اخترع الموريسكيون لغةً سرية للحفاظ على إسلامهم! 3 لغات أعجمية كتبت بحروف عربية

لغاتٌ أخرى كُتبت بالحرف العربي تأثراً بالإسلام ولغته العربيّة، ولكلّ منها قصة نخبركم ببعضٍ منها في هذا التقرير.

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/30 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/06 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
اللغة العربية تزخرف قصر الحمراء بغرناطة /Shutterstock

انتشرت اللغة العربية مع انتشار الإسلام في ربوع الدنيا، وفي المناطق التي دخلها الإسلام استفادت لغاتٌ أخرى أو تأثرت بالعربية، فمنها من أخذ الأبجدية العربية وكتب بها لغته الأصلية مثل اللغة الفارسية والتركية القديمة (العثمانية)، ومنها من أخذ فقط بعض المفردات أو الكلمات تأثراً بالإسلام.

في هذا التقرير سنأخذك في جولة مثيرة عبر التاريخ، لنعرّفك على بعض اللغات الأعجمية التي كتبت بأبجدية عربية، وغالباً لا تعرفها، لأنها مطوية عبر صفحات التاريخ البعيدة.

الأبجدية العربية وتطورها

على الرغم من أن الأبجدية العربية كانت أكثر شيوعاً بعد بزوغ الإسلام في القرن السابع، لكن يمكن إرجاع أساس الأبجدية العربية إلى القرن الثالث، فهي مستمدة من الكتابة التي استخدمتها القبائل النبطية شبه الرحل التي استوطنت شبه جزيرة سيناء وشمال شبه الجزيرة العربية والأردن وجنوب سوريا.

اُكتشف الخط النبطي من خلال النقوش الحجرية الأثرية، والتي يوجد بينها وبين نظام الكتابة العربية الكثير من أوجه التشابه.

كغيرها من الأبجديات تطورت الأبجدية العربية بشكل ملحوظ على مر السنين، فمثلاً لم تحتوِ الأبجدية العربية القديمة على أيٍّ من النقاط التي نراها في اللغة العربية الحديثة اليوم، وهو ما اُستحدث لتقديم المساعدة للتمييز بين الأصوات المختلفة، كما وُجدت الهمزة وعلامات الحروف المتحركة لاحقاً وكذلك علامات الترقيم.

ومع تطور الأبجدية العربية، استُخدمَت الأبجدية العربية كحروف للغات أعجمية، منها ما اندثر، ومنها ما زال موجوداً مع تطور في أشكال حروف تلك اللغات. 

وقد كان لاستخدام الأبجدية العربية في تلك اللغات المختلفة أسبابٌ وقصص وتاريخ، نستعرض قصص ثلاث منها كُتبت بأبجدية عربية ولا يعرفها الكثير منا.

لغة الألخميادو السريّة وقصّة قصيدة يوسف

الألخميادو في الأصل هي اللغة الإسبانية القديمة، لكنّ المورسكيين كتبوها باستخدام الأبجدية العربية ولذلك سُميت الألخميادو؛ أي الأدب العجمي. 

والموريسكيون هم أول من اخترع واستخدم تلك اللغة بعدما تعرضوا له من اضطهادات في إسبانيا المسيحية. 

 الأبجدية العربية
الأبجدية العربية في لغة الألخمايدو / moriscostunez

فالمورسكيون في الأصل هم مسلمو إسبانيا والبرتغال الذين أجبروا على التحوُّل إلى المسيحية في بداية القرن السادس عشر بعد سقوط غرناطة وخروج المسلمين نهائياً من الأندلس. استمر العديد من الموريسكيين في ممارسة الإسلام، معظمهم في الخفاء، لكن بعضهم فعل ذلك علانية. 

أنتج بعض الموريسكيين كتباً تُعرف باسم الجاميادوس، والتي كُتبت بالإسبانية باستخدام الأبجدية العربية وكانت تُستخدم لتعليم زملائهم الموريسكيين الآخرين الإسلام، ولكن ألزم مرسومٌ صادر عن الملك الإسباني فيليب الثاني عام 1566 الموريسكيين بتبني اللغة واللباس والعادات الإسبانية غصباً.

أدى ذلك لاشتعال عدد من الثورات التي قام بها الموريسكيون، لكنها فشلت، ما أدى إلى نقلهم من غرناطة إلى أجزاء أخرى من إسبانيا. وفي بداية القرن السابع عشر، طُرد الموريسكيون من إسبانيا إلى المغرب العربي.

للقراءة أكثر حول تفاصيل أشهر ثورات الموريسكيين، يمكنك الاطلاع على هذه المادة، وحول نهايتها وقادتها يمكنك الاطلاع على هذه المادة.

أدب الألخميادو هو الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربية، ومن أشهر أعمال هذا الأدب "قصيدة يوسف" التي كتبها شاعر موريسكي مجهول في فترة بين نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر.

تستند القصيدة إلى القصة الأكثر شيوعاً بين الموريسكيين حينها وهي قصة النبي يوسف عليه السلام، والتي تضم مشهداً للرثاء، ومن الجدير بالذكر أن سورة يوسف لم تحتوِ على الرثاء إلا في بدايتها، وقد اجتمع شمل العائلة كاملةً من جديد وهو ما يوحي بإيمان المورسكيين بأن دولتهم ستعود يوما وسيجتمع شملهم كما جمع الله شمل يوسف بأسرته.

اعتبر الباحثون في منتصف القرن التاسع عشر أن تلك القصيدة تأثرت بالقصة المذكورة في القرآن وبتقاليد الشعر العربي قبل الإسلام، والتي تم تطويرها في الأندلس، فمؤلف قصيدة يوسف خلق صورة مؤثرة مستوحاة من تلك الأدبيات. 

وعلى الرغم من اضطهاد محاكم التفتيش الإسبانية المورسكيين وطمس هويتهم وحضارتهم، فإن هذه القصيدة نجت في عدة نسخ لتحفظ أحد إنتاجات هذه اللغة.

وقد نشر جورنال Vestnik NSU. Series العلمي الروسي مقالاً يبحث في ملامح الكتابات العربية في مخطوطات الألخميادو وبالأخص في قصيدة يوسف كأشهر مخطوطة في أدب الألخميادو.

الأندلس
قرطبة عاصمة الأندلس / Shutterstock

تحتوي المقالة على تأثيرات الأدب العربي على المخطوطة وتحتوي أيضاً على نص رثاء القبر بالخط الأصلي بالأبجدية العربية ونسخته العلمية. ويتضمن أيضاً ترجمة إسبانية حديثة قام بها جي تيكنور. وبفضل نشر جي تيكنور لتلك الترجمة، أصبحت القصيدة تُعرف كمثال فريد لـ"امتزاج عناصر ثرية من الحضارة الشرقية بالغربية، والتي انعكست لاحقاً في الشعر الإسباني الحديث". 

لغة الباسا جاوا في إندونيسيا 

الباسا جاوا أو الجاوية هي إحدى اللغات الإندونيسية خاصة في جزيرة جاوة، والتي لعبت دوراً ثقافياً كبيراً في تاريخ إندونيسيا، حيث تُدَرّس اللغة في جزيرة جاوة ويدرس بها العلماء والباحثون اللغة والأدب، مما جعل أهلها يقدِّرون ثقافتها الغنية ونظامهم الاجتماعي المبني على هذه اللغة، الذي يمثل انعكاساً لها.

تستخدم اللغة الجاوية الأبجدية العربية في كتابتها، ولاحقاً أصبحوا يستخدمون الحروف اللاتينية بسبب الاستعمار الهولندي في القرن التاسع عشر.

يرجع تاريخ أقدم كتابة معروفة باللغة الجاوية إلى القرن الرابع الميلادي، وفي ذلك الوقت تمت كتابة اللغة الجاوية بأبجدية بالافا. وبحلول القرن العاشر، كان لأبجدية الكاوي، التي تطورت من بالافا، شكل جاوي مميز. وابتداءً من القرن الخامس عشر فصاعداً، كُتبت اللغة الجاوية بالأبجدية العربية التي تسمَّى "بيجون". 

عندما حلّ القرن السابع عشر، تطورت الأبجدية الجاوية إلى شكلها الحالي. وخلال الاحتلال الياباني لإندونيسيا بين عامي 1942 و 1945، تم حظر الأبجدية العربية، ومنذ أن أدخل الهولنديون الأبجدية اللاتينية إلى إندونيسيا في القرن التاسع عشر، اُستبدلت الأبجدية العربية باللاتينية تدريجياً، فيما بقيت اللغة الجاوية بالحروف العربية تستخدم إلى يومنا هذا، ولكن بشكل حصري فقط من قبل العلماء وفناني الزخارف الجاوية، كما أن أولئك الذين يستطيعون القراءة والكتابة بهذه النسخة من اللغة يحظون بتقدير كبير بين الجاويين.

وبقدر اعتزاز متحدثي اللغة الجاوية بها نشرت صحيفة The Brunei Times الآسيوية مقالاً عن أهمية لغة جاوة وعلاقتها الوثيقة بالثقافة الماليزية خصوصاً والثقافة الإسلامية عموماً، والتي أوضحت فيه بعض نماذج اعتزاز أهل جاوة بلغتهم.

لغة الهوسا في إفريقيا 

لغة الهوسا هي أهم لغة مشتركة أصلية في غرب ووسط إفريقيا، يتحدث بها حوالي 40-50 مليون شخص لغة أولى أو ثانية. 

أكثر من يتحدثون الهوسا هم من المسلمين في تشاد والنيجر وشمال نيجيريا، ولطالما كُتبت الهوسا بالأبجدية العربية، لكن بصيغة معدلة تسمى "العجمي". 

منذ حوالي عام 1912، كُتبت الهوسا بأبجدية تسمى بوكو، والتي تعني في الأصل "الشام" والتي تستند إلى الأبجدية اللاتينية مع إضافة أحرف معدلة تمثل الحروف الساكنة المشكلة. وهذه الأبجدية القائمة على اللاتينية هي المستخدمة الآن في التعليم والصحف والكتب والأغراض العامة الأخرى.

تقع المناطق الأصلية لشعب الهوسا على جانبي الحدود بين النيجر، حيث يتحدث نصف السكان لغة الهوسا لغة أولى، ونيجيريا حيث يتحدثها حوالي خُمس السكان كلغة أولى. 

كانت إحدى أهم الدراسات في لغة الهوسا هو ما نشره القس جي بي برجيري عام 1934 لقاموس يحتوي على حوالي 40.000 كلمة، وأظهر عدداً ملحوظاً من الكلمات المستعارة من العربية مع عدة لغات أخرى مثل الكانوري وهي لغة نيلية صحراوية، وماجاك وهي اللغة الأمازيغية التي يتحدث بها الطوارق الملثمون. ولكن منذ الحقبة الاستعمارية، تنافست الإنجليزية في نيجيريا والفرنسية في النيجر لتطيح بتأثير اللغة والأبجدية العربية.

وكنوع من الاهتمام بهذه اللغة؛ تبث بي بي سي وصوت أمريكا برامج بهذه اللغة، إذ أطلقت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" برنامجاً إخبارياً تلفزيونياً بلغة الهوسا لغرب إفريقيا. كان ذلك في عام 2014 في نشرات أيام الأسبوع التي تبلغ مدتها 10 دقائق، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تبث فيها إذاعة دولية برامج إخبارية بلغة غرب إفريقيا.

تحميل المزيد