطول المملوكي عام 1509، والتي أجهزت على أغلب قطع الأسطول المملوكي، وتسببت هذه المعركة في إضعاف دولة المماليك، حيث تأثرت خزينتها كثيراً، إضافةً إلى مشاكلها الداخلية، فأصبحت لقمةً سائغة في وجه القوة الإسلامية الناشئة حينها: الدولة العثمانية.

تحميل المزيد