مواقع تاريخية مهددة بالزوال وحضارات منسية.. 5 آثار إفريقية وصومالية لا تعرفها بسبب الحرب والإهمال

عدد القراءات
1,142
تم النشر: 2020/10/01 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/10/01 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش
موقع أثري في الصومال

يُعتقد أن منطقة القرن الإفريقي هي واحدة من المناطق القليلة في العالم التي تعتبر مهد الإنسانية، ويملك القرن الإفريقي أطول سجل زمني للبشر، حيث بدأت سلالة البشرية في القرن الإفريقي قبل نحو 2.6 إلى 3 ملايين سنة. وصارت إفريقيا ككل مكاناً هاماً لجذب الانتباه العلمي في العقود الأخيرة عندما توالت اكتشافات عديدة في العصر الحجري المبكر مثل نهر أَوْمَو في جنوب إثيوبيا الذي صار أقدم حفرية للجماجم بشرية، حيث يعود تاريخه إلى ما يقرب من 2.6 إلى 3 ملايين سنة مضت.

وكذلك أقدم جينات في المغرب، والتي تم اكتشافها بكهف تافوغالت قرب مدينة بركان (التي تبعد نحو 500 كيلومتر شمال شرقي الرباط) إلى 15 ألف سنة، وعدة اكتشافات أخرى عثر في جنوب إفريقيا وتنزانيا وكينيا وترجع أعمارها إلى مئات وملايين السنين.

هنا سنسلط الضوء على بعض من أهم الاكتشافات الأثرية المنسية والتي عثر عليها في القرن الإفريقي وجذبت انتباه العالم وغيرت نظرته تجاه إفريقيا:


1- نهر أومو omo river ) 2.6- 3 مليون سنة ق.م )

يقع نهر أومو في جنوب إثيوبيا، ويصب في بحيرة توركانا في الحدود مع كينيا، اشتهر في جميع أنحاء العالم، وأثبتت الأبحاث العلمية أن نهر أومو يُسهم بشكل كبير في الدراسات الأثرية والجيولوجية الأنثروبولوجية والبيولوجية والبيئية البارزة، وهو يتمتع بأهمية كبيرة في دراسة التطور البشري، وتم تصنيفه كموقع للتراث العالمي لليونسكو في عام 1980. ويعد نهر أومو أطول سجل زمني للسكن للبشري حتى الآن على الإطلاق.

حوض نهر أومو بأكمله مهم أيضاً جيولوجياً وأثرياً، فقد تم اكتشاف العديد من الحفريات البشرية والمواقع الأثرية من قبل فريقين دوليين من فرنسا وأمريكا وإيطاليا. وكانت الاكتشافات الأثرية الأولى في المنطقة في عام 1901، من قبل بعثة فرنسية. وعثر على باقي الاكتشافات في العصر الحديث، بين عامي 1967 و1975، من قبَل فريق دولي بقيادة عالم الآثار ريتشارد ليكي.

اكتشف هذا الفريق عدداً من العناصر البشرية المختلفة، بما في ذلك عظم الفك (jawbone) لرجل من سلالة أسترالوبيثكس (Australopithecus man) يقدر عمره بنحو 2.5 مليون سنة. وشظايا أحفورية من أشباه البشر ( fossil fragments of Olduwan) من العصر البليستوسيني وحتى عصر البليوسين. وتم العثور أيضاً على أدوات الكوارتز مع بعض بقايا الإنسان في ضفاف النهر.

 قام فريق آخر من علماء الجامعة الوطنية الأسترالية بإعادة زيارة الموقع في عام 2005 وعثروا على أجزاء إضافية من شظايا أحفورية المتحجرة، والتي تطابق تلك الموجودة في الأصل. يعود تاريخ الاكتشافات الجديدة إلى ما يقرب من 1.7 إلى 3 ملايين سنة، وضع هذه البقايا البشرية في متحف أديس أبابا كشهادة على أن منطقة القرن الإفريقي هي مهد البشرية.

نهر أومو

2- أقدم الفؤوس اليدوية الحجرية في العصر الحجري القديم المبكر (12000- 40000 ق.م)

في عام 1896 اكتشف سيتون كار الفؤوس اليدوية الحجرية في جَالِيلَو، بين ميناء بربرة ومدينة هرجيسا الداخلية، في شمال الصومال، ويعود عمر الفؤوس اليدوية الحجرية إلى ما يقرب من 12000 إلى 40.000 سنة.
وصف سيتون اكتشافه في عدد من المجلات قائلاً: "لقد عثرت على أهم الفؤوس اليدوية الحجرية والتي صنعها رجل عاش في عصر البليوثيكس -عصر الحجري القديم- في القرن الإفريقي، وذلك لأول مرة على حد علمي". أكد سيتون كار أنها تشبه القطعات الأثرية الحجرية التي تم العثور عليها سابقاً من بعض المواقع في فرنسا (أبفيل) وإنجلترا (هوكسون) وأكد علماء الآثار بعد ذلك أن هذه الفؤوس اليدوية الحجرية إشارة قوية لوجود إنسان في العصر الحجري القديم المبكر في هذه المنطقة. وقد تم وضع هذه الفؤوس اليدوية الحجرية الصومالية في بعض المتاحف، بما في ذلك المتحف البريطاني والأسترالي.

الفؤوس اليدوية الحجرية

3- ملاجِئ بُور هَيْبِي الصخرية (12000 – 15000 ق.م)

ملاجئ بُوْرهَيْبِ الصخرية أو كَجَلِيس قَبِي (بالصومالية: Gogollis Qabe) بمعنى (المكان المفروش)، وهو موقع أثري من العصر الحجري القديم يقع قرب مدينة بيدوا عاصمة ولاية باي جنوب غرب الصومال، وعلى ارتفاع 610 أمتار فوق مستوى سطح البحر. يطلق السكان على المنطقة بُوْرهَيْبِ (بالصومالية: buur heybe) بمعنى (جبل الرمال الطينية) إشارة الى الطين الوفير والمواد المتاحة الأخرى في المنطقة، وكذلك يطلق أيضاً بور أيْلِيْ (بالصومالية: buur eyli) بمعنى (الصيادون مع الكلاب) إشارة إلى مهنة سكان القرى المحيطة به مثل بَرْدَالِي، مُوْنَي، هَوَال طَيْرِي، الذين اشتهروا بالزراعة والرعي والصيد والخزافة.

اُكتشف الموقع لأول مرة في عام 1935 من قبَل عالم الآثار الإيطالي باولو غرازيوني، الذي أشار إلى الملجأ باسم بُوْر هَيْبِ (buur eybe) ووجد غرازيوني تسلسلاً أثرياً وقطعات أثرية ونقوشات تعود للعصر الحجري القديم.
وبعد 10 سنوات قام عالم الآثار ديزموند كلارك بحفر موقع على بعد نصف كيلومتر تقريباً شمال الموقع وأطلق عليه جُوْرِي وَابِي (gury waabay) بمعنى (البيت السام).

 تم اكتشاف مواقع أثرية أخرى قبل التاريخ في المنطقة على شكل مقابر ولوحات صخرية وكهوف مسكونة، وبقايا هياكل عظمية لـ14 شخصاً دفنو مع قطع أثرية مهمة، وتشكل هذه المقابر أقدم مدافن في القرن الإفريقي. تقع مواقع الدفن هذه على قمة الجبل ويزورها سكان المنطقة سنوياً لاعتقادهم أن هذه المقابر دفن بها أشخاص مقدسون مجهولون.
وهناك ملجأ صخري يطلق عليه سكان المنطقة "اَبْكَاْ أِيْدِن وَأَبَوْي هَاْوِي" (abka eedign I oboy haawy) ويقصدون "محكمة آدم وحواء" وقرب هذا الملجأ يوجد خندق، ويعتقد سكان المنطقة أنه لا يمكن أن يتجاوزه الأشخاص أصحاب الماضي الشرير، وإن حاولوا سيقعون فيه ولا رجوع لهم من هذا الخندق، ويسمونه (siraad) أي (ممر نحو السماء).
 بعدما انتشر الإسلام بهذه المنطقة تأثر سكان المنطقة بالثقافة الإسلامية وتم تحويل مواقع الدفن والمواقع المقدسة إلى مواقع إسلامية، بما في ذلك قبر أول قاسم وضريح الشيخ عبدالقادر الجيلاني مؤسس القادرية.

بقايا هياكل عظيمة بشرية

اشتهرت هذه المنطقة بالعديد من المصنوعات اليدوية كالفخار والخزف التي كان يستخدمها الإنسان القديم، واكتشفت فخارات في المنطقة، تعود تاريخها إلى ما بين 12910-11000 سنة قبل الميلاد. 

عندما نتحدث عن هذه المواقع الأثرية لابدَّ لنا أن نذكر تاريخ وجود حضارة راقية فريدة من نوعها تأسست في هذه المنطقة المعروفة تسمى حضارة دَوْي (dooy civilization)، هذه الحضارة أو كل ما يتعلق بهذه المنطقة منسية تماماً، خاصة بعد دخول الصومال في حروب أهلية متواصلة في العقود الأخيرة، وبذلك لم تتَح الفرصة الكافية لعلماء الآثار لاستكشاف سر وتاريخ هذه الحضارة المنسية والمظلومة.

بُور هَيْبِي

4- مجمع لاَسْ جَيْل (9000-10000 ق.م)

في كانون الأول في عام 2002، اكتشف فريق من علماء الآثار الفرنسي، العديد من رسومات الكهوف ومواقع أثرية تعود إلى العصور الحجرية الحديثة في مجمع لاس جيل، على مشارف هرجيسا والذي يعني (مصدر الماء للإبل). أشار الفريق إلى أن هذه الكهوف تعود إلى ما بين 9000 و10000 قبل الميلاد، وفي نوفمبر/تشرين الثاني في عام 2003، عاد الفريق إلى لاس جيل، وقام بدراسة مفصلة عن اللوحات والرسومات البديهية ما قبل التاريخ. وعثر على ما يقرب من 20 ملجأ أو كهفاً مصنوعة من تكوينات صخرية تحدث بشكل طبيعي وبحجم مختلف، يبلغ أطولها عشرة أمتار وعمقها حوالي 5 أمتار.

يوجد داخل هذه الكهوف كوكبة من رسومات الحيوانات والبشر الملونة والمزخرفة، ومن المدهش جداً استخداهم للكثير من الألوان في رسوماتهم مثل البني والأحمر والأصفر ونادراً ما تجد ألواناً كهذه في الفن الصخري. كذلك غُطيت جدران الكهف بالكتابات الهيروغليفية القديمة ورسومات أخرى معقدة لم يفصل في معناها الفريق جيداً، وتشير التقديرات إلى وجود ما يقرب من 350 تمثيلاً حيوانياً وإنسانياً وقطع أثرية ثمينة تخبرنا معلومات أدق عن الإنسان القديم. لقد عرف الصوماليون بوجود الكهوف منذ قرون، ولكن كانوا يعتقدونها مواقع شريرة محظورة يسكنها الشياطين، لكن فيما بعد زالت هذه المعتقدات واعتبروها مواقع أثرية تاريخية. 

رسومات لاَسْ جَيْل

أما شمال الصومال بشكل خاص فتعتبر موطناً للعديد من المواقع الأثرية التى لم تكتشف أصلاً رغم أن مئات من هذه المواقع معروفة عند سكان المنطقة. لكن لا حياة لمن تنادي؛ وباتت هذه المواقع الأثرية مهددة بالخطر، وقد تختفي في غضون سنوات بسبب الإهمال الشديد وتعرضها لعوامل ارتفاع الحرارة والشمس وتسرب مياه الأمطار.

رسومات لاَسْ جَيْل

5- موقع طَمْبَلَنْ (5000-3000 ق.م)

طَمْبَلَن (Dhambaling) هو ملجأ صخري من الحجر الرملي، تم اكتشافه في عام 2007، يقع في شمال الصومال إفي قليم تَوْكَطَيْر. عثر في هذا الموقع على بعض من أفضل الرسومات متعددة الألوان في إفريقيا، بما في ذلك رسومات الأبقار والماعز والأغنام والكلاب والثعبان والسلحفاة وثمانية أنواع على الأقل من الزرافات المنقرضة الآن. ومن المثير للدهشة دقة وجودة الرسومات واستخدامهم ألواناً متعددة لم نعتَدها في الفن الصخري كما أشرنا مثلها في مجمع لَاسْ جَيْل، يوجد في الموقع أيضاً رسومات بشرية وأخرى للقوس والسهام. وتوجد أيضاً رسومات لحيوانات انقرضت تماماً لا يعرفها سكان المنطقة ولم تعد موجودة تماماً. وتعود تاريخ هذه الرسومات إلى ما بين 3000-5000 ق.م.

يشترك الموقع في بعض أوجه التشابه مع الطراز العربي الإثيوبي من العصر الحجري الحديث في القرن الإفريقي، ويلعب موقع طَمْبَلَنْ دوراً رئيسياً في تسليط الضوء على الثقافات الرعوية والرمزية ما قبل التاريخ في الفن الصخري في القرن الإفريقي.

رسومات موقع طَمْبَلَنْ

يعتبر القرن الإفريقي من أهم المناطق التي عثر فيها على مواقع أثرية مهمة في تاريخ البشرية، ومع ذلك فإن اكتشافات المنطقة قليلة جداً وتعاني إهمالاً شديداً، نظراً لظروف القارة السياسية. كل ما أشرنا إليه غيض من فيض وما خفي أعظم. أرجو أن تلقى هذه المنطقة مزيداً من انتباهنا واهتمامنا الذي تستحقه، وسوف تعطينا آثارها وتاريخها أجوبة كثيرة عن مهد الإنسانية وعن حياة الإنسان القديم.

المراجع:

1- Historical dictionary of Somalia – new edition – by: Mohamed haji mukhtar

2- The Potters of Buur Heybe, Somalia – DVD video .Archaeological Methods & Practice- English -By (author) Steven Brandt.

3- Hillary Mayell, "Oldest Human Fossils Identified." National Geographic.

4- Hand axes from Somalia and our African Origin

5- Prehistoric Stone Hand Axes from Somalia

6- Reference to Prof. M. S. Megalommatis' articles about the historical sources of Somalia's Pre-Islamic History .

7- The prehistoric cultures of the horn of Africa. By: j.d. clark

8- Mire, S. (2008). The Discovery of Dhambalin Rock Art Site, Somaliland. The African Archaeological Review,25(3-4), 153-168.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالفتاح شيخ محمد
كاتب صومالي ومهندس معماري
عبدالفتاح عبدالعزيز شيخ محمد، كاتب صومالي ومهندس معماري، وصاحب مشروع سلسلة المدن الصومالية. يهدف المشروع لإعطاء فكرة جامعة عن المدن الصومالية وواقعها الجغرافي وتطورها العمراني عبر العصور، وتاريخها ونشأتها، وأنشطتها الاقتصادية والاجتماعية ومعالمها الإسلامية والتاريخ النضالي لسكانها ليستفيد الطالب والباحث والعامل والمثقف على حد سواء ولتبقى وثيقة حية في ذاكرة الأمة الصومالية. صدر للكاتب أول سلسلة للمشروع كتاب بعنوان: "المعالم المؤثرة في تاريخ مدينة بيدوا".
تحميل المزيد