كشفت وسائل إعلام عبرية مؤخراً عن مشروعٍ مشترك لفتح معبر بحري بين ميناء إيلات إلى ميناء جدّة السعودي، وهذا المشروع بالطبع يأتي ضمن أجندة التطبيع الإماراتية مع إسرائيل. ووفقاً لما ذكرته صحيفة "إسرائيل اليوم" يجري دراسة إمكانية فتح معبر بحري مباشر للحجاج المسلمين من حملة الجنسية الإسرائيلية من ميناء إيلات إلى جدّة في السعودية مباشرةً.
لكنّ التفاصيل المحيطة بهذا المشروع تبيِّن لنا أمراً مختلفاً عن قضيّة حجّ المسلمين، وهي أنّ وفداً إماراتياً برئاسة الرئيس التنفيذي لشركة موانئ دبي العالمية مع رجال أعمال إماراتيين قاموا بزيارة لميناء إيلات، وقد وقّعت شركة موانئ دبي عقداً للعمل في ميناء حيفا في إسرائيل.
لكنّ الحقيقة الماثلة الآن أنّ هذا المشروع وغيره من المشاريع التجارية يمثل خطراً جيو-سياسياً واستراتيجياً على المصالح المصرية ممثلةً في الخطر الأكبر على قناة السويس.
إذ إنّه وفقاً لبعض المشاريع الإسرائيلية-الإماراتية سيمرّ نفط الخليج إلى أوروبا عبر إسرائيل بدلاً عن قناة السويس، وربما سيتأثر مدخول قناة السويس بدرجة 50%. فستمدّ الإمارات خطوط أنابيب النفط إلى إسرائيل من خلال ميناء إيلات على البحر الأحمر إلى ميناء أشدود على البحر المتوسط.
فهل تعرف أن ميناء إيلات مدينة مصرية بالأساس؟
ربما لن نحتاج للعودة إلى التاريخ البعيد كثيراً للتدليل على أنّ ميناء إيلات مصري بالأساس، لكنّنا سنعود إلى وقتٍ قريب للغاية، ببساطة لأن إسرائيل أقامت دولتها على أرض فلسطين في القرن الماضي فقط لا أكثر، وهكذا فإن النزاع على هذه المنطقة حديث، بدأ فقط مع وجود إسرائيل.
دخلت الجيوش العربية معركةً مع العصابات اليهودية التي كانت النواة التي شكّلت جيش الاحتلال الإسرائيلي لاحقاً. فيما عرف بحرب 1948 التي تسببت بشكلٍ غير مباشر في إطاحة الحكم الملكي في مصر عام 1952.
انتهت هذه الحرب بما عُرف بهدنة رودس عام 1949 بين إسرائيل من ناحية والدول العربية المحاربة لها من ناحيةٍ أخرى.
عقدت الهدنة المصريّة – الإسرائيلية في يوم 24 فبراير/شباط من عام 1949، وبعد أسبوعين بالضبط خرقت إسرائيل الهدنة واحتلّت منطقة أمّ الرشراش المصريّة التي تحتوي على منطقتي طابا وأم الرشراش التي سمّتها إسرائيل ميناء إيلات، المطلّ بالطبع على خليج العقبة. وقد أقيمت مدينة إيلات في عام 1950.
كانت الهدنة تقضي بوقف إطلاق النار بين كلّ القوات المتحاربة، وتوقُّف كل قوّة عند مناطق سيطرتها وقت توقيع الهدنة، لكنّ جنرالاً إسرائيلياً أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء، هو إسحاق رابين قرَّر خوض معركة جيو-سياسية قبل أن تكون عسكرية، لتمتلك إسرائيل إطلالةً على البحر الأحمر، بدل أن تكون معزولة بحدودٍ عربية.
تحرّك إسحاق رابين بقوّاته إلى أمّ الرشراش، كانت قوة شرطة مصرية مكوّنة من 350 فرداً متمركزة في المنطقة، ولكنّهم كانوا ملتزمين بوقف إطلاق النار. هاجمهم رابين وعصابته وقتلوهم جميعاً، ومن حينها ولا تزال أمّ الرشراش تحت السيطرة الإسرائيلية.
تنبع أهميّة أم الرشراش، التي سمّتها إسرائيل إيلات من أنها نافذتها الوحيدة على البحر الأحمر، وبالتالي تضعها إيلات بعد التطبيع مع الدول الخليجية على خطّ نقل البضائع بين الشرق (الصين والهند) والغرب (أوروبا).
فبدون أم الرشراش كانت إسرائيل ستصبح دولة محاطة بدول العربية من كل الجوانب، وليست لها إطلالة بحرية سوى البحر المتوسط. وخطورة عمليات التطبيع تلك واتفاقاتها الاقتصادية المرصودة لها أنّها ستؤثر كما ذكرنا سابقاً على قناة السويس مباشرةً. إذ إنّ أهمية قناة السويس الكبرى هي وصلها بين البحر الأحمر وشرق العالم وبين البحر المتوسط وغربه المتمثل في أوروبا وساحل المتوسط.
هل هذه هي المرة الأولى التي تخطط فيها إسرائيل للقضاء على قناة السويس؟
في بدايات عام 2015 أعلنت إسرائيل والأردن بدء مشروعهما لإنشاء رابط مائي ضخم بينهما. هذا المشروع كان من شأنه تغيير موازين الجغرافية السياسية للمنطقة، إذ إنه سيربط البحرين الميّت والبحر الأحمر.
قد نتخيّل أن محاولات إسرائيل لتحجيم وتقزيم دور قناة السويس ليس بعيداً إلى هذا الحدّ، وقد نتخيّل أنّ مشروع ربط البحر الميت والبحر الأحمر ليس سوى أحد المشروعات الاقتصادية الواعدة. لكن ماذا إذا وجدنا مشروعاً قديماً اعتبرته إسرائيل "مشروعاً قومياً" عام 2012، لمدّ خطّ سكة حديد بين البحرين الأحمر والمتوسّط ليكون منافساً رسميّاً لقناة السويس، وقد اعتبرت صحيفة هآراتس الإسرائيلية حينها أنّ هذا المشروع "مشروع قناة السويس الإسرائيلي".
سُمِّي المشروع في حينه باسم Med – Red نسبةً إلى اسمي البحرين المتوسط والأحمر، ووفقاً للمعلومات التي أتيحت حينها فالمشروع يمتد لمسافة 350 كيلومتراً، وكانت إسرائيل ترجو من هذا المشروع أن يكون حلقة الوصل الرئيسية بين الدول الآسيوية المُنتجة الكبرى مثل الهند والصين وجنوب شرق آسيا وبين أوروبا.
لكن يبدو أن تسريع وتيرة التطبيع والمشروعات الخليجية – الإسرائيلية جاء لإسرائيل فرصةً على طبقٍ من ذهب، إذ من خلال هذه المشروعات الجديدة بينها وبين الإمارات يمكن لها أن تؤثر تماماً ومباشرةً على قناة السويس دون جهدٍ كبير. فالدول العربية المحيطة حلفاؤها في هذا المشروع بالأساس.
وهكذا ستقيم إسرائيل مشروعاً منافساً لأحد أهم مصادر الدخل القومي المصري على أرضٍ مصريّة اغتصبتها عام 1949 رغم توقيع هدنة وقف إطلاق النار!