محاربات الأمازون.. القوة الضاربة لمملكة داهومي الإفريقية في مواجهة الاستعمار

في إحدى المعارك الفاصلة بين مملكة داهومي والقوات الفرنسية الغازية عام 1892 يقال إنّ محاربات الأمازون تصدين للجيش الفرنسي، ولم يستسلمن رغم التفوق العسكري الفرنسي، ومن إجمالي 434 محاربة لم ينجُ سوى 17 محاربة فقط.

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/09 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/09 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
محاربات الأمازون / Wikimedia Commons

كثيراً ما تكون الصور النمطيّة عن إفريقيا سيئة، خصوصاً فيما يخصّ تاريخها قبل الاستعمار. فالصورة التي صدّرها الاستعمار عن الشعوب والحضارات الإفريقية أنّها شعوبٌ "أقلّ" في الدرجة الإنسانية وأقلّ كذلك في الحضارة والتاريخ.

وليس الأمر متعلقاً بإفريقيا فقط، فهناك أيضاً مثل هذه الصور النمطية السيئة عن كلّ الدول التي استعمرها الأوروبيون. ويعتمد الاستعمار على "كذبة" أنّه يجلب الديمقراطية والحضارة إلى هذه المجتمعات والدول، ولكن يبدو أنّ معظم الدول التي استعمرتها أوروبا كانت لديها حضارات سابقة ونظم حُكم وسياسة.

ومن ضمن هذه الممالك كانت مملكة داهومي، التي تأسست على أراضي دولة بنين الحالية في غرب إفريقيا، لكنّ هذا التقرير سيغطِّي فقط قصة "محاربات الأمازون"، هؤلاء النساء المحاربات اللواتي دافعن عن مملكتهنّ حتّى الموت.

محاربات الأمازون
رسمة لإحدة قائدات محاربات الأمازون / Pinterest

مملكة داهومي.. 3 قرون من الازدهار والسيطرة

حكمت هذه المملكة منطقة دولة بنين الحالية طيلة ثلاثة قرون، فقد تأسست عام 1600 واستمرت حتّى عام 1904 عندما سقطت على يد الاستعمار الفرنسي. ووفقاً للتقاليد في بنين، فقد تصارع ثلاثة إخوة على مملكة "اللادا"، واستطاع أحد الإخوة السيطرة على المملكة ففر الأخوان الآخران، وقد أسّس أحد الأخوين مملكة داهومي، التي سيطرت لاحقاً على الإمارات والمناطق التي حولها.

المؤسس والملك الأول لمملكة داهومي هو جانجنيهيسو، وقد كانت تلك المملكة كسائر الممالك في العالم في ذلك الوقت، يرث الابن عرش أبيه وتُحكم المملكة بواسطة بيروقراطيين من طبقةٍ غنية، إضافةً بالطبع إلى بقية أفراد الشعب "العامة".

قويت المملكة مع الوقت وأنشأت الحصون والقصور، وكان من ضمن التقاليد أنّ كلّ ملك يبني قصراً إلى جانب قصر سابقه،  لأنّ القصر السابق يصبح قبراً للملك الذي عاش فيه. وهكذا فهناك 12 قصراً (عدد ملوك المملكة) معروفة باسم "القصور الملكية في أبو ميه".

كما كانت تقاليد هذه المملكة تعطي للمرأة نفس القدر من الاحترام والسلطة التي تعطيها للرجل، فمع كلّ مسؤول بيروقراطي في الحكومة كانت هناك امرأة بنفس كفاءته تُسديه النصح وتراقب أداءه. ولكن مع ذلك فقد بقي الملك رجلاً، ولم يسجّل في تاريخ المملكة أن حكمت امرأة، سوى مرّة واحدة، وهي التي أنشأت فرقة محاربات الأمازون الشجاعات!

محاربات الأمازون لحماية الملكة!

في البداية يجب أن نذكر أنّ اسم "محاربات الأمازون" لم يكن اسم المحاربات في مملكة داهومي، بل هو اسمٌ أطلقه الأوروبيون لاحقاً عليهنّ نسبةً إلى المقاتلات الشرسات في الأساطير الإغريقيّة، لكنّ اسمهن في المملكة كان "مينو"، وتعني هذه الكلمة في الثقافة المحلية "أمهاتنا"، أي أنّ هؤلاء المحاربات هنّ الأمهات اللاتي "يحمين".

ولكن، كيف تأسس جيش محاربات الأمازون ذاك؟ بعد وفاة الملك الرابع لهذه المملكة عام 1708 واسمه أكابا، تولّت أخته التوأم المُلك، وعرفت باسم "الملكة هانغبي"، لكن سرعان ما أطيح ملكها من قبل أخيها الصغير واسمه أجاجا.

مملكة داهومي
خريطة مملكة داهومي /britannica

حكم أجاجا ما يقارب 32 عاماً، وخلال هذه الفترة من الحكم طمس كلّ الآثار التي بقيت من فترة حكم الملكة هانغبي. وداخل جدران القصور الملكيّة المتبقية من تلك الفترة في بنين تُعرض صولجانات ملكيّة منقوشٌ عليها اسم ملوك تلك المملكة المتعاقبين، لكنّ اسم الملكة هانغبي ليس موجوداً.

وهكذا فقد شكّك بعض المؤرخون في وجودها من أساسه، وفق ما ذكرت الصحفية فلوير ماكدونالد في مقالها الذي نشرته BBC Travel.

وفي تلك الفترة القصيرة التي حكمت فيها هانغبي أسّست جيش محاربات الأمازون. والروايات الأشهر تقول إنّ هؤلاء المحاربات كانت مهمتهنّ حماية الملكة، بينما تقول بعض الروايات الضعيفة الأخرى إنّهنّ كنّ صائدات أفيال ثمّ أصبحن لاحقاً "صائدات بشر".

وإذا كانت الملكة هانغبي قد أسست هذا الفيلق النسائي لحمايتها، فقد استمرّ الملوك اللاحقون في استخدام نفس الفيلق لحمايتهم. وكان هذا الفيلق يعتبر "الحرس الملكي" ولم ينضمّ إلى جيش المملكة إلا متأخراً في القرن التاسع عشر، في عهد الملك غيزو الذي اتخذ هذا القرار لسدّ العجز في جيشه.

بعد انضمامهنّ لجيش المملكة كانت محاربات الأمازون بمثابة "قوات نخبة الجيش"، فقد كنّ يحاربن دوماً في الصفوف الأولى للجيش. وقد اشتهرنّ بالشجاعة والبراعة الفائقة في الحروب.

في إحدى المعارك الفاصلة بين مملكة داهومي والقوات الفرنسية الغازية عام 1892 يقال إنّ محاربات الأمازون تصدين للجيش الفرنسي، ولم يستسلمن رغم التفوق العسكري الفرنسي، ومن إجمالي 434 محاربة لم ينجُ سوى 17 محاربة فقط.

كما ذكر قسٌ إيطاليّ تدريبات جيش محاربات الأمازون، وقال إنّه شاهد آلاف النساء يتسلّقن أشجاراً بلغ طول الواحدة منها 120 متراً، ولم يكنّ يشعرن بأيّ ألم أثناء التسلُّق.

انتهت مملكة داهومي على يد الاستعمار الفرنسي بعدما هزموا آخر ملوكها واسمه بيهانزين عام 1895، وقد حرق بيهانزين العاصمة قبل أن يهرب منها إلى الشمال. وقد نالت "مملكة داهومي" الاستقلال عام 1960 ليؤسس مكانها دولة بنين المستقلّة.

تحميل المزيد